@ 558 @ حكاه ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، والحسن البصري ، وعطية العوفي ، واللَّه أعلم . انتهى كلام ابن كثير . .
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له : هذا الوجه الأخير يأباه ظاهر القرءان ؛ لأن قوله تعالى : { كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً } يدلّ على خلافه ، ولو أراد دعاء بعضهم على بعض ، لقال : لا تجعلوا دعاء الرسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض ، فدعاء بعضهم بعضًا ، ودعاء بعضهم على بعض متغايران ، كما لا يخفى . والظاهر أن قوله : { لاَّ تَجْعَلُواْ } من جعل التي بمعنى اعتقد ، كما ذكرنا عن ابن كثير آنفًا . { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . الضمير في قوله : { عَنْ أَمْرِهِ } راجع إلى الرسول ، أو إلى اللَّه والمعنى واحد ؛ لأن الأمر من اللَّه ، والرسول مبلغ عنه ، والعرب تقول : خالف أمره وخالف عن أمره : وقال بعضهم : { يُخَالِفُونَ } : مضمن معنى يصدّون ، أي : يصدّون عن أمره . .
وهذه الآية الكريمة قد استدلّ بها الأصوليّون على أن الأمر المجرّد عن القرائن يقتضي الوجوب ؛ لأنه جلّ وعلا توعّد المخالفين عن أمره بالفتنة أو العذاب الأليم ، وحذّرهم من مخالفة الأمر . وكل ذلك يقتضي أن الأمر للوجوب ، ما لم يصرف عنه صارف ، لأن غير الواجب لا يستوجب تركه الوعيد الشديد والتحذير . .
وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية الكريمة من اقتضاء الأمر المطلق الوجوب ، دلّت عليه آيات أُخر من كتاب اللَّه ؛ كقوله تعالى : { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } ، فإن قوله : { ارْكَعُواْ } أمر مطلق ، وذمّه تعالى للذين لم يمتثلوه بقوله : { لاَ يَرْكَعُونَ } يدلّ على أن امتثاله واجب . وكقوله تعالى لإبليس : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } ، فإنكاره تعالى على إبليس موبخًا له بقوله : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } يدلّ على أنه تارك واجبًا . وأن امتثال الأمر واجب مع أن الأمر المذكور مطلق ، وهو قوله تعالى : { اسْجُدُواْ لاِدَمَ } ، وكقوله تعالى عن موسى : { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى } ، فسمّى مخالفة الأمر معصية ، وأمره المذكور مطلق ، وهو قوله : { اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } ، وكقوله تعالى : { لاّ