@ 123 @ عنها ؛ وكقوله تعالى : { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } ، أي : علمك اليوم بما كنت تنكره في الدنيا مما جاءتك به الرسل حديد ، أي : قوي كامل . .
وقد بيَّنا في كتابنا ( دفع إبهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) ، في سورة ( الشورى ) ، في الجواب عمّا يتوهم من التعارض بين قوله تعالى : { يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىّ } ، وقوله تعالى : { فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } ، أن المراد بحدّة البصر في ذلك اليوم : كما العلم وقوّة المعرفة . وقوله تعالى : { وَلَوْ تَرَى الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } ، فقوله : { إِنَّا مُوقِنُونَ } أي : يوم القيامة ، يوضح معنى قوله هنا : { بَلِ ادرَكَ عِلْمُهُمْ فِى الاْخِرَةِ } ، وكقوله تعالى : { وَعُرِضُواْ عَلَى رَبّكَ صَفَّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا } ، فعرضهم على ربهم صفًّا يتدارك به علمهم ، لما كانوا ينكرونه ، وقوله : { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا } ، صريح في أنهم في الدنيا كانوا في شكّ وعمى عن البعث والجزاء كما ترى ، إلى غير ذلك من الآيات . .
واعلم أن قوله : { بَلِ ادرَكَ } ، فيه اثنتا عشرة قراءة اثنتان منها فقط سبعيّتان ، فقد قرأه عامّة السبعة ، غير ابن كثير وأبي عمرو : { بَلِ ادرَكَ } بكسر اللام من { بَلِ } وتشديد الدال بعدها ألف والألف التي قبل الدال همزة وصل ، وأصله : تدارك بوزن : تفاعل ، وقد قدّمنا وجه الإدغام ، واستجلاب همزة الوصل في تفاعل وتفعل وأمثلة ذلك في القرءان ، وبعض شواهده العربية في سورة ( طه ) ، في الكلام على قوله تعالى : { فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو : { بَلِ ادرَكَ } بسكون اللام من { بَلِ } ، وهمزة قطع مفتوحة ، مع سكون الدال على وزن : أفعل . .
والمعنى على قراءة الجمهور : { بَلِ ادرَكَ عِلْمُهُمْ } ، أي : تدارك بمعنى تكامل ؛ كقوله : { حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا } ، وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو : { بَلِ ادرَكَ } . .
قال البغوي : أي بلغ ولحق ، كما يقال : أدرك علمي إذا لحقه وبلغه ، والإضراب في قوله تعالى : { بَلِ ادرَكَ } ، { بْل هُمْ فَى شَكّ } ، { بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ } ، إضراب انتقالي ، والظاهر أن من في قوله تعالى : { بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ } ، بمعنى : عن ،