الفصل السادس في الاعتراضات .
أي ما يعترض به المعترض على كلام المستدل وهي في الأصل تنقسم إلى ثلاثة أقسام : مطالبات وقوادح ومعارضة لأن كلام المعترض إما أن يتضمن تسليم مقدمات الدليل أولا الأول المعارضة والثاني أما أن يكون جوابه ذلك الدليل أولا الأول المطالبة والثاني القدح وقد أطنب الجدليون في هذه الاعتراضات ووسعوا دائرة الأبحاث فيها حتى ذكر بعضهم منها ثلاثين اعتراضا وبعضهم خمسة وعشرين وبعضهم جعلها عشرة وجعل الباقية راجعة إليها فقال هي فساد الوضع فساد الاعتبار عدم التأثير القول بالموجب النقض المنع التقسيم المعارضة المطالبة قال والكل مختلف فيه إلا بالمنع والمطالبة وهذا يدل على الإجماع على المنع والمطالبة وفيه أنه قد خالف في المنع غير واحد منهم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وخالف في المطالبة شذوذ من أهل العلم وقال ابن الحاجب في المختصر أنها راجعة إلى منع أو معارضة وإلا لم تسمع وهي خمسة وعشرون انتهى وقد ذكرها جمهور أهل الأصول في أصول الفقه وخالف في ذلك الغزالي فأعرض عن ذكرها في أصول الفقه وقال إنها كالعلاوة عليه وأن موضع ذكرها علم الجدل وقال صاحب المحصول إنها أربعة : النقض وعدم التأثير والقول الموجب والقلب انتهى وسنذكر هاهنا منها ثمانية وعشرين اعتراضا : .
الاعتراض الأول : النقض وهو تخلف الحكم مع وجود العلة ولو في صورة واحدة فإن اعترف المستدل بذلك كان نقضا صحيحا عند من يراه قادحا وأما من لم يره قادحا فلا يسميه نقضا بل يجعله من باب تخصيص العلة وقد بالغ أبو زيد في الرد على من يسميه نقضا وينحصر النقض في تسع صور لأن العلة إما منصوصة قطعا أو ظنا أو مستنبطة وتخلف الحكم عنها إما المانع أو فوات شرط أو بدونهما .
وقد اختلف الأصوليون في هذا الاعتراض على مذاهب : .
الأول : أنه يقدح في الوصف المدعى علة مطلقا سواء كانت منصوصة أو مستنبطة وسواء كان تخلف الحكم لمانع أو لا لمانع وهو مذهب المتكلمين وهو اختيار أبي الحسين البصري والأستاذ أبي إسحاق والفخر الرازي وأكثر أصحاب الشافعي ونسبوه إلى الشافعي ورجحوا أنه مذهبه .
المذهب الثاني : أنه لا يقدح مطلقا في كونها علة فيما وراء النقض ويتعين بتقدير مانع أو تخلف شرط وإليه ذهب أكثر أصحاب أبي حنيفة مالك وأحمد .
المذهب الثالث : أنه لا يقدح في المنصوصة ويقدح في المستنبطة حكاه إمام الحرمين عن المعظم فقال ذهب معظم الأصوليين إلى أن النقض يبطل العلة المستنبطة وقال في المحصول زعم الأكثرون أن علية الوصف إذا ثبتت بالنص لم يقدح التخصيص في عليته .
المذهب الرابع : أنه يقدح في المنصوصة دون المستنبطة عكس الذي قبله حكاه بعض الأصول وهو ضعيف جدا .
المذهب الخامس : أنه لا يقدح في المستنبطة إذا كان لمانع أو عدم شرط ويقدح في المنصوصة حكاه ابن الحاجب وقد أنكروه عليه وقالوا لعله فهم ذلك من كلام الآمدي وفي كلام الآمدي ما يدفعه .
المذهب السادس : أنه لا يقدح حيث وجد مانع مطلقا سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة فإن لم يكن مانع قدح واختاره البيضاوي والصفي الهندي .
المذهب السابع : أنه يقدح في المستنبطة في صورتين إذا كان التخلف لمانع أو انتفاء شرط ولا يقدح في صورة واحدة وهي ما إذا كان التخلف بدونهما وأما المنصوصة فإن كان النص ظنيا وقدر مانع أو فوات شرط جاز وإن كان قطعيا لم يجز أي لم يكن وقوعه لأن الحكم لو تخلف الدليل وحاصله أنه لا يقدح في المنصوصة إلا بظاهر عام ولا يقدح في المستنبطة إلا لمانع أو فقد شرط واختاره ابن الحاجب وهو قريب من كلام الآمدي .
المذهب الثامن : أنه يقدح في علة الوجوب واحل دون علة الحظر حكاه القاضي عن بعض المعتزلة .
المذهب التاسع : أنه يقدح إن انتفضت على أصل من جعلها علة ولم يلزمه الحكم بها وإن اطردت على أصله ألزم حكاه الأستاذ أبو إسحاق عن بعض المتأخرين قال وهو من حشو الكلام لولا أنه أودع كتابا مستعملا لكان تركه أولى .
المذهب العاشر : إن كانت العلة مؤثرة لم يرد النقض عليها لأن تأثيرها لا يثبت إلا بدليل مجمع عليه ومثله لا ينقض حكاه ابن السمعاني عن أبي زيد ورده بأن النقض يفيد عدم تأثير العلة .
