@ 78 @ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } ، فمعرفة حكم اللَّه في اكتساب المال وفي صرفه في مصارفه أمر ضروري لا بدّ منه ، لأن من لم يعلم ذلك قد يكتسب المال من وجه حرام ، والمال المكتسب من وجه حرام ، لا خير فيه البتّة ، وقد يصرف المال في وجه حرام ، وصرفه في ذلك حسرة على صاحبه . .
الأمر الثاني : هو معرفة الطريق الكفيلة باكتساب المال ، فقد يعلم الإنسان مثلاً أن التجارة في النوع الفلاني مباحة شرعًا ، ولكنه لا يعلم أوجه التصرّف بالمصلحة الكفيلة بتحصيل المال ، من ذلك الوجه الشرعيّ ، وكم من متصرّف يريد الربح ، فيعود عليه تصرّفه بالخسران ، لعدم معرفته بالأوجه التي يحصل بها الربح . وكذلك قد يعلم الإنسان أن الصرف في الشىء الفلاني مباح ، وفيه مصلحة ، ولكنه لا يهتدي إلى معرفة الصرف المذكور ، كما هو مشاهد في المشاريع الكثيرة النفع إن صرف فيها المال بالحكمة والمصلحة ، فإن جواز الصرف فيها معلوم ، وإيقاع الصرف على وجه المصلحة ، لا يعلمه كل الناس . .
وبهذا تعلم أن أصول الاقتصاد الكبار أربعة : .
الأول : معرفة حكم اللَّه في الوجه الذي يكتسب به المال ، واجتناب الاكتساب به ، إن كان محرّمًا شرعًا . .
الثاني : حسن النظر في اكتساب المال بعد معرفة ما يبيحه خالق السماوات والأرض ، وما لا يبيحه . .
الثالث : معرفة حكم اللَّه في الأوجه التي يصرف فيها المال ، واجتناب المحرم منها . .
الرابع : حسن النظر في أوجه الصرف ، واجتناب ما لا يفيد منها ، فكل من بنى اقتصاده على هذه الأسس الأربعة كان اقتصاده كفيلاً بمصلحته ، وكان مرضيًا للَّه جلّ وعلا ، ومن أخلّ بواحد من هذه الأُسس الأربعة كان بخلاف ذلك ؛ لأن من جمع المال بالطرق التي لا يبيحها اللَّه جلَّ وعلا فلا خير في ماله ، ولا بركة ؛ كما قال تعالى : { يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَوااْ وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ } ، وقال تعالى : { قُل لاَّ يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ } . .
وقد تكلّمنا على مسائل الربا في آية الربا في سورة ( البقرة ) ، وتكلّمنا على أنواع