فصل فأما إن التزم ذلك أحد التزاما .
فأما إن التزم أحد ذلك التزاما فعلى وجهين : إما على جهة النذر وذلك مكروه ابتداء ألا ترى إلى حديث ابن عمر Bهما قال : [ أخذ رسول الله A يوما ينهانا عن النذر يقول : إنه لا يرد شيئا وإنما يستخرج به من الشحيح ـ وفي رواية ـ النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخره وإنما يستخرج به من البخيل ] .
وعن أبي هريرة Bه أن النبي A قال : .
[ لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئا وإنما يستخرج به من البخيل ] .
وإنما ورد هذا الحديث ـ والله أعلم ـ تنبيها على عادة العرب في أنها كانت تنذر إن شفى الله مريضي فعلي صوم كذا وإن قدم غائبي أو أن أغناني الله فعلي صدقة كذا فيقول : لا يغني من قدر الله شيئا بل من قدر الله له الصحة أو المرض أو الغنى أو الفقر أو غير ذلك فالنذر لم يوضع سببا لذلك كما وضعت صلة الرحم سببا في الزيادة في العمر مثلا على الوجه الذي ذكره العلماء بل النذر وعدمه في ذلك سواء ولكن الله يستخرج به من البخيل بشرعية الوفاء به لقوله تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } وقوله A : .
[ من نذر أن يطيع الله فليطعه ] وبه قال جماعة من العلماء كمالك و الشافعي .
ووجه النهي أنه من باب التشديد على النفس وهو الذي تقدم الاستشهاد على كراهته وأما على جهة الالتزام غير النذري فكأنه نوع من الوعد والوفاء بالعهد مطلوب فكأنه أوجب على نفسه ما لم يوجبه عليه الشرع فهو تشديد أيضا وعليه يأتي ما تقدم من .
حديث الثلاثة الذين أتوا يسألون عن عبادة النبي A : وقولهم أين نحن من النبي A ؟ ألخ وقال أحدهم : أما أنا فأفعل كذا ألخ .
ونحوه وقع في بعض الروايات : .
[ أن رسول الله A أخبر أن عبد الله بن عمرو Bهما يقول : لأقومن الليل ولأصومن النهار ما عشت ] وليس بمعنى النذر إذ لو كان كذلك لم يقل له : [ صم من الشهر ثلاثة أيام ] صم كذا ولقال له : أوف بنذرك لأنه A قال : .
[ من نذر أن يطيع الله فليطعه ] .
فأما الالتزام بالمعنى النذري فلا بد من الوفاء به وجوبا لا ندبا ـ على ما قاله العلماء ـ وجاء في الكتاب والسنة ما يدل عليه وهو مذكور في كتب الفقه فلا نطيل به .
وأما المعنى الثاني فالأدلة تقتضي الوفاء به في الجملة ولكن لا تبلغ مبلغ العتاب على الترك حسبما دلت عليه الأدلة في مأخذ أبي أمامة Bه للقيام في المسجد جماعة كان ذلك بصورة النوافل الراتبة المقتضية للدوام في القصد الأول فأمرهم بالدوام حتى لا يكونوا كمن عاهد ثم لم يوف بعهده فيصير معاتبا لكن هذا القسم على وجهين : .
الوجه الأول : أن يكون في نفسه مما لا يطاق أو مما فيه حرج أو مشقة فادحة أو يؤدي إلى تضييع ما هو أولى فهذه هي الرهبانية التي قال فيها النبي A : .
[ من رغب عن سنتي فليس مني ] وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله .
والوجه الثاني : أن لا يكون في الدخول فيه مشقة ولا حرج ولكنه عند الدوام عليه تلحق بسببه المشقة والحرج أو تضييع ما هو أوكد فها هنا أيضا يقع النهي ابتداء وعليه دلت الأدلة المتقدمة وجاء في بعض روايات مسلم تفسير ذلك حيث قال : فشددت فشدد علي وقال لي النبي A : .
[ إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر ] .
فتأملوا كيف اعتبر في التزام ما لا يلزم ابتداء أن يكون بحيث لا يشق الدوام عليه إلى الموت قال : فصرت إلى الذي قال رسول الله A فلما كبرت وددت أنني قبلت رخصة نبي الله A .
وعلى ذلك المعنى ينغبي أن يحمل قوله A في حديث أبي قتادة Bه كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوما ؟ قال : .
ويطيق أحد ذلك ؟ ثم قال في صوم يوم وإفطار يوم : وددت أني طوقت ذلك فمعناه ـ والله أعلم ـ وددت أني طوقت الدوام عليه وإلا فقد كان يواصل الصيام ويقول : .
[ إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي ـ يطعمني ويسقيني ] .
وفي الصحيح : .
[ كان يصوم حتى نقول : لا يفطر ويفطر حتى نقول : لا يصوم ]