المسلك الثالث : الإيماء والتنبيه .
وضابطه الاقتران بوصف لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدا فيحمل على التعليل دفعا للاستعباد وحاصله أن ذكره يمتنع أن يكون لا لفائدة لأته عبث فيتعين أن يكون لفائدة وهي إما كونه علة أو جزء علة أو شرطا وإلا ظهر كونه علة لأنه الأكثر في تصرفات الشرع وهو أنواع .
الأول : تعليق الحكم على العلة بالفاء وهو على وجهين : أحدهما أن تدخل الفاء على العلة ويكون الحكم متقدما كقوله ضصض في المحرم الذي وقصته ناقته فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا ثانيهما أن تدخل الفاء على الحكم وتكون العلة متقدمة وذلك أيضا على وجهين : أحدهما أن تكون الفاء دخلت على كلام الشارع مثل قوله تعالى : { والسارق والسارقة فاقطعوا } { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } وثانيهما أن تدخل على رواية الراوي كقوله سها رسول الله ضصض فسجد وزنى ماعز فرجم كذا في المحصول وغيره .
النوع الثاني : أن يذكر الشارع مع الحكم وصفا لو لم يكن علة لعري عن الفائدة إما مع سؤال في محله أو سؤال في نظيره فالأول كقول الأعرابي واقعت أهلي في رمضان فقال اعتق رقبة فإنه يدل على أن الوقاع علة للإعتاق والسؤال مقدر في الجواب كأنه قال إذا واقعت فكفر الثاني : كقوله وقد سألته الخثعمية أن أبي أدركته الوفاة وعليه فريضة الحج أفينفعه إن حججت عنه ؟ فقال : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ؟ قالت نعم فذكر نظيره وهو دين الآدمي فنبه على كونه علة في النفع وإلا لزم العبث وذهب جماعة من الأصوليين إلى أن شرط فهم التعليل من هذا النوع أن يدل الدليل على أن الحكم وقع جوابا إذ من الممكن أن يكون الحكم استئنافا لا جوابا وذلك كمن تصدى للتدريس فأخبره تلميذه بموت السلطان فأمره عقب الأخبار بقراءة درسه فإنه لا يدل على تعليل القراءة بذلك الخبر بل بالاشتغال بما هو بصدده وترك ما لا يعنيه .
النوع الثالث : أن يفرق بين الحكمين الوصف نحو قوله ضصض [ للراجل سهم وللفارس سهمان ] فإن ذلك يفيد أن الموجب للإستحقاق للسهم والسهمين هو الوصف المذكور .
النوع الرابع : أن يذكر عقب الكلام أو في سياقه لو لم يعلل به الحكم المذكور لم ينتظم الكلام كقوله تعالى : { وذروا البيع } لأن الآية سيقت لبيان وقت الجمعة وأحكامها فلو لم يعلل النهي عن البيع بكونه مانعا من الصلاة أو شاغلا عن المشي إليها لكان ذكره عبثا لأن البيع لا يمنع منه مطلقا .
النوع الخامس : ربط الحكم بإسم مشتق فإن تعليق الحكم به مشعر بالعلية نحو أكرم زيدا العالم فإن ذكر الوصف المشتق مشعر بأن الإكرام لأجل العلم .
النوع السادس : ترتب الحكم على الوصف بصيغة الشرط والجزاء كقوله تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } أي لأجل تقواه { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي لأجل توكله لأن الجزاء يتعقب الشرط .
النوع السابع : تعليل عدم الحكم بوجود المانع منه كقوله تعالى : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن } { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } { ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته } .
النوع الثامن : إنكاره سبحانه على من زعم أنه لم يخلق الخلق لفائدة ولا لحكمة بقوله { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } وقوله { أيحسب الإنسان أن يترك سدى } وقوله { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } .
النوع التاسع : إنكاره سبحانه أن يسوي بين المختلفين ويفرق بين المتماثلين فالأول كقوله { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } والثاني كقوله { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } وقد أختلف في اشتراط مناسبة الوصف المومى إليه للحكم في الأنواع السابقة فاشترط إمام الحرمين الجويني والغزالي وذهب الأكثرون إلى عدم اشتراطه وذهب قوم إلى التفصيل فقالوا إن كان التعليل من المناسبة كما في قوله لا يقض القاضي وهو غضبان اشترط وأما فلا يشترط واختاره ابن الحاجب وحكى الهندي تفصيلا وهو اشتراطه في ترتيب الحكم على الإسم دون غيره وحكى ابن المنير تفصيلا وهو اشتراطه في ترتيب الحكم بفعل النبي ضصض تفصيلا آخر وهو إن كان الإسم المشتق يتناول معهودا معينا فلا يتعين للتعليل ولو كان مناسبا بل يحتمل أن يكون تعريفا وأما إذا علق بعام أو منكر فهو تعليل