فالجرح والتعديل خطر لأنك إن عدلت بغير تثبت كنت كالمثبت حكما ليس بثابت فيخشى عليك أن تدخل في زمرة من روى حديثا وهو يظن أنه كذب وإن جرحت لغير تحرز أقدمت على الطعن في مسلم بريء من ذلك ووسمته بميسم سوء يبقى عليه عاره أبدا وهو في الجرح بخصوصه أي خطر بفتح المعجمة ثم المهملة من قولهم خاطر بنفسه أي أشرف على هلاكها فإن فيه مع حق الله ورسوله حق آدمي وربما يناله إذا كان بالهوى ومجانبة الاستواء الضرر في الدنيا قبل الآخرة والمقت بين الناس والمنافرة كما اتفق لأبي شامة فإنه كان مع كونه عالما راسخا في العلم مقرئا محدثا نحويا يكتب الخط المليح المتقن مع التواضع والانطراح والتصانيف العدة كثير الوقيعة في العلماء والصلحاء وأكابر الناس والطعن عليهم والتنقص لهم وذكر مساويهم وكونه عند نفسه عظيما فصار ساقطة من أعين كثير من الناس ممن علم منه ذلك وتكلموا فيه وأدى ذلك إلى امتحانه بدخول رجلين جليلين عليه داره في صورة مستفتين فضرباه ضربا مبرحا إلى أن عيل صبره ولم يعثه أحد .
ونحوه ما اتفق لبعض العصريين ممن لم يبلغ في العلم مبلغ الذي قبله بيقين فإنه أكثر الوقعية في الناس بدون تدبر ولا قياس فأبعد عن البلد وتزايد به الألم والنكد ومع ذلك فما كف حتى ثقل على الكافة وما خف وارتقى لحجة الإسلام فضلا عمن يليه من الأئمة الأعلام فلم نلبث أن مات وما اشتفى من تلك النكايات والله تعالى يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا .
ولما في الجرح من الخطر لما جيء للتقي بن دقيق العيد بالمحضر المكتتب في التقي بن بنت الأغر ليكتب فيه امتنع منها أشد امتناع مع ما كان بينهما من العداوة الشديدة بل وأغلظ عليهم في الكلام وقال ما يحل له أن اكتب فيه ورده فتزايدت جلالته بذلك وعد في وفور ديانته وأمانته وانتفع بان بنت الأغر بذلك وكيف لا والتقي هو القائل مما أحسن فيه أعراض