المذهب الحادي عشر : إن كانت العلة مستنبطة فإن اتجه فرق بين محل التعليل وبين صورة النقض بطلت عليته لكون المذكور أولا جزءا من العلة وليست علة تامة وإن لم يتجه فرق بينهما فإن لم يكن الحكم مجمعا عليه أو ثابتا بمسلك قاطع بطلت عليته وإلا فلا واختاره إمام الحرمين الجويني .
المذهب الثاني عشر : أن يتخلف الحكم عن العلة وله ثلاث صور : الأولى أن يعرض في جريان العلة ما يقتضي عدم إطرادها فإنه يقدح الثانية أن تنتفي العلة لا لخلل في نفسها لكن لمعارضة علة أخرى فهذا لا يقدح الثالثة أن يختلف الحكم لا لخلل في ركن العلة لكن لعدم مصادفتها محلها أو شرطها فلا يقدح وهذا اختيار الغزالي وفي كلامه طول .
المذهب الثالث عشر : إن كان النقض من جهة المستدل فلا يقدح لأن الدليل قد يكون صحيحا في نفسه وينقضه المستدل فلا يكون نقضه دليلا على فساده لأنه قد ينقضه على أصله ويكون أصل غيره مخالفا له وإن كان النقض من جهة قدح حكاه الأستاذ أبو منصور .
المذهب الرابع عشر : أن علية الوصف إن ثبتت بالمناسبة أو الدورات وكان النقض بتخلف الحكم عنها لمانع لم يقدح في عليته وإن كان التخلف لا لمانع قدح حكاه صاحب المحصول ونسبه إلى الأكثرين .
المذهب الخامس عشر : أن الخلاف في هذه المسألة لفظي لأن العلة إن فسرت بالموجبة فلا يتصور عليتها مع الانتقاض وإن فسرت بالمعرفة فيتصور عليتها مع الانتقاض وهذا رجحه الغزالي والبيضاوي وابن الحاجب وفيه نظر فإن الخلاف معنوي لا لفظي على كل حال .
قال الزركشي في البحر : واعلم أنه إذا قال المعترض ما ذكرت من العلة منقوض بكذا فللمستدل أن يقول لا نسلم ويطالبه بالدليل على وجودها في محل النقض وهذه المطالبة مسموعة بالاتفاق انتهى .
قال الأصفهاني لا يشترط في القيد الدافع للنقض أن يكون مناسبا بل غير المناسب مقبول مسموع اتفاقا والمانعون من التعليل بالشبه يوافقون على ذلك وقال في المحصول هل يجوز دفع النقض بقيد طردي أما الطاردون فقد جوزوه وأما منكرو الطرد فمنهم من جوزه والحق أنه لا يجوز لأن أحد أجزاء العلة إذا لم يكن مؤثرا لم يكن مجموع العلة مؤثرا وهكذا قال إمام الحرمين في هذا البرهان ثم اختار التفصيل بين أن يكون القيد الطردي يشير إلى مسألة تفارق مسألة النزاع بفقه فلا يجوز نقض العلة وإلا فلا يفيد الاحتراز عنه قال ولو فرض التقييد بإسم غير مشعر بفقه ولكن مباينة المسمى به لما عداه مشهورة بين النظار فهل يكون التقييد تخصيصا للعلة ؟ اختلف فيه الجدليون والأقرب تصحيحه لأنه إصطلاح .
الإعتراض الثاني : الكسر وهو إسقاط وصف من أوصاف العلة المركبة وإخراجه عن الاعتبار بشرط أن يكون المحذوف مما لا يمكن أخذه في حد العلة هكذا قال أكثر الأصوليين والجدليين ومنهم من فسره بأنه وجود المعنى في صورة مع عدم الحكم فيه والمراد وجود معنى تلك العلة في موضع آخر معها ذلك الحكم وعلى هذا التفسير يكون كالنقض ولهذا قال ابن الحاجب في المختصر : الكسر وهو نقض المعنى والكلام فيه كالنقض ومثاله أن يعلل المستدل على القصر في السفر بالمشقة فيقول المعترض ما ذكرته من المشقة ينتقض بمشقة أرباب الصنائع الشاقة في الحضر وفد ذهب الأكثرون إلى أن الكسر غير مبطل وأما جماعة من الأصوليين منهم الفخر الرازي والبيضاوي فجعلوه من القوادح قال الصفي الهندي : الكسر نقض يرد على بعض أوصاف العلة وذلك هو ما عبر عنه الآمدي بالنقض المكسور قال الصفي الهندي وهو مردود عند الجماهير إلا إذا بين الخصم إلغاء القيد ونحن لا نعني بالكسر إلا إذا بين أما إذا لم يبين فلا خلاف أنه مردود وأما إذا بين فالأكثرون على أنه قادح وقال الآمدي والأكثرون على أنه غير قادح مردود وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في التلخيص : واعلم أن الكسر سؤال مليح والاشتغال به ينتهي إلى بيان الفقه وتصحيح العلة وقد اتفق اكثر أهل العلم على صحته وإفساد العلة به ويسمونه النقض من طريق المعنى والإلزام من طريق الفقه وأنكره طائفة من الخرسانيين قال وهذا غير صحيح لأن الكسر نقض من حيث المعنى فهو بمنزلة النقض من طريق اللفظ انتهى وقد جعلوا منه ما رواه البيهقي عنه ضصض أنه دعي إلى دار فأجاب ودعي إلى دار أخرى فلم يجب فقيل له في ذلك فقال إن في دار فلان كلبا فقيل وفي هذا الدار سنور فقال السنور سبع ووجه الدلالة أنهم ظنوا أن الهرة يكسر المعنى فأجاب بالفرق وهو أن الهرة سبع أي ليست بنجسة كذا قيل قال في المنخول قال الجدليون الكسر يفارق النقض فإنه يرد على إخالة المعلل لا على عبارته والنقض يرد على العبارة قال وعندنا لا معنى للكسر فإن كل عبارة لا إخالة فيها فهي طرد محذوف فالوارد على الإخالة نقض ولو ورد على أحد الوصفين مع كونهما مختلفين فهو باطل لا يقبل .
