@ 102 @ بريشة من جناح الذل صببت لك شيئًا من ماء الملام ، فلا حجّة فيه ؛ لأن الآية لا يراد بها أن للذلّ جناحًا ، وإنما يراد بها خفض الجناح المتّصف بالذل للوالدين من الرحمة بهما ، وغاية ما في ذلك إضافة الموصوف إلى صفته كحاتم الجود ، ونظيره في القرءان الإضافة في قوله : { مَطَرَ السَّوْء } ، و { عَذَابَ الْهُونِ } ، أي : مطر حجارة السجيل الموصوف بسوئه من وقع عليه ، وعذاب أهل النار الموصوف بهون من وقع عليه ، والمسوغ لإضافة خصوص الجناح إلى الذلّ مع أن الذل من صفة الإنسان لا من صفة خصوص الجناح ، أن خفض الجناح كني به عن ذلّ الإنسان ، وتواضعه ولين جانبه لوالديه رحمة بهما ، وإسناد صفات الذات لبعض أجزائها من أساليب اللغة العربية ، كإسناد الكذب والخطيئة إلى الناصية في قوله تعالى : { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } ، وكإسناد الخشوع والعمل والنصب إلى الوجوه في قوله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } ، وأمثال ذلك كثيرة في القرءان ، وفي كلام العرب . وهذا هو الظاهر في معنى الآية ، ويدلّ عليه كلام السلف من المفسّرين . .
وقال ابن القيّم في ( الصواعق ) : إن معنى إضافة الجناح إلى الذلّ أن للذلّ جناحًا معنويًّا يناسبه لا جناح ريش ، واللَّه تعالى أعلم ، انتهى . وفيه إيضاح معنى خفض الجناح . .
والتحقيق أن إضافة الجناح إلى الذل من إضافة الموصوف إلى صفته ؛ كما أوضحنا ، والعلم عند اللَّه تعالى . وقال الزمخشري في ( الكشاف ) ، في تفسير قوله تعالى : { لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } ، فإن قلت : المتبعون للرسول هم المؤمنون ، والمؤمنون هم المتّبعون للرسول ، فما قوله : { لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } . .
قلت : فيه وجهان ، أن يسميهم قبل الدخول في الإيمان مؤمنين ، لمشارفتهم ذلك . وأن يريد بالمؤمنين المصدقين بألسنتهم ، وهم صنفان : صنف صدق واتّبع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، وصنف لم يوجد منهم إلا التصديق فحسب ، ثم إما أن يكونوا منافقين أو فاسقين ، والمنافق والفاسق ، لا يخفض لهما الجناح . .
والمعنى : المؤمنين من عشريتك وغيرهم ، أي : أنذر قومك فإن اتّبعوك وأطاعوك ، فاخفض لهم جناحك ، وإن عصوك ولم يتّبعوك فتبرّأ منهم ومن أعمالهم من الشرك باللَّه وغيره ، انتهى منه .