@ 126 @ . .
فقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا } ، أي : كافرًا فأحييناه ، أي : بالإيمان والهدى ، وهذا لا نزاع فيه ، وفيه إطلاق الموت وإرادة الكفر بلا خلاف ؛ وكقوله : { لّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } ، وكقوله تعالى : { وَمَا يَسْتَوِى الاْحْيَاء وَلاَ الاْمْوَاتُ } ، أي : لا يستوي المؤمنون والكافرون . .
ومن أوضح الأدلّة على هذا المعنى ، أن قوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } الآية ، وما في معناها من الآيات كلّها ، تسلية له صلى الله عليه وسلم ، لأنه يحزنه عدم إيمانهم ، كما بيّنه تعالى في آيات كثيرة ؛ كقوله تعالى : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ } ، وقوله تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } ، وقوله : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } ، وقوله تعالى : { فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } ، وكقوله تعالى : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ } ، وقوله تعالى : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىءاثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَاذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً } ، وقوله تعالى : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } ، إلى غير ذلك من الآيات ، كما تقدّم إيضاحه . ولما كان يحزنه كفرهم وعدم إيمانهم ، أنزل اللَّه آيات كثيرة تسلية له صلى الله عليه وسلم بيّن له فيها أنه لا قدرة له صلى الله عليه وسلم على هدي من أضلّه اللَّه ، فإن الهدى والإضلال بيده جلَّ وعلا وحده ، وأوضح له أنه نذير ، وقد أتى بما عليه فأنذرهم على أَكمل الوجوه وأبلغها ، وأن هداهم وإضلالهم بيد من خلقهم . .
ومن الآيات النازلة تسلية له صلى الله عليه وسلم ، قوله هنا : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، أي : لا تسمع من أضلّه اللَّه إسماع هدى وقبول ، { وَمَا أَنتَ بِهَادِى الْعُمْىِ عَن ضَلَالَتِهِمْ } ، يعني : ما تسمع إسماع هدى وقبول ، إلاّ من هديناهم للإيمان بآياتنا { فَهُم مُّسْلِمُونَ } . .
والآيات الدالَّة على هذا المعنى كثيرة ؛ كقوله تعالى : { إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى مَن يُضِلُّ } ، وقوله تعالى : { وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ } ، وقوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء } ، وقوله تعالى : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } ، إلى غير