الاعتراض الثالث : عدم العكس وهو وجود الحكم بدون الوصف في صورة أخرى كاستدلال الحنفي على منع تقديم أذان الصبح بقوله صلاة لا تقصر فلا يجوز تقديم أذانها كالمغرب فيقال له هذا الوصف لا ينعكس لأن الحكم الذي هو منع التقديم للأذان على الوقت موجود فيما قصر من الصلوات لعلة أخرى قال إمام الحرمين إذا قلنا إن اجتماع العلل على معلول واحد غير واقع فالعكس لازم ما لم يثبت الحكم عند انتفاء العلة يتوقف لكن لا يلزم المستدل بيانه بخلاف ما ألزمناه في النقض لأن ذاك داع إلى الانتشار وسببه أن إشعار النفي بالنفي منحط عن إشعار الثبوت بالثبوت وقال الآمدي لا يرد سؤال العكس إلا أن يتفق المتناظران على اتحاد العلة .
الاعتراض الرابع : عدم التأثير قد ذكر جماعة من أهل الأصول أن هذا الاعتراض قوي حتى قال ابن الصباغ إنه من أصح ما يعترض به على العلة وقال السمعاني ذكر كثير من أصحابنا سؤال عدم التأثير ولست أرى له وجها بعد أن يبين المعلل التأثير لعلته وقد ذكرنا أن العلة الصحيحة ما أقيم الدليل على صحتها بالتأثير وقد جعله القائلون به منقسما إلى أقسام : .
الأول : عدم التأثير في الوصف لكونه طرديا وهو راجع إلى عدم العكس السابق قبل هذا كقولهم صلاة الصبح لا تقصر فلا تقدم على وقتها كالمغرب فقولهم لا تقصر وصف طردي بالنسبة إلى عدم التقديم .
الثاني : عدم التأثير في الأصل لكونه مستغنى عنه في الأصل لوجود معنى آخر مستقل بالغرض كقولهم في بيع الغائب مبيع غير مرئي كالطير في الهواء فلا يصح فيقال لا أثر لكونه غير مرئي فإن العجز عن التسليم كاف لأن بيع الطير لا يصح وإن كان مرئيا وحاصله معارضة في الأصل لأن المعترض يلغي من العلة وصفا ثم يعارضه المستدل بما بقي قال إمام الحرمين والذي صار إليه المحققون فساد العلة بما ذكرنا وقيل بل يصح لأن ذلك القيد له أثر في الجملة وإن كان مستغنى عنه كالشاهد الثالث بعد شهادة عدلين وهو مردود لأن ذلك القيد ليس محله ولا وصفا له فذكره لغو بخلاف الشاهد الثالث فإنه متهيء لأن يصير عند عدم صحة شهادة أحد الشاهدين ركنا .
الثالث : عدم التأثير في الأصل والفرع جميعا بأن يكون له فائدة في الحكم إما ضرورية كقول من اعتبر الاستنجاء بالأحجار وإما غير ضرورية كقولهم الجمعة صلاة مفروضة فلم تفتقر إلى إذن الإمام كالظهر فإن قولهم مفروضة حشو لو حذف لم يضر .
الرابع : عدم التأثير في الفرع كقولهم زوجت نفسها فلا يصح كما لو زوجت من غير كفء لا أثر له فإن النزاع في الكفء وغيره سواء .
وقد اختلف فيه على أقوال : الأول الجواز قال الأستاذ أبو بكر وهو الأصح والثاني المنع والثالث التفصيل وهو عدم الجواز مع تبيين محل السؤال والجواز مع عمدة واختاره إمام الحرمين الخامس عدم التأثير في الحكم وهو أن يذكر في الدليل وصفا لا تأثير في الحكم للعلل به كقولهم في المرتدين الذين يتلفون الأموال مشركون أتلفوا في دار الحرب فلا ضمان عليهم كالحربي فإن دار الحرب لا مدخل لها في الحكم فلا فائدة لذكرها لأن من أوجب الضمان يوجبه وإن لم يكن في دار الحرب وكذا من نفاه ينفيه مطلقا .
