@ 559 @َ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ، وإطلاق اسم المعصية على مخالفة الأمر يدلّ على أن مخالفه عاص ، ولا يكون عاصيًا إلا بترك واجب ، أو ارتكاب محرم ؛ وكقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } ، فإنه يدلّ على أن أمر اللَّه ، وأمر رسوله مانع من الاختيار موجب للامتثال ، وذلك يدلّ على اقتضائه الوجوب ، كما ترى . وأشار إلى أن مخالفته معصية بقوله بعده : { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } . .
واعلم أن اللغة تدلّ على اقتضاء الأمر المطلق الوجوب ، بدليل أن السيّد لو قال لعبده : اسقني ماء مثلاً ، ولم يمتثل العبد أمر سيّده فعاقبه السيّد ، فليس للعبد أن يقول عقابك لي ظلم ؛ لأن صيغة الأمر في قولك : اسقني ماء لم توجب على الامتثال ، فقد عاقبتني على ترك ما لا يلزمني ، بل يفهم من نفس الصيغة أن الامتثال يلزمه ، وأن العقاب على عدم الامتثال واقع موقعه ، والفتنة في قوله : { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } ، قيل : هي القتل ، وهو مروي عن ابن عباس . وقيل : الزلازل والأهوال ، وهو مروي عن عطاء . وقيل : السلطان الجائر ، وهو مروي عن جعفر بن محمّد . قال بعضهم : هي الطبع على القلوب بسبب شؤم مخالفة أمر اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم . وقال بعض العلماء : { فِتْنَةً } محنة في الدنيا { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة . .
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له : قد دلّ استقراء القرءان العظيم أن الفتنة فيه أطلقت على أربعة معان : .
الأول : أن يراد بها الإحراق بالنار ؛ كقوله تعالى : { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } ، وقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } ، أي : أحرقوهم بنار الأخدود على القول بذلك . .
الثاني : وهو أشهرها إطلاق الفتنة على الاختبار ؛ كقوله تعالى : { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } ، وقوله تعالى : { وَإِنَّ لُوطاً اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لاَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } . .
والثالث : إطلاق الفتنة على نتيجة الاختيار إن كانت سيّئة ؛ كقوله تعالى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ للَّهِ } . وفي ( الأنفال ) : { وَيَكُون