@ 77 @ أوجه اكتساب المال ، إلاّ أنه أخرق جاهل بأوجه صرفه ، فإن جميع ما حصل من المال يضيع عليه بدون فائدة ، وكذلك إذا كان الإنسان أحسن الناس نظرًا في صرف المال في مصارفه المنتجة إلا أنه أخرق جاهل بأوجه اكتسابه ، فإنه لا ينفعه حسن نظره في الصرف مع أنه لم يقدر على تحصيل شىء يصرفه ، والآيات المذكورة أرشدت الناس ونبّهتهم على الاقتصاد في الصرف . .
وإذا علمت أن مسائل الاقتصاد كلّها راجعة إلى الأصلين المذكورين ، وأن الآيات المذكورة دلّت على أحدهما ، فاعلم أن الآخر منهما وهو اكتساب المال أرشدت إليه آيات أُخر دلّت على فتح اللَّه الأبواب إلى اكتساب المال بالأوجه اللائقة ، كالتجارات وغيرها ؛ كقوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ } ، وقوله تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَواةُ فَانتَشِرُواْ فِى الاْرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ } ، وقوله تعالى : { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءانِ عَلِمَ أَن } ، والمراد بفضل اللَّه في الآيات المذكورة ربح التجارة ؛ وكقوله تعالى : { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ } ، وقد قدّمنا في سورة ( الكهف ) ، في الكلام على قوله تعالى : { فَابْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَاذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ } ، أنواع الشركات وأسماءها ، وبيّنا ما يجوز منها ، وما لا يجوز عند الأئمّة الأربعة وأوضحنا ما اتفقوا على منعه ، وما اتّفقوا على جوازه ، وما اختلفوا فيه ، وبه تعلم كثرة الطرق التي فتحها اللَّه لاكتساب المال ، بالأوجه الشرعية اللائقة . .
وإذا علمت مما ذكرنا أن جميع مسائل الاقتصاد راجعة إلى أصلين ، هما : اكتساب المال ، وصرفه في مصارفه ، فاعلم أن كل واحد من هذين الأصلين ، لا بدّ له من أمرين ضروريين له : .
الأوّل منهما : معرفة حكم اللَّه فيه ، لأن اللَّه جلَّ وعلا لم يبح اكتساب المال بجميع الطرق التي يكتسب بها المال ، بل أباح بعض الطرق ، وحرم بعضها ؛ كما قال تعالى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرّبَوااْ } ، ولم يبح اللَّه جلَّ وعلا صرف المال في كل شىء ، بل أباح بعض الصرف وحرم بعضه ؛ كما قال تعالى : { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ } ، وقال تعالى في الصرف الحرام : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