@ 560 @َ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ } ، فقوله : { حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } ، أي : حتى لا يبقى شرك على أصحّ التفسيرين ، ويدلّ على صحّته قوله بعده : { وَيَكُونَ الدّينُ للَّهِ } ؛ لأن الدين لا يكون كلّه للَّه حتى لا يبقى شرك ، كما ترى . ويوضح ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إلاه إلاّ اللَّه ) ، كما لا يخفى . .
والرابع : إطلاق الفتنة على الحجّة في قوله تعالى : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } ، أي : لم تكن حجّتهم ، كما قال به بعض أهل العلم . .
والأظهر عندي : أن الفتنة في قوله هنا : { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ } ، أنه من النوع الثالث من الأنواع المذكورة . .
وأن معناه أن يفتنهم اللَّه ، أي : يزيدهم ضلالاً بسبب مخالفتهم عن أمره ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم . .
وهذا المعنى تدلّ عليه آيات كثيرة من كتاب اللَّه تعالى ؛ كقوله جلّ وعلا : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } ، وقوله تعالى : { فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } ، وقوله تعالى : { فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } ، وقوله تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } ، والآيات بمثل ذلك كثيرة ، والعلم عند اللَّه تعالى . { قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ } . بيَّن جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يعلم ما عليه خلقه ، أي من الطاعة والمعصية وغير ذلك . .
وهذا المعنى الذي دلّت عليه هذه الآية مع أنه معلوم بالضرورة من الدّين ، جاء مبيّنًا في آيات كثيرة ؛ كقوله تعالى : { وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءانٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ } ، وقوله تعالى : { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } ، وقوله تعالى : { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } ، أي : هو شهيد على عباده بما هم فاعلون من خير وشرّ . وقوله