@ 324 @ { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } وذلك الإبهام يدل على ضعفهم وعظمة خالقهم جل وعلا ، فسبحانه جل وعلا ما أعظم شأنه وما أكمل قدرته ، وما أظهر براهين توحيده ، وقد بين في آية المؤمنون هذه : أنه يخلق المضغة عظاماً ، وبين في موضع آخر : أنه يركب بعض تلك العظام مع بعض ، تركيباً قوياً ، ويشد بعضها مع بعض ، على أكمل الوجوه وأبدعها ، وذلك في قوله { نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ } ، والأسر : شد العظام بعضها مع بعض ، وتآسير السرج ومركب المرأة السيور التي يشد بها ، ومنه قول حميد بن ثور : نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ } ، والأسر : شد العظام بعضها مع بعض ، وتآسير السرج ومركب المرأة السيور التي يشد بها ، ومنه قول حميد بن ثور : % ( وما دخلت في الخدب حتى تنقضت % تآسير أعلى قده وتحطما ) % .
وفي صحاح الجوهري : أسر قتبه يأسره أسراً شدة بالأسار وهو القد ، ومنه سمي الأسير ، وكانوا يشدونه بالقد ، فقول بعض المفسرين واللغويين : أسرهم : أي خلقهم فيه قصور في التفسير ، لأن الأسر هو الشد القوي بالأسار الذي هو القد ، وهو السير المقطوع من جلد البعير ونحوه ، الذي لم يدبغ والله جل وعلا يشد بعض العظام ببعض ، شداً محكماً متماسكاً كما يشد الشيء بالقد ، والشد به قوي جداً . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ } القرار هنا : مكان الاستقرار ، والمكين : المتمكن . وصف القرار به لتمكنه في نفسه بحيث لا يعرض له اختلال ، أو لتمكن من يحل فيه . قاله أبو حيان في البحر . وقال الزمخشري : القرار : المستقر ، والمراد به : الرحم وصفت بالمكانة التي هي صفة المستقر فيها ، أو بمكانتها في نفسها ، لأنها مكنت بحيث هي وأحرزت . وقوله تعالى في هذه الآية { ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً ءَاخَرَ } قال الزمخشري : أي خلقاً مبايناً للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيواناً ، وكان جماداً وناطقاً ، وكان أبكم وسميعاً ، وكان أصم وبصيراً ، وكان أكمه وأودع باطنه وظاهره ، بل كل عضو من أعضائه وجزء من أجزائه عجائب فطرة ، وغرائب حكمة ، لا تدرك بوصف الواصف ، ولا بشرح الشارح . انتهى منه . .
وقال القرطبي : اختلف في الخلق الآخر المذكور ، فقال ابن عباس ، والشعبي وأبو العالية ، والضحاك وابن زيد : ( هو نفخ الروح فيه بعد أن كان جماداً ) وعن ابن عباس : ( خروجه إلى الدنيا ) ، وقال قتادة : عن فرقة نبات شعره . وقال الضحاك : خروج الأسنان ، ونبات الشعر ، وقال مجاهد : كمال شبابه . وروي عن ابن عمر والصحيح ، أنه عام في هذا وفي غيره من النطق والإدراك ، وتحصيل المعقولات إلى أن يموت . ا ه منه .