الباب الخامس في أحكام البدع الحقيقية والإضافية والفرق بينهما .
ولا بد قبل النظر في ذلك من تفسير البدعة الحقيقية والإضافية فنقول وبالله التوفيق .
إن البدعة الحقيقية : هي التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم لا في الجملة ولا في التفصيل ولذلك سميت بدعة - كما تقدم ذكره - لأنها شئ مخترع على غير مثال سابق وإن كان المبتدع يأبى أن ينسب إليه الخروج عن الشرع إذ هو مدع أنه داخل بما استنبط تحت مقتضى الأدلة لكن تلك الدعوى غير صحيحة لا في نفس الأمر ولا بحسب الظاهر أما بحسب نفس الأمر فبالعرض وأما بحسب الظاهر فإن أدلته شبه ليست بأدلة إن ثبت أنه استدل وإلا فالأمر واضح .
وأما البدعة الإضافية فهي التي لها شائبتان : إحداهما لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة والأخرى ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية فلما كان العمل الذي له شائبتان لم يتخلص لأحد الطرفين وضعنا له هذه التسمية وهي البدعة الإضافية أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين سنة لأنها مستندة إلى دليل وبالنسبة إلى الجهة الأخرى بدعة لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل أو غير مستندة إلى شيء .
والفرق بينهما من جهة المعنى أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم ومن دهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها مع أنها محتاجة إليه لأن الغالب وقوعها في التعبديات لا في العاديات المحضة كما سنذكره إن شاء الله .
ثم نقول بعد هذا : إن الحقيقية لما كانت أكثر وأعم وأشهر في الناس ذكرا وافترقت الفرق وكان الناس شيعا وجرى من أمثلتها ما فيه الكفاية وهي أسبق في فهم العلماء ـ تركنا الكلام فيما يتعلق بها من الأحكام ومع ذلك فقلما تختص بحكم دون الإضافية بل هما معا يشتركان في أكثر الأحكام التي هي مقصودا هذا الكتاب أن تشرح فيه بخلاف الإضافية فإن لها أحكاما خاصة وشرحا خاصا ـ وهو المقصود في هذا الباب إلا أن الإضافية أولا على ضربين : أحدهما يقرب من الحقيقية حتى تكاد البدعة تعد حقيقية والآخر يبعد منها حتى يكاد سنة محضة .
ولما انقسمت هذا الانقسام صار من الأكيد على كل قسم على حدته فلنعقد في كل واحد منهما فصولا بحسب ما يقتضيه الوقت وبالله التوفيق