الاعتراض الخامس : القلب قال الآمدي هو أن يبين القالب أن ما ذكره المستدل يدل عليه لا له أو يدل عليه وله والأول قلما يتفق في الأقسية ومثله في المنصوص بالاستدلال الحنفي في توريث الخال بقوله ضصض : [ الخال وارث من لا وارث له ] فأثبت إرثه عند عدم الوارث فيقول المعترض هذا يدل عليك لا لك لأن معناه نفي توريث الخال بطريق المبالغة كما يقال الجوع زاد من لا زاد له والصبر حيلة من لا حيلة له أي ليس الجوع زادا ولا الصبر حيلة قال الفخر الرازي في المحصول القلب معارضة إلا في أمرين : أحدهما أنه لا يمكن فيه الزيادة في العلة وفي سائر المعارضات يمكن والثاني لا يمكن منع وجود العلة في الفرع والأصل لأن أصله وفرعه أصل المعلل وفرعه ويمكن ذلك في سائر المعارضات أما فيما وراء هذين الوجهين فلا فرق بينه وبين المعارضة قال الهندي والتحقيق أنه دعوى أن ما ذكره المستدل عليه لا له في تلك المسألة على ذلك الوجه انتهى وجعله ابن الحاجب وشراح كلامه قسمين : أحدهما تصحيح مذهب المعرض فيلزم منه بطلان مذهب المستدل لتنافيهما وثانيهما إبطال مذهب المستدل إبتداء إما صريحا أو بالالتزام ومثال الأول أن الحنفي الاعتكاف يشترط فيه الصوم لأنه لبث فلا يكون بمجردة قربة كالوقوف بعرفة فيقول الشافعي فلا يشترط فيه الصوم كالوقوف بعرفة ومثال الثاني أن يقول الحنفي في أنه يكفي مسح ربع الرأس عضو من أعضاء الوضوء فلا يكفي أقله كسائر الأعضاء فيقول الشافعي فلا يقدر بالربع كسائر الأعضاء هذا الصريح وأما الإلتزام فمثاله أن يقول الحنفي بيع غير المرئي بيع معاوضة فيصح مع الجهل بأحد العوضين كالنكاح فيقول الشافعي فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح وقد ذهب إلى اعتبار هذا الاعتراض الجمهور وأنه قادح وأنكره بعض أهل الأصول وقال إن الحكمين أي ما يثبته القالب إن لم يتنافيا فلا قلب إذ لا منع من اقتضاء العلة الواحدة لحكمين غير متنافيين وإن استحال اجتماعهما في صورة واحدة فلم يمكن الرد ذلك الأصل بعينه فلا يكون قلبا إذ فيه من الرد إلى ذلك الأصل وأجاب الجمهور عن هذا بأن الحكمين غير متنافيين لذاتهما فلا جرم يصح اجتماعهما في الفرع فإذا أثبت القالب الحكم الآخر في الفرع بالرد إلى الأصل امتنع ثبوت الحكم الأول وظاهر كلام إمام الحرمين أنه لازم جدلا لا دينا وقال أبو الطيب الطبري أن هذا القلب إنما ذكره المتأخرين من أصحابنا حيث استدل أبو حنيفة بقوله ضصض [ لا ضرر ولا ضرار في مسألة الساحة ] قال هذا البناء ضرار بالغاصب فقال له أصحابنا وفي بيع صاحب الساحة الساحة إضرار به قال ومن أصحابنا من قال يصح سؤال القلب قال وهو شاهد زور يشهد لك ويشهد عليك قال وهذا باطل لأن القالب عارض المستدل بما لا يمكن الجمع بينه وبين دليله فصار كما بدليل آخر وقيل هو باطل إذ لا يتصور إلا في الأوصاف الطردية ومن أنواع القلب جعل المعلول علة والعلة معلولا وإذا أمكن ذلك تبين أن لا علة فإن العلة هي الموجبة والمعلول هو الحكم الواجب لها وقد فرقوا بين القلب والمعارضة بوجوه منها ما قدمنا عن الفخر الرازي وقال القاضي أبو الطيب الطبري والشيخ أبو إسحاق الشيرازي إنه معارضة فإنه لا يفسد العلة وقال ابن الحاجب في مختصر المنتهى والحق أنه نوع معارضة اشتراك فيه الأصل والجامع فكان أولى بالقبول .
الاعتراض السادس : القول بالموجب بفتح الجيم أي القول بما أوجبه دليل المستدل قال في المحصول وحده تسليم ما جعله المستدل موجب العلة مع استبقاء الخلاف انتهى قال الزركشي في البحر وذلك بأن يظن المعلل أن ما يأتي به مستلزم لمطلوبه من حكم المسألة المتنازع فيها مع كونه غير مستلزم قال وهذا أولى من تعريف الرازي له بموجب العلة لأنه لا يختص بالقياس قال ابن المنير حدوده بتسليم مقتضى الدليل مع بقاء النزاع فيه وهو غير مستقيم لأنه يدخل فيه ما ليس منه وهو بيان غلط المستدل على إيجاب النية في الوضوء بقوله ضصض [ في أربعين شاة شاة ] فقال المعترض أقول بموجب هذا الدليل لكنه لا يتناول محل النزاع عندي كالمظنون للمستدل وليس قولا بالموجب لأن شرطه أن يظهر عذر للمستدل في العدلة فتمام الحد أن يقال هو تسليم مقتضى الدليل مع بقاء النزاع حيث يكون للمستدل عذر معتبر ومن أنواع القول بالموجب أن يذكر المستدل إحدى المقدمتين ويسكت على الأخرى ظنا منه أنها مسلمة فيقول الخصم بموجب المقدمة ويبقى على المنع لما عداها ومنها أن يعتقد المستدل تلازما بين محل النزاع وبين محل آخر فينصب الدليل على ذلك المحل بناء منه على أن ما ثبت به الحكم في ذلك المحل يستلزم ثبوته في محل النزاع فيقول المعترض بالموجب ومنه الملازمة والفرق بينه وبين المعارضة أن حاصله يرجع إلى خروج الدليل عن محل النزاع والمعارضة فيها اعتراف بأن للدليل دلالة على محل النزاع قال إمام الحرمين وابن السمعاني وهو سؤال صحيح إذا خرج مخرج المانعة ولا بد في موجهه من شرط وهو أن يسند الحكم الذي ينصب له العلة إلى شيء مثل قول الحنفي في ماء الزعفران ماء خالطه طاهر والمخالطة لا تمنع صحة الوضوء فيقول المعترض المخالط لا يمنع لكنه ليس بماء مطلق قال في المنخول الأصوليون يقولون تارة إن القول بالموجب ليس اعتراضا وهو لعمري كذلك فإنه لا يبطل العلة لأنها جرت العلة وحكمها مختلف فيه فلأن تجري حكمها متفق عليه أولى واختلفوا هل يجب على المعترض إبداء سند القول بالموجب أم لا فقيل يجب لقربه إلى ضبط الكلام وصوته عن الخبط وإلا فقد يقول بالموجب على سبيل العناد وقيل لا يجب لأنه قد وفى بما عليه وعلى المستدل الجواب وهو أعرف بمآخذ مذهبه قال الآمدي وهو المختار .
الاعتراض السابع : الفرق وهو إبداء وصف في الأصل يصلح أن يكون مستقلة أو جزء علة وهو معدوم في الفرع سواء كان مناسبا أو شبها إن كانت العلة شبيهة بأن يجمع المستدل بين الأصل والفرع بأمر مشترك بينهما فيبدي المعترض وصفا فارقا بينه وبين الفرع قال في المحصول الكلام فيه مبنى على أن تعليل الحكم بعلتين هل يجوز أم لا انتهى وقد اشترطوا فيه أمرين أحدهما أن يكون بين الأصل والفرع فرق بوجه من الوجوه وإلا لكان هو هو وليس كلما انفرد الأصل بوصف من الأوصاف يكون مؤثرا مقتضيا للحكم بل قد يكون ملغى للإعتبار بغيره فلا يكون الوصف الفارق قادحا والثاني أن يكون قاطعا للجمع بين أن يكون أخص من الجمع فيقدم عليه أو مثله فيعارضه قال جمهور الجدليين في حدة الفرق قطع الجمع بين الأصل والفرع إذ اللفظ أشعر به وهو الذي يقصد منه وقال بعضهم حقيقته المنع من الإلحاق بذكر وصف في الفرع أو في الأصل بمعنى أو معارضة العلة التي نصبها المستدل في الفرع بعلة مستقلة وهو سؤال صحيح كما اختاره إمام الحرمين وجمهور المحققين من الأصوليين والفقهاء قال إمام الحرمين ويعترض على الفارق مع قبوله في الأصل بما يعترض به على العلل المستقلة .
الاعتراض الثامن : الاستفسار وقد قدمه جماعة من الأصوليين على الاعتراضات ومعناه طلب شرح معنى اللفظ إن كان غريبا أو مجملا ويقع بهل أو الهمزة أو نحوهما مما يطلب به شرح الماهية وهو سؤال مقبول معمول عليه عند الجمهور وقد غلط من لم يقبله من الفقهاء لأن محل النزاع إذا لم يكن متحققا لم يظهر وفاق ولا خلاف وقد يرجع المخالف الى الموافقة عند أن يتضح له محل النزاع ولكنه لا يقبل إلا بعد بيان اشتمال اللفظ على إجمال أو غرابة فيقول المعترض أولا اللفظ الذي ذكره المستدل مجمل أو غريب بدليل كذا فعند ذلك يتوجه على المستدل التفسير وحكى الصفي الهندي أن بعض الجدليين أنكر كونه اعتراضا لأن التصديق فرع دلالة الدليل على المتنازع فيه قال بعض أهل الأصول إن هذا الاعتراض للاعتراضات قد جعلوه طليعة جيشها وليس من جنسها إذ الاعتراض عبارة عما يخدش به كلام المستدل والاستفسار ليس من هذا القبيل .
الاعتراض التاسع : فساد الاعتبار أي أنه لا يمكن اعتبار القياس في ذلك الحكم لمخالفته للنص أو الإجماع أو كان الحكم مما لا يمكن إثباته بالقياس أو كان تركيبه مشعرا بنقيض الحكم المطلوب وخص فساد الاعتبار جماعة من أهل الأصول بمخالفته للنص وهذا الاعتراض مبني على أن خبر الواحد مقدم على القياس وهو الحق وخالف في ذلك طائفة من الحنفية والمالكية فقدموا القياس على خبر الواحد .
وجواب هذا الاعتراض بأحد وجوه : الأول الطعن في سند النص إن لم يكن من الكتاب أو السنة المتواترة أو منع ظهوره فيما يدعيه المستدل أو بيان أن المراد به غير ظاهره أو أن مدلوله لا ينافي حكم القياس أو المعارضة له بنص آخر حتى يتساقطا ويصح القياس أو أن القياس الذي اعتمده ارجح من النص الذي عورض ويقيم الدليل على ذلك .
الاعتراض العاشر : فساد الوضع وذلك بابطال القياس المخصوص في إثبات الحكم المخصوص بأن يبين المعترض أن الجامع الذي ثبت به الحكم قد ثبت اعتباره بنص أو إجماع في نقيض الحكم والوصف الواحد لا يثبت به النقيضان وذلك بأن يكون أحدهما مضيقا والآخر موسعا أو أحدهما مخففا والآخر مغلظا أو أحدهما إثباتا والآخر نفيا والفرق بين هذا الاعتراض والاعتراض الذي قبله أن فساد الاعتبار أعم من فساد الوضع فكل فاسد الوضع فاسد الاعتبار ولا عكس وجعلهما أبو إسحاق الشيرازي واحدا وقال ابن برهان هما شيئان من حيث المعنى لكن الفقهاء فرقوا بينهما وقالوا فساد الوضع هو أن يعلق على العلة خلاف ما يقتضيه النص وقيل فساد الوضع هو إظهار كون الوصف ملائما لنقيض الحكم مع اتحاد الجهة ومنه الاحتراز عن تعدد الجهات لتنزيلها منزلة تعدد الأوصاف وعن ترك حكم العلة بمجرد ملاءمة الوصف للنقيض دون دلالة الدليل إذ هو عند فرض إتحاد الجهة خروج عن فساد الوضع إلى القدح في المناسبة قال ابن السمعاني وذكر أبو زيد هذا السؤال لايرد إلا على الطرد والطرد ليس بحجة وقيل هو أقوى من النقيض لأن الوضع إذا فسد لم يبق إلا الانتقال والنقض يمكن الاحتراز منه وقال الأصفهاني في شرح المحصول هو مقبول عند المتقدمين ومنعه المتأخرون إلا لا توجه له لكونه خارجا عن المنع والمعارضة وجواب هذا الاعتراض ببيان وجود المانع في أصل المعترض .
الاعتراض الحادي عشر : المنع قال ابن السمعاني الممانعة أرفع سؤال على العلل وقيل أساس المناظرة وهو يتوجه على الأصل من وجهين أحدهما منع كون الأصل معللا لأن الأحكام تنقسم بالاتفاق إلى ما يعلل وإلى ما لا يعلل فمن ادعى تعليل شيء كلف ببيانه قال إمام الحرمين إنما يتوجه هذا الاعتراض على من لم يذكر تحريرا فإن الفرع في العلة المحررة يرتبط بالأصل قال الكيا هذا الاعتراض باطل لأن المعلل إذا أتى بالعلة لم يكن لهذا السؤال معنى الثاني منع الحكم في الأصل واختلفوا هل هذا الاعتراض يقتضي انقطاع المستدل أم لا فقيل إنه يقتضي انقطاعه وقيل إنه لا يقتضي ذلك وبه جزم إمام الحرمين والكيا الطبري قال ابن برهان إنه المذهب الصحيح المشهور بين النظار واختاره الآمدي وابن الحاجب وقيل إن كان المنع جليا فهو انقطاع وإن كان خفيا فلا واختاره الأستاذ أبو إسحاق وقيل يتبع عرف البلد الذي وقعت فيه المناظرة فإن الجدل مراسيم فيجب إتباع العرف وهو اختيار الغزالي وقيل إن لم يكن له مدرك غيره جاز واختاره الآمدي .
الاعتراض الثاني عشر : التقسيم وهو اللفظ مترددا بين أمرين أحدهما ممنوع والآخر مسلم واللفظ محتمل لهما غير ظاهر في أحدهما قال الآمدي وليس من شرطه أن يكون أحدهما ممنوعا والآخر مسلما بل قد يكونان مسلمين لكن الذي يرد على أحدهما غير الذي يرد على الآخر إذ لو اتحد الذي يرد عليهما لم يكن للتقسيم معنى ولا خلاف في أنه لا يجوز كونهما ممنوعين لأن التقسيم لا يفيد وقد منع قوم من قبول هذا السؤال لأن إبطال أحد محتملي كلام المستدل لا يكون إبطالا له إذ لعله غير مراده مثاله في الصحيح الحاضر إذا فقد الماء وجد سبب التيمم وهو تعذر الماء فيجوز التيمم فيقول المعترض ما المراد بكون تعذر الماء سببا للتيمم هل تعذر الماء مطلقا أو تعذره في السفر أو المرض الأول ممنوع وحاصله أنه منع بعد تقسيم فيأتي فيه ما تقدم في صريح المنع من كونه مقبولا أو مردودا موجبا للانقطاع أو غير موجب .
وجوابه أن يعين المستدل أن اللفظ موضوع له ولو عرفا أو ظاهرا .
الاعتراض الثالث عشر : إختلاف الضابط بين الأصل والفرع لعدم الثقة بالجامع كقولهم في شهود القصاص تسببوا للقتل عمدا فلزمهم القصاص زجرا لهم عن التسبب كالمكره فالمشترك بين الأصل والفرع إنما هو في الحكمة وهي الزجر والضابط في الفرع الشهادة وفي الأصل الإكراه ولا يمكن التعدية بالحكمة وحدها وضابط الفرع يحتمل أن يكون مساويا لضابط الأصل في الإفضاء إلى المقصود وأن لا يكون .
وجوابه ببيان كون التعليل بالقدر المشترك بينهما مضبوطا عرفا أو ببيان المساواة في الضابط .
الاعتراض الرابع عشر : إختلاف حكمي الأصل والفرع قيل إنه قادح لأن شرط القياس مماثلة الفرع للأصل في علته وحكمه فإذا اختلف الحكم لم تتحقق المساواة وذلك كإثبات الولاية على الصغيرة في نكاحها قياسا على إثباتها في مالها .
الاعتراض الخامس عشر : منع كون ما يدعيه المستدل علة الحكم موجودا في الأصل فضلا عن أن يكون هو العلة مثاله أن يقول في الكلب حيوان يغسل من ولوغه سبعا فلا يقبل جلده الدباغ كالخنزير فيقول المعترض لا نسلم أن الخنزير يغسل من ولوغه سبعا والجواب عن الإعتراض بإثبات وجود الوصف في الأصل بما هو طريق ثبوت مثله إن كان حسيا فبالحس وإن كان عقليا فبالعقل وإن كان شرعيا فبالشرع .
الاعتراض السادس عشر : منع كون الوصف المدعي عليته علة قال ابن الحاجب في مختصر المنتهى وهو من أعظم الأسئلة لعمومه وتشعب مسالكه والمختار قبوله وإلا لأدى إلى اللعب في التمسك بكل طردي انتهى ومثاله أن يقول في الكلب حيوان يغسل من ولوغه سبعا فلا يقبل جلده الدباغ معللا بكونه يغسل من ولوغه وجوابه بإثبات العلية بمسلك من مسالكها المذكورة سابقا .
الاعتراض السابع عشر : القدح في المناسبة وهو إبداء مفسدة راجحة أو مساوية لما تقدم من أن المناسبة تنخرم بالمعارضة وجوابه ترجيح المصلحة على المفسدة إجمالا أو تفصيلا .
الاعتراض الثامن عشر : القدح في إفضائه إلى المصلحة المقصودة من شرع الحكم له مثاله أن يقال في علة تحريم مصاهرة المحارم على التأييد إنها الحاجة إلى ارتفاع الحجاب ووجه المناسبة أنه يفضي إلى رفع الفجور وتقريره أن رفع الحجاب وتلاقي الرجال والنساء يفضي إلى الفجور وأنه يرتفع بتحريم التأبيد إذ يرتفع إذ يرتفع الطمع المفضي إلى مقدمات الهم والنظر المفضية إلى الفجور فيقول المعترض لا يفضي إلى ذلك بل سد باب النكاح أفضى إلى الفجور لأن النفس حريصة على ما منعت منه إذ قوة داعية الشهوة مع اليأس عن اليأس عن الحل مظنة الفجور وجوابه ببيان الإفضاء إليه بأن قول في هذه المسألة التأبيد يمنع عادة ما ذكرناه من مقدمات الهم والنظر وبالدوام يصير كالأمر الطبيعي .
الاعتراض التاسع عشر : كون الوصف غير كالرضا في العقود وجوابه بالاستدلال على كونه ظاهرا كضبط الرضا بصيغ العقود ونحو ذلك .
الاعتراض الموفي عشرين : كون الوصف غير منضبط كالحكم والمصالح مثل الحرج والمشقة والزجر فإنها أمور ذوات مراتب غير محصورة ولا متميزة وتختلف باختلاف الأشخاص والزمان والأحوال وجوابه بتقرير الانضباط إما بنفسه أو بوصفه .
الاعتراض الحادي والعشرين : المعارضة وهي إلزام المستدل الجمع بين شيئين والتسوية بينهما في الحكم إثباتا أو نفيا كذا قال الأستاذ أبو منصور : وقيل هي إلزام الخصم أن يقول قولا قال بنظيره وهي من أقوى الاعتراضات وهي أهم من اعتراض النقض فكل نقض معارضة ولا عكس كذا قيل وفيه نظر لأن النقض هو تخلف الحكم مع وجود العلة وهذا المعنى يخالف معنى المعارضة وقد أثبت اعتراض المعارضة الجمهور من أهل الأصول والجدل وزعم قوم أنها ليست بسؤال صحيح واختلف القائلون بها في الثابت منها فقيل إنما يثبت منها معارضة الدلالة بالدلالة والعلة بالعلة ولا يجوز معارضة الدعوى بالدعوى .
والمعارضة تنقسم إلى ثلاثة أقسام : معارضة في الأصل ومعارضة في الفرع ومعارضة في الوصف .
أما المعارضة في الأصل فبأن يذكر علة أخرى في الأصل سوى العلة التي علل بها المستدل وتكون تلك العلة معدومة ويقول إن الحكم في الأصل إنما كان بهذه العلة التي ذكرها المعترض لا بالعلة التي ذكرها المستدل قال ابن السمعاني والصفي الهندي وهذا هو سؤال الفرق وذكر بعض أهل الأصول أنه لا فرق بين أن تكون العلة التي يبديها المعترض مستقلة بالحكم كمعارضة الكيل بالطعم أو غير مستقلة بل هي جزء علة كزيادة الجارح في القتل العمد العدوان في مسألة القتل بالمثقل وهذا إذا كانت العلة التي جاء بها المعترض مسلمة من خصمه أو محتملة احتمالا راجحا أما إذا تعارضت الاحتمالات فقيل يرجح وصف المستدل وقيل وصف المعترض وقيل لا وجه لترجيح أحدهما على الآخر بل هو من التحكيم المحض ثم اختلفوا مع عدم الترجيح هل تقضي هذه المعارضة إبطال دليل المستدل أم لا على قولين حكاهما الأستاذ أبو منصور ثم اختلفوا هل يجب على المعترض بيان انتفاء الوصف الذي عارض به الأصل عن الفرع على أقوال : الأول أنه لا يجب بل على المستدل أن بين ثبوته في الفرع ليصح الالحاق وإلا بطل الجمع الثاني أنه يجب على المعترض البيان لأن الفرق لا يتم إلا بذلك الثالث أنه إن قصد الفرق بين الأصل والفرع وجب عليه ذلك وإلا لم يجب وهو اختيار الآمدي وابن الحاجب وجواب هذه المعارضة يكون إما بمنع وجود الوصف في الأصل أو بمنع المناسبة أو منع الشبه إن أثبته بأحدهما لأن المعارضة لا تتم من المعترض إلا إذا كان الوصف الذي عارض به في الأصل مناسبا أو مشابها إذ لو كان طرديا لم تصح المعارضة أو بمنع كون الوصف الذي أبداه المعترض ظاهرا أو بمنع كونه منضبطا أو ببيان إلغاء الوصف الذي وقعت به المعارضة أو ببيان رجوعه إلى عدم وجود وصف في الفرع لا إلى ثبوت معارض في الأصل .
