وهاهنا فوائد بهذه الاعتراضات .
اختلفوا هل يلزم المعترض أن يورد الأسئلة مرتبة بعضها مقدم على البعض ؟ إذا أورد أسئلة متعددة أم لا يلزمه ذلك بل يقدم ما شاء ويؤخر ما شاء فقال جماعة لا يلزمه الترتيب وقال آخرون يلزمه لأنه لو جاز إيرادها على أي وجه اتفق لأدى إلى التناقض كما لو جاء بالمنع بعد المعارضة أو بعد النقض أو بعد المعارضة فإنه ممتنع لأنه منع بعد تسليم وإنكار بعد إقرار قال الآمدي وهذا هو المختار وقيل إن اتحد جنس السائل كالنقض والمعارضة والمطالبة جاز إيرادها من غير تركيب لأنها بمنزلة سؤال واحد فإن تعددت أجناسها كالمنع مع المطالبة ونحو ذلك لم يجز وحكاه الآمدي عن أهل الجدل وقال اتفقوا على ذلك ونقل عن أكثر الجدليين أنه يقدم المنع ثم المعارضة ونحوها ولا يعكس هذا الترتيب وإلا لزم الانكار بعد الإقرار وقال جماعة من المحققين منهم : .
الترتيب المستحسن أن يبدى بالمطالبات أولا لأنه لا اذا لم يثبت اركان القياس لم يدخل في جملة الأدلة ثم بالقوادح لأنه لا يلزم من كونه على صورة الأدلة أن يكون صحيحا ثم إذا بدأ بالمنع فالأولى أن يقدم منع وجود الوصف في الفرع لأنه دليل الدعوى ثم منع ظهوره ثم منع إنضباطه ثم منع كونه علة في الأصل فإذا فرغ من المنوع شرع في القوادح فيبدأ بالقول بالموجب لوضوح مأخذه ثم بفساد الوضع ثم بالقدح في المناسبة ثم بالمعارضة وقال الأكثر من القدماء كما حكاه عنهم أبو الحسن السهيلي في أدب الجدل إنه يبدأ بالمنع من الحكم في الأصل لأنه إذا كان ممنوعا لم نجب على السائل أن يتكلم على كون الوصف ممنوعا أو مسلما ولا كون الأصل معللا بتلك العلة أو بغيرها ثم يطالبه بإثبات الوصف في الفرع ثم بإطراد العلة ثم بتأثيرها ثم بكونها غير فاسد الوضع ثم بكونه غير فاسد الاعتبار ثم بالقلب ثم بالمعارضة وقال جماعة من الجدليين والأصوليين إن أول ما يبدأ به الاستفسار ثم فساد الاعتبار ثم فساد الوضع ثم منع حكم الأصل ثم منع وجود العلة في الأصل ثم منع علية الوصف ثم المطالبة وعدم التأثير والقدح في المناسبة والتقسيم وعدم ظهور الوصف وانضباطه وكون الحكم غير صالح للإفضاء إلى ذلك المقصود ثم النقض والكسر ثم المعارضة والتعدية والتركيب ثم منع وجود العلة في الفرع ومخالفة حكمه حكم الأصل ثم القلب ثم القول بالموجب وقد قدمنا قول من قال أن جميع الأسئلة ترجع إلى المنع والمعارضة ووجه ذلك أنه متى حصل الجواب عن المنع والمعارضة فقد تم الدليل وحصل الغرض من إثبات المدعي ولم يبق للمعترض مجال فيكون ما سواهما من الأسئلة باطلا فلا يسمع لأنه لا يحصل الجواب عن جميع المنوع إلا بإقامة الدليل على جميع المقدمات وكذلك لا يحصل الجواب عن المعارضة إلا ببيان انتفاء المعارضة عن جميعها .
الفائدة الثانية : في الانتقال عن محل النزاع إلى غيره قبل تمام الكلام فيه منعه الجمهور لأنا لو جوزناه لم يأت إفحام الخصم ولا إظهار الحق لأنه يتنقل من كلام إلى كلام ثم كذلك إلى ما لا نهاية له فلا يحصل المقصود من المناظرة وهو إظهار الحق وإفحام المخالف له وهذا إذا كان الانتقال من المستدل وأما إذا كان من السائل بأن ينتقل من سؤاله قبل تمامه ويقول ظننت أنه لازم فبان خلافه فمكنوني من سؤال آخر : .
فقال بعضهم الأصح أنه يمكن من ذلك إذا كان انحدار من الأعلى إلى الأدنى فإن كان ترقيا من الأدنى إلى الأعلى لو أراد الترقي من المعارضة إلى المنع لم يمكن من ذل لأنه يكذب نفسه وقيل يمكن لأن مقصوده الإرشاد .
الفائدة الثالثة : في الفرض والبناء قالوا إنه يجوز للمستدل في الاستدلال ثلاث طرق : الأولى أن يدل على المسألة بعينها والثانية أن يفرض الدلالة في بعض شعبها وفصولها والثالثة أن يبني المسألة على غيرها فإن استدل عليها بعينها فواضح وإن أراد أن يفرض الكلام في بعض أحوالها جاز لأنه إذا كان الخلاف في الكل وثبت الدليل في بعضها ثبت في الباقي بالإجماع وإن أراد أن يفرض الدلالة في غير فرد من أفراد المسألة لم يجز وأما إذا أراد أن يبني المسألة على غيرها فأما يبينها على مسألة أصولية وإما أن يبينها على مسألة فروعية وعلى التقديرين إما أن يكون طريقها واحدة أو مختلفة فإن كانت واحدة جاز وإن كانت مختلفة لم يجز وهذا قول جمهور أهل الجدل وقال ابن فورك لا يجوز الفرض والبناء لأن حق الجواب أن يطابق السؤال وقال إمام الحرمين إنما يجوز إذا كانت علة الفرض شاملة لسائر الأطراف قال والمستحسن منه هو الواقع في طرف يشتمل عليه عموم سؤال السائل وذلك محمول على استشعار انتشار الكلام في جميع الأطراد وعدم وفاء مجلس واحد باستتمام الكلام فيها وحاصله إن ظهر انتظام العلة العامة في صورتين كان مستحسنا وإلا كان مستهجنا وفائدته كون العلة قد تخفى في بعض الصور وتظهر في بعض آخر فالتفاوت بالأولية خاصة والعلة واحدة .
الفائدة الرابعة : في جواز التعلق بمناقضات الخصوم قد وقع الاتفاق على أنه لا يجوز إثبات المذهب إلا بدليل شرعي ولكن اختلفوا في التعلق بمناقضات الخصوم في المناظرة فذهب جماعة إلى جوازه من حيث إن المقصود من الجدل تضييق الأمر على الخصم وذكر القاضي تفصيلا حسنأ فقال إن كانت المناقضة عائدة إلى تفاصيل أصل لا يرتبط فسادها وصحتها بفساد الأصل وصحته فلا يجوز التعلق بها وإلا جاز .
الفائدة الخامسة : في السؤال والجواب قال الصيرفي السؤال إما استفهام مجرد وهو الاستخبار عن المذهب أو عن العلة وإما استفهام عن الأدلة أي التماس وجه دلالة البرهان ثم المطالبة بنفوذ الدليل وجريانه وسبيل الجواب أن يكون إخبارا مجردا ثم الاستدلال ثم طرد الدليل ثم السائل في الابتداء إما أن يكون غير عالم بمذهب من يسأله أو يكون عالما به ثم إما أن يعلم صحته فسؤاله لا معنى له وإما أن لا يعلم فسؤاله راجع إلى الدليل والحاصل أن من أنكر الأصل الذي يستشهد به المجيب فسؤاله عنه أولى لأن الذي أحوجه إلى المسألة هو الخلاف فأما إذا كان الخلاف في الشاهد فالسؤال عنه أولى