@ 103 @ .
والأظهر عندي في قوله : { لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ، أنه نوع من التوكيد يكثر مثله في القرءان العظيم ؛ كقوله : { يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم } ، ومعلوم أنهم إنما يقولون بأفواههم . وقوله تعالى : { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } ، ومعلوم أنهم إنما يكتبونه بأيديهم ، وقوله تعالى : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } ، وقوله تعالى : { حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } ، إلى غير ذلك من الآيات . { وَتَوكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ } . قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك ، أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ، وتكون في الآية قرينة ، تدلّ على عدم صحته ، وذكرنا أمثلة متعدّدة لذلك في الترجمة ، وفيما مضى من الكتاب . .
وإذا علمت ذلك ، فاعلم أن قوله هنا : { وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ } ، قال فيه بعض أهل العلم المعنى : وتقلبك في أصلاب آبائك الساجدين ، أي : المؤمنين باللَّه كآدم ونوح ، وإبراهيم ، وإسماعيل . .
واستدلّ بعضهم لهذا القول فيمن بعد إبراهيم من آبائه ، بقوله تعالى عن إبراهيم : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِ } ، وممّن روي عنه هذا القول ابن عباس نقله عنه القرطبي ، وفي الآية قرينة تدلّ على عدم صحة هذا القول ، وهي قوله تعالى قبله مقترنًا به : { الَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } ، فإنه لم يقصد به أن يقوم في أصلاب الآباء إجماعًا ، وأوّل الآية مرتبط بأخرها ، أي : الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك ، وحين تقوم من فراشك ومجلسك ، ويرى { وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ } ، أي : المُصلِّين ، على أظهر الأقوال ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يتقلب في المصلّين قائمًا ، وساجدًا وراكعًا ، وقال بعضهم : { الَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } ، أي : إلى الصلاة وحدك ، و { وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ } ، أي : المصلّين إذا صلُّيت بالناس . .
وقوله هنا : { الَّذِى يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } ، يدلّ على الاعتناء به صلى الله عليه وسلم ، ويوضح ذلك قوله تعالى : { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ * فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } .