والدليل على صحة الأخذ بالرفق .
والدليل على صحة الأخذ بالرفق وأنه الأولى والأحرى ـ وإن كان الدوام على العمل أيضا مطلوبا عيتدا ـ في الكتاب والسنة { واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } على قول طائفة من المفسرين : أن الكثير من الأمر واقع في التكاليف الإسلامية ومعنى لعنتم لحرجتم ولدخلت عليكم المشقة ودين الله لا حرج فيه { ولكن الله حبب إليكم الإيمان } بالتسهيل والتيسير { وزينه في قلوبكم } الآية .
وإنما بعث النبي A بالحنيفية السمحة ووضع الإصر والأغلال التي كانت على غيرهم وقال الله تعالى في صفة نبيه A : { عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } وقال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } وقال : { يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا } وسمى الله تعالى الأخذ بالتشديد على النفس اعتداء فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا } ومن الأحاديث كثير كمسألة الوصال ففي الحديث [ عن عائشة Bها أنها قالت : .
نهاهم النبي A عن الوصال رحمة لهم قالوا : إنك تواصل قال : إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي ـ يطعمني ويسقيني ] .
وعن أنس Bه قال : .
[ واصل رسول الله A في آخر شهر رمضان فواصل ناس من المسلمين فبلغه ذلك فقال : لو مد لنا شهر لواصلنا وصلا حتى يدع المتعمقون تعمقهم ] وهذا إنكار .
وعن أبي هريرة Bه قال : [ نهى رسول الله A عن الوصال فقال رجل من المسلمين فإنك يا رسول الله تواصل فقال رسول الله A : وأيكم مثلي ؟ إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ] فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال : لو تأخر الشهر لزدتكم كالمنكل حين أبوا أن ينتهوا .
ومن ذلك مسألة قيام النبي A بهم في رمضان فإنه تركه مخافة أن يفرض عليهم فيعجزوا عنه فيقعوا في الإثم والحرج فكان ذلك رفقا منه بهم .
قال القاضي أبو الطيب : يحتمل أن يكون الله تعالى أوحى إليه أنه إن واصل وفقا هذه الصلاة معهم فرضت عليهم .
و [ قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : .
إن كان رسول الله A ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ] .
وقد قيل هذا المعنى في قوله A : .
[ لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ] .
قال المهلب : وجهه خشيت أن يستمر عليه فيفرض .
وبهذا المعنى يجتمع النهي مع قول مالك Bه في الموطأ ولا يكون به إشكال .
ومن ذلك حديث الحولاء بنت تويت [ قالت عائشة Bها : دخل علي رسول الله A وعندي امرأة فقال : من هذه ؟ فقلت ؟ امرأة لا تنام تصلي فقال A لا تنام الليل خذوا من العمل ما تطيقون فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا ] .
فأعاد لفظ لا تنام منكرا عليها ـ والله أعلم ـ غير راض فعلها لما خافه عليها من الكلل والسآمة أو تعطيل حق أوكد ونحوه حديث أنس Bه قال : [ دخل رسول الله A المسجد ـ وحبل ممدود بين سارتين ـ فقال : ما هذا ؟ قالوا : حبل لزينب تصلي فإذا كسلت أو فترت أمسكت به فقال : حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر قعد ] وفي رواية : [ لا حلوه ] .
و [ عن عبد الله بن عمرو Bها قال : بلغ النبي A أني أصوم أسرد وأصلي الليل فإما أرسل إلي وإما لقيته : فقال : ألم أخبر أنك تصوم لا تفطر وتصلي الليل ؟ فلا تفعل فإن لعينك حظا ولنفسك حظا ولأهلك حظا فصم وأفطر وصل ونم ] الحديث .
وفي رواية عن ابن سلمة قال : [ حدثني عبد الله بن عمرو العاص Bهما قال : كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة فإما ذكرت للنبي A وإما أرسل إلي فأتيته فقال : ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة ؟ فقلت : بلى يا رسول الله ولم أر في ذلك إلا الخير قال : فإن كان كذلك ـ أو قال كذلك ـ فحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فقلت : يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال : فإن لزوجك عليك حقا ولزوارك عليك حقا ولجسدك عليك حقا قال : فصم صوم داود نبي الله فإنه كان أعبد الناس قال : فقلت يا نبي الله ـ وما صوم داود ؟ قال : كان يصوم يوما ويفطر يوما ـ قال واقرأ القرآن في كل شهر قال : فقلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال : فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك فإن لزوجك عليك حقا ولزوارك عليك حقا ولجسدك عليك حقا قال : فشددت فشدد الله علي قال : وقال لي النبي A : إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر قال : فصرت إلى الذي قال لي النبي A فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله A ] وفي رواية قال : [ صم يوما وأفطر يوما وذاك صيام داود وهو أعدل الصيام قال فقلت : إني أطيق أفضل من ذلك قال رسول الله A : لا أفضل من ذلك قال عبد الله بن عمرو : لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله A أحب إلي من أهلي ومالي ] .
وفي الترمذي عن جابر Bه قال : ذكر رجل عند رسول الله A بعبادة واجتهاد وذكر عنده آخر بدعة فقال النبي A : .
[ لا يعدل بالدعة ] والدعة المراد بها هنا الرفق والتيسير قال فيه الترمذي : حسن غريب .
وعن أنس Bه قال : .
[ جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي A يسألون عن عبادة النبي A فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا : وأين نحن من النبي A ؟ وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ فقال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال الآخر : إني أصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر : إني أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله A فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وارقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ] .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وهي بجملتها تدل على الأخذ في التسهيل والتيسير وإنما يتصور ذلك على الوجه الأول من عدم الالتزام وإن تصور مع الالتزام فعلى جهة ما لا يشق الدوام فيه حسبما نفسره الآن