ونحن نبرأ إلى الله من هذه الصفة فثبت بالنصوص ضرورة أن تأويل المتشابه لا يعلمه أحد إلا الله D وحده فقط لأن ابتغاء معرفته حرام وما حرم ابتغاء معرفته فقد سد الباب دون معرفته ضرورة إذ لا يوصل إلى شيء من العمل إلا بعد ابتغائه فما حرم ابتغاؤه فلا سبيل إلى الوصول إليه وهذا بين لا خفاء فيه وطرق المعارف معروفة محصورة وهي الحواس والعقل اللذان ركبهما الله في المتعبدين من الحيوان وهم الملائكة والجن ومن وضع من ذلك فيه شيء من الإنس ثم ما أمر الله بتعرفه وتعرف حكمه فيه مما جاء من عنده D وهو القرآن والسنة فقط وهذه كلها طرق أمرنا بسلوكها والاستدلال بها وقد نهينا عن طلب معنى المتشابه فصح أنه لا يوصل إلى معرفة معناه من جهة شيء من الحواس ولا من المعقول ولا من القرآن ولا من السنة فإذا كان الأمر كذلك فلا سبيل لمخلوق إلى معرفته إلا أن الذي صح في الآي المحكمات التي أمرنا الله بتدبرها وبتعلمها وبطلب تأويلها والتفقه فيها .
فطاعة القرآن فيما أمر الله تعالى فيه ونهى وطاعة الرسول A في الذي أمر فيه ونهى وترك التعدي لهذه الحدود وبطلان ما عداها فبطل القياس ضرورة لأنه غير هذه الحقائق والحمد لله رب العالمين .
واحتجوا فقالوا حرم الله تعالى لحم الخنزير فحرمتم شحمه والأنثى منه وهذا قياس .
قال أبو محمد وهذا ظن فاسد منهم ومعاذ الله أن نحرم شحم الخنزير وأنثاه بقياس بل بالإجماع الصحيح وبالنص في القرآن ولو كان الشحم كحكم اللحم لوجب إذ حرم على بني إسرائيل الشحم أن يحرم عليهم اللحم فإذا لم يكن ذلك فقد صح أن الشحم لم يحرم من الخنزير قياسا على اللحم .
ومن الطرائف أن المحتجين بهذا يقولون أو أكثرهم إن الشحم جنس غير اللحم ويجيزون رطل لحم برطلي شحم حتى إن جمهورهم وهم صحاب أبي حنيفة يرون شحم الظهر غير شحم البطن فيجيزون رطل شحم بطن برطلي شحم الأوز فأين هذيانهم إنه إنما حرم شحم الخنزير قياسا على لحمه .
والشافعيون والحنفيون والمالكيون يقولون من حلف ألا يأكل شحما فأكل لحما فإنه لا يحنث ولا خلاف بينهم أن من قال لآخر ابتع لي بهذا الدرهم لحما فابتاع له به شحما فإنه ضامن .
فبطل قياسهم البارد إن الشحم من الخنزير مقيس على لحمه ولا