@ 127 @ ذلك من الآيات . ولو كان معنى الآية وما شابهها : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، أي : الذين فارقت أرواحهم أبدانهم لما كان في ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم ، كما ترى . .
واعلم : أن آية ( النمل ) هذه ، حاءت آيتان أُخريان بمعناها : .
الأولى منهما : قوله تعالى في سورة ( الروم ) : { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِى الْعُمْىِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِئَايَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } ، ولفظ آية ( الروم ) هذه ، كلفظ آية ( النمل ) التي نحن بصددها ، فيكفي في بيان آية ( الروم ) ، ما ذكرنا في آية ( النمل ) . .
والثانية منهما : قوله تعالى في سورة ( فاطر ) : { إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ } ، وآية ( فاطر ) هذه كآية ( النمل ) و ( الروم ) المتقدمتين ، لأن المراد بقوله فيها : { مَن فِى الْقُبُورِ } الموتى ، فلا فرق بي قوله : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، وبين قوله : { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ } ؛ لأن المراد بالموتى ومن في القبور واحد ؛ كقوله تعالى : { وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ } ، أي : يبعث جميع الموتى من قُبِر منهم ومن لم يقبر ، وقد دلَّت قرائن قرءانيّة أيضًا على أن معنى آية ( فاطر ) هذه كمعنى آية ( الروم ) ، منها قوله تعالى قبلها : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } ، لأن معناها : لا ينفع إنذارك إلا من هداه اللَّه ووفّقه فصار ممن يخشى ربّه بالغيب ويقيم الصلاة ، { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ } ، أي : الموتى ، أي : الكفار الذين سبق لهم الشقاء ، كما تقدّم . ومنها قوله تعالى أيضًا : { وَمَا يَسْتَوِى الاْعْمَى وَالْبَصِيرُ } ، أي : المؤمن والكافر . وقوله تعالى ( بعدها ) : { وَمَا يَسْتَوِى الاْحْيَاء وَلاَ الاْمْوَاتُ } ، أي : المؤمنون والكفار . ومنها قوله تعالى بعده : { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } ( 52 / 32 ) ، أي : ليس الإضلال والهدى بيدك ما أنت إلا نذير ، أي : وقد بلّغت . .
التفسير الثاني : هو أن المراد بالموتى الذين ماتوا بالفعل ، ولكن المراد بالسماع المنفي في قوله : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } خصوص السماع المعتاد الذي ينتفع صاحبه به ، وأن هذا مثل ضرب للكفار ، والكفار يسمعون الصوت ، لكن لا يسمعون سماع قبول بفقه واتّباع ؛ كما قال تعالى : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء