المسلك الثاني : النص على العلة .
قال في المحصول : ونعني بالنص ما يكون دلالته على العلة ظاهرة سواء كانت قاطعة أو محتملة أما القاطع فما يكون صريحا وهو قولنا لعلة كذا أو لسبب كذا أو لمؤثر كذا أو لموجب كذا أو لأجل كذا كقوله تعالى : { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل } وأما الذي لا يكون قاطعا فثلاثة اللام وإن الباء أما اللام فكقولنا ثبت لكذا كقوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وأما أن فكقوله [ أنها من الطوافين ] وأما الباء فكقوله { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } هذا حاصل كلامه قال الإمام الشافعي متى وجدنا في كلام الشارع ما يدل على نصبه أدلة وإعلاما ابتدرنا إليه وهو أولى ما يسلك .
واعلم أن التعليل قد يكون مستفادا من حرف من حروفه وهي : كي واللام وإذن ومن والباء والفاء وإن ونحو ذلك وقد يكون مستفادا من إسم من أسمائه وهي : لعلة كذا لموجب كذا بسبب كذا لمأثر كذا لأجل كذا بمقتضى كذا ونحو ذلك وقد يكون مستفادا من فعل من الأفعال الدالة على ذلك كقوله عللت بكذا وشبهت كذا بكذا ونحو ذلك وقد يكون مستفادا من السياق فإنه قد يدل على العلة كما يدل على غيرها .
وقد قسموا النص على العلة إلى صريح وظاهر قال الآمدي فالصريح هو الذي لا يحتاج فيه إلى نظر واستدلال بل يكون اللفظ موضوعا في اللغة له قال ابن الأنباري ليس المراد بالصريح المعنى الذي لا يقبل التأويل بل المنطوق بالتعليل فيه على حسب دلالة اللفظ الظاهر على المعنى انتهى .
ثم الصريح ينقسم إلى أقسام أعلاها أن يقول لعلة كذا أو لسبب كذا أو نحو ذلك وبعده أن يقول لأجل كذا أو من أجل كذا قال ابن السمعاني وهو دون ما قبله لأن لفظ العلة تعلم به العلة من غير واسطة بخلاف قوله لأجل فإنه يفيد معرفة العلة بواسطة أن العلة ما لأجلها والدال بلا واسطة أقوى وكذا قال الأصفهاني وبعده أن يقول كي يكون كذا فإن الجويني في البرهان جعلها من الصريح وخالفه الرازي وبعده إذا فإن أبا إسحاق الشيرازي والغزالي جعلاه من الصريح وجعله الجويني في البرهان من الظاهر وبعده ذكر المفعول له نحو ضربته تأديبا .
وأما الظاهر فينقسم إلى أقسام أعلاها اللام ثم أن المفتوحة المخففة ثم إن المكسورة الساكنة بناء على أن الشروط اللغوية أسباب ثم إن المشددة كقوله ضصض [ إنها من الطوافين عليكم ] قال صاحب التنقيح كذا عدوها من هذا القسم والحق أنها لتحقيق الفعل ولاحظ لها في التعليل والتعليل في الحديث مفهوم من الكلام وقد نقل ابن الأنباري إجماع النحاة على أنها لا ترد للتعليل قال وهي في قوله إنها من الطوافين عليكم للتأكيد لأن علة طهارة سؤرها هي الطواف ولقد قدرنا مجيء قوله من الطوافين بغير أن لأفادة التعليل فلو كانت للتعليل لعدمت العلة بعدمها ولا يمكن أن يكون التقدير لأنها وإلا لوجب فتحها ولا ستفيد التعليل من اللام ثم الباء قال ابن مالك وضابطه أن يصلح غالبا في موضعها اللام كقوله تعالى : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } وقوله سبحانه { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم } وجعل من ذلك الآمدي والصفي الهندي قوله تعالى : { جزاء بما كانوا يعملون } ونسبة بعضهم إلى المعتزلة وقيل هي المقابلة كقولك هذا بذلك لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانا ثم الفاء إذا علق بها الحكم على الوصف وذلك نوعان : .
أحدهما : أن يدخل على السبب والعلة ويكون الحكم متقدما كقوله ضصض [ لا تخمروا رأسه فإنه يبعث ملبيا ] .
الثاني : أن يدخل على الحكم وتكون العلة متقدمة كقوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } { والسارق والسارقة فاقطعوا } لأن التقدير في زنى فاجلدوه ومن سرق فاقطعوه ثم لعل على رأي الكوفيين من النحاة قالوا إنها في كلام الله للتعليل المحض مجردة عن معنى الترجي لاستحالته عليه ثم إذا ذكره ابن مالك نحوه { وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف } ثم حتى كما ذكره ابن نحو قوله تعالى : { حتى يعطوا الجزية } { حتى نعلم المجاهدين منكم } { حتى لا تكون فتنة } ولا يخفى ما في عد هذه الثلاثة المتأخرة من جملة دلائل التعليل من الضعف الظاهر وقد عد منها صاحب التنقيح لا جرم نحو { لا جرم أن لهم النار } وعد أيضا جميع أدوات الشروط والجزاء وعد إمام الحرمين منها الواو وفي هذا من الضعف ما لا يخفى على عارف بمعاني اللغة العربية