مبحث أملاك المرتد .
الحنفية قالوا : يزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالا موقوفا إلى أن يتبين حاله فإن أسلم عادت أمواله على حالها الأول لأنه حربي مقهور تحت أيدينا حتى يقتل ولا قتل إلا بالحراب وهذا يوجب زوال ملكه ومالكيته غير أنه مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه ويرجى عوده إليه فتوقفنا في أمره فإن أسلم جعل العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم وصار كأن لم يزل مسلماص ولم يعمل السبب وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه استقر كفره فيعمل السبب عمله ويزول ملكه والإجماع على أنه إن عاد وماله قائم كان هو أحق به ووجب أن يعمل بهما فيقول : بالردة يزول ثم بالعود يعود شرعا .
وقال الصاحبان : لا يزوال ملك المرتد عن أمواله لأنه مكلف محتاج فإلى أن يقتل يبقى ملكه كالمحكوم عليه بارجم والقصاص لأن كلا منهم مكلف مباح الدم .
قال الإمام أبو حنيفة : وإن مات أو قتل على ردته انتقل ما اكتسبه في إسلامه إلى ورثته المسلمين وكان ما أكتسبه في حال ردته فيئا لجماعة المسلمين يوضع في بيت المال .
وقال الصاحبان : كلا الكسبين يقسم على ورثة المسلمين لأن ملكه في الكسبين بعد الردة باق لأنه ملكف محتاج فينتقل بالموت إلى ورثته ويستند إلى ما قبل ردته إذ الردة سبب الموت فيكون توريث المسلم من المسلم ويجعل كأنه اكتسبه في حال الإسلام .
والمرتد إذا مات أو قتل على ردته ترثه امرأته المسلمة وهي في العدة لأنه يصير فارا وإن كان صحيحا وقت الردة لأنها سبب الموت .
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إن ما اكتسبه المرتد في إسلامه وما اكتسبه في حال ردته يكون فيئا لأنه مات كافرا والمسلم لا يرث الكافر إجماعا ثم هو مال حربي لا أمان له لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون فيئا .
الشافعية - قالوا : في زوال ملك المرتد عن ماله الحاصل قبل الردة أو فيها بالردة أقوال : أظهرها الوقوف كبضعزوجته سواء ألحق بدرا الحرب أم لا فإن هلك مرتدا بأن زاوله بالردة فما ملكه فيء وما تملكه من احتطاب ونحوه باق على الإباحة وإن أسلم بأن أنه لم يزل لأن بطلان أعماله تتوفق على هلاكه على الردة فكذا زوال ملك .
وقيل : يزول ملكه عن ماله بنفس الردة لزوال العصمة بردته فماله اولى .
وقيل : لا يزول ملكه بالردة لأن الكفر لا ينافي الملك كالكافر الأصلي .
ويتفرع على هذه الأقوال أنه يقضي من مال المرتد دين لزمه قبلها بإتلاف أو غيره لأنا إن قلنا ببقاء ملكه أو إنه موقوف فواضح وإن قلنا بزواله فهي لا تزيد على الموت والدين يقدم على حق الورثة فكذا على حق الفيء ا ه .
حكم الزنديق .
المالكية والحنابلة قالوا : ويجب قتل الزنديق بعد الاطلاع عليه بلا طلب توبة منه وهو الذي يسر الكفر ويظهر الإسلام وهو الذي كان يسمى منافقا في زمن النبي A وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ولا بد من قتله وإن تاب لكن إن تاب قتل حدا لا كفرا فيحكم له بالإسلام ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويترك أمره إلى الله D أما إذا جاء قبل الاطلاع على أمره فلا يقتل وله أحوال خمسة ثلاثة يكون ماله لورثته وهي ما إذا جاء تائبا أو تاب بعد الاطلاع عليه أو لم تثبت زندقته إلا بعد موته وحالان يكون ماله فيها لبيت المال وهي ما إذا اطلعنا عليه قبل الموت وقتلناه بغير توبة أو مات بغير توبة ومثله الذي سب نبيا أجمعت الأمة على نبوته فإنه بدون اسابة ولا تقبل توبته ثم إن تاب قتل حدا ولا يعذر الساب بجهل لأنه لا يعذر أحد في الكفر بالجهل ولا يعذر بسكر حرام أو تهور أو غيظ بل يقتل والساب الكافر اصلا إذا اعتنق الإسلام ولو كان إسلامه خوفا من القتل فإنه لا يجب قتله لأن الإسلام يجب ما قبله .
أما المسلم إذا ارتد بغير السب ثم سب زمن الردة ثم أسلم ثانية فلا يسقط عنه قتل السب لأنه حد من حدود الله تعالى وجب عليه .
وقيل : تقبل توبته إذا رجع إلى الإسلام كما هو مذهب الشافعي حتى في سب الملائكة والأنبياء والفرق بين سب الله تعالى فتقبل التوبة فيه وبين سب الأنبياء والملائكة فلا يقبل أن الله تعالى لما كان منزها عن لحوق النقص له عقلا قبل من العبد التوبة بخلاف خواص عباده المؤنين به لأن استحاله النقص عليهم من اخبار الله تعالى لا من ذواتهم فشدد فيهم فردت توبته ويقتل .
وأسقط الإسلام الثاني ما عليه من صلاة وصوم وزكاة إن كانت عليه فلا يطلب منه فعلها بعد رجوعه إلى الإسلام إلا أن يسلم قبل خروج وقت الصلاة وذلك لقوله تعالى : { قل للذين كفروا أن يتنهوا يغفر لهم ما قد سلف } ويحبط ثواب عمله السابق بردته لقوله تعالى : { لئن اشركت ليحبطن عملك } ويجب عليه الوضوء لا الغسل إلا بموجب له ويجب عليه إعادة الحج لبقاء وقته وهو العمر ويسقط عنه النذر وكفارة الايمان وكذلك العتق والظهار والطلاق كأن قال لزوجته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم دخل الدار بعد ردته أو توبته ويبطل إحصانه أما الطلاق الذي صدر منه قبل الردة فإذا طلق ثلاثا ثم ارتد ثم رجع للإسلام فلا تحل له إلا بعد زوج ما لم يرتدا معا ثم يرجع للإسلام .
الحنفية والشافعية قالوا : إن الزنديق إذا تاب . وأظهر الإسلام تقبل توبته ويستتاب ولا يقتل ويلحق بالكافر الأصلي إذا اعتنق الإسلام فإنه يقبل منه ويترك .
وفي قول للشافعية : أنه لا يصح إسلامه إن ارتد إلى كفرخفي أو إلى كفر باطنية وهم القائلون بأن للقرآن باطنا وأنه الراد منه دون الظاهر أو ارتد إلى دين يزعم أن محمدا مبعوث إلى العرب خاصة أو ارتد إلى دين يقول : إن رسالة محمد حق لكنه لم يظهر بعد أو إذا جحد فرضا أو تحريما فإنه لا يصح إسلامه ويجب قتله حدا وكذلك الفلاسفة الذين يزعمون أن الله خلق شيئا ثم خلق منه شيئا آخر يدير العالم وسموا الأول العقل والثاني النفس فإنه كفر ظاهر وكذلك الطبائعي القائل بنسبة الحياة والموت إلى الطبيعة ومن قذف رسول الله A أو سبه أو سب واحدا من الرسل الكرام الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم أو كذب رسول الله A في دعوته فإنه يقتل حدا ولا يسقط عنه الحد بالتوبة .
وقيل : لا يقتل بعد التوبة : بل يجلد ثمانين جلدة ن لأن الردة ارتفعت بإسلامه وبقي الجلد عليه .
الحنفية قالوا : كل من أبغض رسول الله A بقلبه كان مرتدا فالسب بطريق أولى فيقتل حدا ولا تقبل توبته في إسقاط القتل عنه .
الحنفية والمالكية قالوا : لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية لآنهم مسلمون ولا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها لقول الإمام علي Bه يوم الجمل : ( ولا يقتل أسير ولا يكشف ستر ولا يؤخذ مال ) وهو القدوة لنا في هذا الباب ولأنهم مسلمون والإسلام يعصم النفس والمال ولا بأس بأنيقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه لأن الإمام عليا Bه قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة وكانت قسمته للحاجة لا للتملك ولآن للإمام أن يفعل ذلك في مال الرجل العادل عند الحاجة ففي مال الباغي أولى ن والمعنى فيه إلحاق الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى . ولما رواه الحاكم في المستدرك والبزاز في مسنده من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن أبن عمر أن رسول الله A قال : ( هل تدري يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغي من هذه الأمة ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها )