@ 118 @ تختبرون . وقال بعضهم : تعذبون ؛ كقوله : { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } ، وقد قدّمنا أن أصل الفتنة في اللغة ، وضع الذهب في النار ليختبر بالسبك أزائف هو أم خالص ؟ وأنها أطلقت في القرءان على أربعة معان : .
الأول : إطلاقها على الإحراق بالنار ؛ كقوله تعالى : { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } ، وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } ، أي : حرّقوهم بنار الأخدود على أحد التفسيرين ، وقد اختاره بعض المحقّقين . . .
المعنى الثاني : إطلاق الفتنة على الاختبار ، وهذا هو أكثرها استعمالاً ؛ كقوله تعالى : { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } ، وقوله تعالى : { وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لاَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } ، والآيات بمثل ذلك كثيرة . .
الثالث : إطلاق الفتنة على نتيجة الاختبار إن كانت سيّئة خاصة ، ومن هنا أطلقت الفتنة على الكفر والضلال ؛ كقوله تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ، أي : لا يبقى شرك ، وهذا التفسير الصحيح ، دلَّ عليه الكتاب والسنّة . .
أمّا الكتاب ، فقد دلَّ عليه قوله بعده في ( البقرة ) : { وَيَكُونَ الدّينُ للَّهِ } ، وفي ( الأنفال ) : { وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ } ، فإنه يوضح أن معنى : { لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ، أي : لا يبقى شرك ؛ لأن الدين لا يكون كلّه للَّه ، ما دام في الأرض شرك ، كما ترى . .
وأمّا السنة : ففي قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إلاه إلاّ اللَّه ) ، الحديث . فقد جعل صلى الله عليه وسلم الغاية التي ينتهي إليها قتاله للناس ، هي شهادة ألا إلاه إلاّ اللَّه ، وأنّ محمّداً رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وهو واضح في أن معنى : { لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } : لا يبقى شرك ، فالآية والحديث كلاهما دالّ على أن الغاية التي ينتهي إليها قتال الكفاء هي ألا يبقى في الأرض شرك ، إلاّ أنّه تعالى في الآية عبّر عن هذا المعنى بقوله : { حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةً } ، وقد عبّر صلى الله عليه وسلم عنه بقوله : ( حتى يشهدوا ألا إلاه إلاّ اللَّه ) ، فالغاية في الآية والحديث واحدة في المعنى ، كما ترى . .
الرابع : هو إطلاق الفتنة على الحجّة ، في قوله تعالى : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن