مبحث حكم المرتد - تعريف المرتد .
الردة - والعياذ بالله تعالى - كفر مسلم تقرر إسلامه بالشهادتين مختارا بعد الوقوف على الدعائم والتزامه أحكام الإسلام ويكون ذلك بصريح القول كقوله : أشرك بالله أو قول يقتضي الكفر كقوله : إن الله جسم كالأجسام أو بفعل يستلزم الكفر لزما بينا كإلقاء مصحق أو بعضه ولو كلمة أو حرقه استخفافا لا صونا أو علاجا لمريض ومثل إلقائه وتركه في مكان قذر ولو طاهرا كبساق أو تلطيخه به نحو تقليب ورق بالبصاق ومثل المصحق الحديث وأسماء الله الحسنى وكتب الحديث وكذا كتب الفقه إذا كان علي وجه الاستخفاف بالشريعة الإسلامية وأحكامها أو تحقيرها وكذا أسماء النبياء . وشد الزنار ميلا للكفر أما لو لبسه لعبا فهو حرام . مع دخول الكنائس . أو سجوده لصنم . وكذلك يكفر بتعلم السحر والعمل به لأنه كلام يعظم غير الله تعالى وتنسب إليه المقادير وكذلك يكفر بقوله : إن القالم قديم وهو ما سوى الله تعالى لأنه يستلزم عدم وجود الصانع أو يقول : إن العالم باق على الدوام فلا يفنى لأنه يستلزم إنكار القيامة ولو أعتقد حدوثه وهو تكذيب للقرآن الكريم وكذلك الشك في قدم العالم أو بقائه أو أنكر وجود الله تعالى ويكفر كذلك من قال : بتناسخ الرواح أي أن من مات تنتقل روحه إلى غيره لأن فيه إنكار البعث ويكفر إذا أنكر حكما أجمعت ألامة عليه كوجوب الصلاة أو تحريم الزنا أو إنكار الصوم ويكفر إذا أنكر بقوله بجواز اكتساب النبوة وتحصيلها بسبب الرياضة لأنه يستلزم جواز وقوعها بعد النبي أو سب نبي أجمعت الأمة على نبوته أو سب ملكا من الملائكة يجمع على ملكيته ويكفر أن عرض في كلامه بسب نبي أو ملك بأن قال عند ذكره أما أنا فلست بزان أو بساحر أو ألحق بنبي أو ملك نقصاص ولو ببدنه كعرج وشلل أو طعن في وفور علمه إذ كل نبي أعلم أهل زمانه وسيدهم A أعلم الخلق أجمعين أو طعن في أخلاق نبي او في دينه ويكفر إذا ذكر الملائكة بالأوصاف القبيحة أو طعن في وفور زهد نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
قال الأئمة : لا بد في إثبات الردة من شهادة رجلين عدلين ولا بد من اتحاد المشهود به فإذا شهدا بأنه كفر قال القاضي لهما باي شيء ؟ فيقول الشاهد : يقول كذا اويفعل كذا .
واتفق الأئمة الأربعة عليهم C تعالى : على أن من ثبت ارتداده عن الإسلام والعياذ بالله وجب قتله وأهدر دمه وعلى أن قتل الزنديق واجب وهو الذي يضمر الكفر ويتظاهر .
استتابة المرتد .
الحنفية قالوا : إذا ارتد المسلم عن الإسلام - والعياذ بالله تعالى - عرض عليه الإسلام فإن كانت له شبهة أبدها كشفت عنه لأنه عساه اعترضته شبهة في الدين فتزاح عنه لأن فيه وقع شره بأحسن الأمرين وهما القتل والإسلام إلا أن عرض الإسلام عليه مستحب غير واجب لأن الدعوة قد بلغته وعرض الإسلام هو الدعوة إليه ودعوة من بلغته الدعوة غير واجبة بل هي مستحبة فإذا طلب الامهال يستحب أن يؤجله القاضي ثلاثة ايام ويحبس ثلاثة أيام فإن اسلم بعدها وإلا قتل لقول تعالى : { قاقتلوا المشركين } من غير قيد الامهال وكذلك قوله A : ( من بدل دينه فاقتلوه ) ولم يذكر التأجيل ولأن المرتد كافر حربي لا محالة فليس بمستأمن لأنه لم يطلب الأمان ولا ذمي لأنه ولم يذكر التأجيل ولأن المرتد كافر حربي لا محالة فليس بمستأمن لأنه لم يطلب الأمان ولا ذمي لأنه لم تقبل منه الجزية فيجب قتله في الحال من غير استمهال ولا يجوز تأخير الواجب لأمر موهوم لأن دلائل الإسلام ظاهرة غير خفية فإذا استمهل فإن الإسلام حينئذ لا يكون موهوما فيستحب تأخيره .
قالوا : لا قرق في وجوب قتل المرتدين كونه حرا أو عبدا لإطلاق الدلائل .
الشافعية - قالوا : إذا ارتد المسلم والعياذ بالله تعالى فإنه يجب على الإمام أن يؤجله ثلاثة أيام ولا يحل له أن يقتله قبل ذلك لأن ارتداد المسلم عن دينه يكون عن شبهة غالبا فلا بد من مدة يمكنه التأمل فيها ليتبين له الحق وقدرناها بثلاثة أيام طلب ذلك أو لم يطلب وقصة سيدنا موسى A مع العبد الصالح : { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني } فلما كانت الثالثة قال له : { قد بلغت من لدني عذرا } .
وروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن رجلا أتاه من قبل أبي موسى الشعري فقال له : ( هل من معربة خير ؟ فقال : نعم رجل ارتد عن الإسلام فقتلناه فقال له : هلا حبستموه في بيت ثلاثة أيام وأطعمتموه في كل يوم رغيفا لعله يتوب ؟ ثم قال : اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض ) أخرجه الإمام مالك Cن في كتابه الموطأ فتبري سيدنا عمر من فعلهم يقتضي وجوب الإمهال ثلاثة أيام قبل موت المرتد فإن تاب ونطق بالشهادتين أو كلمة التوحيد خلي سبيله وإن لم يتب وجب قتله بالسيف فورا . ولا يؤخر كسائر الحدود السابقة لأن الردة أفحش الكفر وأغلظه حكما وهي محبطة للعمل إن اتصلت بالموت قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر } الآية وإن عاد إلى الإسلام لم يجب عليه أن يعيد حجه لأن الردة أبطلت أعماله .
المالكية قالوا : يجب على الإمام أن يمهل المرتد ثلاثة أيام بلياليها وابتداء الثلاثة من يوم ثبوت الردة عليه لا من يوم الكفر ولا من يوم الرفع إلى الحاكم ولا يلفق الثلاثة أيام فيلغي يوم الثبوت إن سبق بالفجر ويطعم في أيام الحبس ويسقى من ماله ولا ينفق على ولده وزوجته منه فإن لم يكن له ماله فينفق عليه من بيت المال سواء وعج بالتوبة أو لم يعد ولا يعاقب في السجن بضرب ولو أصر على عدم الرجوع وإنما يستتاب المرتد وجوبا ذلك القدر صونا للدماء ودرأ للحدود بالشبهات ويعرض عليه الإسلام عدة مرات وتزال الشبهة التي تعرش له ويهمل للتفكير عسى أن يرجع ويتوب في هذه المدة فلو حكم القاضي بقتله قبل المدة مضى حكمه لأنه حكم بمختلف فيه فإن تاب بعد الأيام الثلاثة تركن وإن أصر على الكفر قتل بغروب الثالث ولا يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا في مقابر الكفارن لأنه ليس منهم حيث إسلامه وإنما يلقى حتى يكون عبرة لغيره .
الحنابلة قالوا : في إحدى روايتيهم أنه يجب الاستتابة ثلاثة أيام مثل المالكيةن والشافعية . وفي رواية أخرى عنهم : إنه لا تجب الاستتابة بل يعرض عليه الإسلام فإن قبل ترك وإلا يتحتم قتله حالا .
حكم المرأة المرتدة .
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن المرأة المرتدة حكمها حكم المرتد من الرجال فيجب أن تستتاب قبل قتلها ثلاثة أيام ويعرض عليها الإسلام : لأن دمها كان محترما بالإسلام وربما عرضت لها شبهة من فاسق فيسعى في إزالتها . وقد ثبت وجوب الاستتابة عن سيدنا عمر Bه .
وروى الدارقطني عن جابر بن عبد الله Bهما أن امرأة يقال لها أم ( رومان ) ارتدت فأمر النبي A ( أن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت ) لأنها بالردة اصبحت مثل الحربية فيجوز قتلها حدا بل إن ذنبها أشنع من الحربيات حيث أنها سبق لها الإسلام . ولقوله A : ( من بدل دينه فاقتلوه ) وهي كلمة تعم الرجال والنساء ولأن ردة الرجل مبيحة للقتل بالإجماع من أن الردة جناية متغلظة فتناط بها عقوبة متغلظة وردة المرأة تشاركها فيها فتشاركها في موجبها وهو القتل .
المالكية قالوا : إن المرأة المرتدة إذا كانت مرضعا يؤخر قتلها لتمام رضاع طفلها إن لم يوجد مرضع أو وجد ولم يقبلها الولد وتؤخر ذات الزوج وكذلك المطلقة طلقة رجعية أما البائن فإن ارتدت بعد حيض بعد طلاق فلا تؤخر وإلا أخرت لحيضة إن كانت من ذوات الحيض ولو كانت عادتها في كل خمس سنين مرة وإن كانت ممن لا تحيض لضعف وإياس مشكوك فيه استرئت ثلاثة أهر إن كانت ممن يتوقع حملها وإن كانت ممن لا يتوقع حملها قتلت بعد الاستتابة وإن لم يكن لها زوج لم تستبرأ .
الحنفية قالوا : إن المرأة المرتدة لا يجب قتلها فإن قتلها رجل لم يضمن شيئا حرة كانت أو عبدة لأن النبي A نهى عن قتل النساء ولأن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء وإنما عدل عنه دفعا لسر ناجز وهو الحراب ولا يتوجه ذلك من النساء لعدم صلاحية البنية بخلاف الرجال فصارت المرتدة كالأصلية وكل جزاء شرع في الدار ماهو ألا لمصالح تعود إلينا في هذه الدنيا كالقصاص وحد القذف والشرب والزنا والسرقة فشرعت لحفظ النفوس والأعراض والعقول والأنساب والأموال فكذا يجب في القتل بالردة أن يكون لدفع شر حدا به لا جزاء على فعل الكفر لأن جزاءه أعظم من ذلك عند الله تعالى فيختص لمن يأتي منه الحراب وهو الرجل ولهذا نهى النبي A عن قتل النساء وعلله بأنها لم تكن تقاتل على ما صح من الحديث فيما تقدم .
وما قيل : إن رسول الله A قتل مرتدة فقد قيل : إنه E لم يقتلها بمجرد الردة بل لأنها كانت ساحرة شاعرة تهجو رسول الله A وكان لها ثلاثون ابنا وهي تحرضهم على قتال رسول الله A فأمر بقتلها لهذه الأسباب . ولكن يجب حبسها أبدا حتى تسلم أو تمت وتضرب كل يوم تسعة وثلاثين سوطا . وهذا قتل معنى لأن موالاة الضرب تفضي إليه وإنما يجب حبسها لأنها امتنعت عن إيفاء حق الله تعالى بعد الإقرار فتجبر على إيفاء بالحبس كما في حقوق العباد .
وفي الجامع الصير : تجبر المرأة على الإسلام حرة كانت أو أمة والأمة يجبرها مولاها لما فيه من الجمع بين الحقين يعني حق الله تعالى وحق السيد ولا تسترق الحرة المرتدة ما دامت في دار الإسلام وإنما تضرب كل يوم مبالغة في الحمل على اعتناق الإسلام وكسبها لورثتها لأنه لا حراب منها ويرثها زوجها المسلم .
وقد روى أبو يوسف عن أبي حنيفة عن عاصيم بن أبي النجود عن أبي رزين عن أبن عباس Bهم قال : ( لا تقتل النساء إذا هن ارتدن عن الإسلام ولكن يحبسن . ويدعين إلى الإسلام ويجبرن عليه ) .
عن أبن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي مقتولة فأنكر رسول الله A قتل النساء والصبيان ( وفي بلاغات محمد قال : بلغنا عن أبن عباس Bهما أنه قال : إذا ارتدت المرأة عن الإسلام حبست ) ومثل هذا لا يقال عن اجتهاد .
وروي عن معاذ بن جبل Bه أن رسول الله A قال له حين بعثه إلى اليمن : ( أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن تاب فاقبل منه وإن لم يتب فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن تابت فاقبل منها وإن أبت فاستتبها ) الخ الحديث .
وأخرج الدارقطني C في صحيحه عن الإمام علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : المرتدة تستتاب ولا تقتل وهذه أدلة على مذهب الحنفية الذين قالوا : إنه لا يجب قتلها بل تحبس وتضرب