أحدهما ألا يلزمه ذلك كما لم يلزم في عصر أوائل الأمة أن يخص العامي عالما معينا بتقليده .
قلت فعلى هذا هل له أن يستفتي على أي مذهب شاء أو يلزمه أن يبحث حتى يعلم علم مثله أسد المذاهب وأصحها أصلا فيستفتي أهله فيه وجهان مذكوران كالوجهين اللذين سبقا في إلزامه بالبحث عن الأعلم والأوثق من المفتين .
والثاني يلزمه ذلك وبه قطع الكيا أبو الحسن وهو جار في كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الفقهاء وأرباب سائر العلوم ووجهه أنه لو جاز له اتباع اي مذهب شاء لأفضى إلى أن يتلفظ رخص المذاهب متبعا هواه ومتخيرا بين التحريم والتجويز في ذلك الخلاف رتبة التكليف بخلاف العصر الأول فإنه لم تكن المذاهب الوافية بأحكام الحوادث حينئذ قد مهدت وعرفت فعلى هذا يلزمه أن يجتهد في اختيار مذهب يقلده على التعيين وهذا أولى بإيجاب الاجتهاد فيه على العامي مما سبق ذكره في الاستفتاء ونحن نمهد له طريقا يسلكه في اجتهاده سهلا فنقول .
أولا ليس له أن يتبع في ذلك مجرد التشهي والميل إلى ما وجد عليه أباه وليس له التمذهب بمذهب أحد من أئمة الصحابة وغيرهم من الأولين وإن كانوا أعلم وأعلى درجة من بعدهم لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه وليس لأحد منهم مذهب مهذب محرر مقرر وإنما قام بذلك من جاء بعدهم من الأئمة الناخلين لمذاهب الصحابة والتابعين القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها الناهضين بإيضاح أصولها وفروعها كمالك وأبي حنيفة وغيرهما ولما كان الشافعي قد تأخر عن هؤلاء الأئمة ونظر في مذاهبهم نحو نظرهم في مذاهب من قبلهم فسبرها وحبرها وانتقدها واختار أرجحها ووجد من قبله قد كفاه مؤنة التأصيل فتفرغ للاختيار والترجيح والتنقيح والتكميل مع كمال آليته وبراعته في العلوم وترجحه