وأما المعارضة في الفرع فهي أن يعارض حكم الفرع بما يقتضي نقيضه أو ضده بنص أو إجماع أو بوجود مانع أو بفوات شرط فيقول ما ذكرت من الوصف وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع فعندي وصف آخر يقتضي نقضيه نقيضه أو ضده بنص هو كذا أو إجماع على كذا أو بوجود مانع لما ذكرته من الوصف أو بفوات شرط له وقد قبل هذا الاعتراض أعني المعارضة في الفرع بعض أهل الأصول والجدل ونفاه آخرون فقالوا إن دلالة المستدل على ما ادعاه قد تمت قال الصفي الهندي وهو ظاهر الإدعاء إذا كانت المعارضة بفوات شرط .
وأما المعارضة في الوصف فهي على قسمين : أحدهما أن يكون بضد حكمه والثاني أن يكون في عين حكمه مع تعذر الجمع بينهما مثال الأول أن يقول المستدل في الوضوء إنها طهارة حكمية فتفتقر إلى النية قياسا على التيمم فيقول المعارض طهارة بالماء فلا تفتقر إلى النية قياسا على إزالة النجاسة فلا بد عند ذلك من الرتجيح ومثال الثاني أن يقول المعترض نفس هذا الوصف الذي ذكرته على خلاف ما تريده ثم يوضح ذلك بما يكون محتملا .
الاعتراض الثاني والعشرون : سؤال التعدية وهو أن يعين المعترض في الأصل معنى غير ما عينه المستدل ويعارضه به ثم يقول للمستدل ما عللت به وإن تعدى إلى فرع مختلف فيه فكذا ما عللت به أنا متعد إلى فرع آخر مختلف فيه وليس أحدهما أولى من الآخر وذلك كأن يقول المستدل بكر فجاز اختيارها كالصغيرة فيقول المعترض البكارة وإن تعدت إلى البكر البالغة فالصغر متعد إلى الثيب الصغيرة وقد اختلفوا في قبول هذا إبطال الاعتراض فقبله البعض ورده البعض وأدرجه الصفي الهندي في اعتراض المعارضة في الأصل .
وجوابه إبطال ما اعترض به وحذفه عن درجة الاعتبار واختلفوا هل يجب على المستدل أن يبين أنه لا أثر لما إليه المعترض من التسوية في التعدية أو لا يجب فقال الأكثرون لا يجب وقال بعض أهل الأصول يجب .
الاعتراض الثالث والعشرون : سؤال التركيب وهو أن يقول المعترض شرط حكم الأصل أن لا يكون ذا قياس مركب وهو قسمان مركب الأصل ومركب الوصف ومرجع الأول منع حكم الأصل أو منع العلة ومرجع الثاني منع الحكم أو منع وجود العلة في فرع وقد اختلفوا في قبوله فبعضهم قبله وبعضهم رده .
الاعتراض الرابع والعشرون : منع وجود الوصف المعلل به في الفرع كأن يقول المستدل في أمان العبد أمان صدر عن أهله كالعبد المأذون له في القتال فيقول المعترض لا نسلم أن العبد أهل للأمان وجوابه ببيان ما يثبت أهليته من حس أو عقل أو شرع وقد جعل بعضهم هذا الاعتراض مندرجا فيما تقدم .
الاعتراض الخامس والعشرون : المعارضة في الفرع وقد تقدم بيانه في الاعتراض الحادي والعشرين .
الاعتراض السادس والعشرون : المعارضة في الوصف وقد تقدم بيانه أيضا في الاعتراض الحادي والعشرين وإنما ذكرناهما هاهنا وهناك لأن كثيرا من أهل الأصول والجدل جعلوا المعارضة في الأصل اعتراضا والمعارضة في الفرع اعتراضا والمعارضة في الوصف اعتراضا وبعضهم جعل الثلاث المعارضات اعتراضا وبعضهم جعل الثلاث المعارضات اعتراضا اعتراضا واحدا ولا مشاحة في مثل ذلك فهو مجرد إصطلاح .
الاعتراض السابع والعشرون : إختلاف جنس المصلحة في الأصل والفرع كأن يقول المستدل بحد اللائط كما يحد الزاين لأنهما إيلاج محرم شرعا مشتهى طبعا فيقول المعترض : المصلحة في تحريمهما مختلفة ففي الزنا منع اختلاط الأنساب وفي اللواطة دفع رذيلة اللواطة وحاصله معارضة في الأصل بإبداء خصوصية ولهذا أدرجه بعضهم في اعتراض المعارضة في الأصل وبعضهم جعله اعتراضا مستقلا وجوابه بإلغاء الخصوصية .
الاعتراض الثامن والعشرون : أن يدعي المعترض المخالفة بين حكم الأصل وحكم الفرع وهو اعتراض متوجه إلى المقدمة القائلة فيوجد الحكم في الفرع كما وجد في الأصل وحاصل هذا أن دعوى المعترض للمخالفة إما أن تكون بدليل المستدل فيرجع إلى اعتراض القلب أو بغيره فيكون اعتراضا خاصا خارجا عما تقدم وقد جعله بعضهم مندرجا فيما تقدم