@ 125 @ وعلى أبصارهم الغشاوة ، فلا يسمعون الحقّ سماع اهتداء وانتفاع . ومن القرائن القرءانية الدالَّة على ما ذكرنا ، أنّه جلَّ وعلا قال بعده : { وَمَا أَنتَ بِهَادِى الْعُمْىِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ } . .
فاتّضح بهذه القرينة أن المعنى : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، أي : الكفار الذين هم أشقياء في علم اللَّه إسماع هدى وقبول للحق ، ما تسمع ذلك الإسماع { وَمَا أَنتَ بِهَادِى الْعُمْىِ عَن ضَلَالَتِهِمْ } ، فمقابلته جلَّ وعلا بالإسماع المنفي في الآية عن الموتى بالإسماع المثبت فيها ، لمن يؤمن بآياته ، فهو مسلم دليل واضح على أن المراد بالموت في الآية موت الكفر والشقاء ، لا موت مفارقة الروح للبدن ، ولو كان المراد بالموت في قوله : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، مفارقة الروح للبدن لما قابل قوله : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، بقوله : { وَمَا أَنتَ بِهَادِى الْعُمْىِ عَن ضَلَالَتِهِمْ } ، بل لقابله بما يناسبه ، كأن يقال : آن تسمع إلاّ من لم يمت ، أي : يفارق روحه بدنه ، كما هو واضح . .
وإذا علمت أن هذه القرينة القرءانيّة دلّت على أن المراد بالموتى هنا الأشقياء ، الذين لا يسمعون الحقّ سماع هدى وقبول . .
فاعلم أن استقراء القرءان العظيم يدلّ على هذا المعنى ؛ كقوله تعالى : { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } ، وقد أجمع من يعتدّ به من أهل العلم أن المراد بالموتى في قوله : { وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ } : الكفّار ، ويدلّ له مقابلة الموتى في قوله : { وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ } بالذين يسمعون ، في قوله : { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ } ، ويوضح ذلك قوله تعالى قبله : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً فِى الاْرْضِ أَوْ سُلَّماً فِى السَّمَاء فَتَأْتِيَهُمْ بِئَايَةٍ } ، أي : فافعل ، ثم قال : { وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ * إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ } ، وهذا واضح فيما ذكرنا . ولو كان يراد بالموتى من فارقت أرواحهم أبدانهم لقابل الموتى بما يناسبهم ؛ كأن يقال : إنما يستجيب الأحياء ، أي : الذين لم تفارق أرواحهم أبدانهم ، وكقوله تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا }