@ 76 @ { كَانَ } ، واسمها مقدّر فيها ، أي : كان الإنفاق بين الإسراف والقتر قوامًا ، ثم قال : قاله الفراء ، وباقي أوجه الإعراب في الآية ليس بوجيه عندي ؛ كقول من قال : إن لفظة { بَيْنَ } هي اسم { كَانَ } ، وأنها لم ترفع لبنائها بسبب إضافتها إلى مبني ، وقول من قال : إن { بَيْنَ } هي خبر { كَانَ } ، و { قَوَاماً } حال مؤكدة له ، ومن قال إنهما خبران كل ذلك ليس بوجيه عندي ، والأظهر الأول . والظاهر أن التوسط في الإنفاق الذي مدحهم به شامل لإنفاقهم على أهليهم ، وإنفاقهم المال في أوجه الخير . .
وهذا المعنى الذي دلَّت عليه هذه الآية الكريمة ، جاء موضحًا في غير هذا الموضع ؛ فمن ذلك أن اللَّه أوصى نبيّه صلى الله عليه وسلم بالعمل بمقتضاه في قوله تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } ، فقوله : { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } ، أي : ممسكة عن الإنفاق إمساكًا كليًّا ، يؤدي معنى قوله هنا : { وَلَمْ يَقْتُرُواْ } . وقوله : { وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } ، يؤدي معنى قوله هنا : { لَمْ يُسْرِفُواْ } ، وأشار تعالى إلى هذا المعنى في قوله : { وَءاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا } ، وقوله تعالى : { يَسْئَلُونَكَ عَنِ يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } ، على أصحّ التفسيرين . .
وقد أوضحنا الآيات الدالَّة على هذا المعنى في أوّل سورة ( البقرة ) ، في الكلام على قوله تعالى : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } . .
مسألة .
هذه الآية الكريمة التي هي قوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } ، والآيات التي ذكرناها معها ، قد بيّنت أحد ركني ما يسمّى الآن بالاقتصاد . .
وإيضاح ذلك أنه لا خلاف بين العقلاء أن جميع مسائل الاقتصاد على كثرتها واختلاف أنواعها راجعة بالتقسيم الأوّل إلى أصلين ، لا ثالث لهما . .
الأوّل منهما : اكتساب المال . .
والثاني منهما : صرفه في مصارفه ، وبه تعلم أن الاقتصاد عمل مزدوج ، ولا فائدة في واحد من الأصلين المذكورين إلا بوجود الآخر ، فلو كان الإنسان أحسن الناس نظرًا في