مبحث أحكام قطاع الطريق .
اتفق الأئمة على أن من خرج في الطريق العام وأشهر السلاح مخيفا لعابر السبيل خارج المصر حرا أو عبدا مسلما أو ذميا أو مستأمنا أو محاربا فإنه محارب قاطع للطريق جار عليه أحكام المحاربين ولو كان واحدا .
واتفقوا : على أن كل من قتل من المحاربين وأخذ المال وجب إقامة الحد عليه فإن عفا أولياء المقتول والمأخوذ منهغير مؤثر في إسقاط الحد عنهم وإن مات أحد منهم قبل القدرة عليه سقط عند الحد إذ الحدود حق الله D وطولب بحقوق الآدميين من الأنفس والأموال والجراح إلا أن يفعو عنهم فيها .
الحنفية والشافعية والحنابلة رحمهم الله قالوا : إن حد قطاع الطريق على الترتيب المذكور في الآية الكريمة . فإذا خرج جماعة ممتنعين أو واحد يقدر على الامتناع فقصواد قطع الطريق فأخذوا قبل أن يأخذوا مالا ويقتلوا نفسا حبسهم الإمام حتى يحدثوا توبة وهو النفي في الأرض وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد منهم عشرة دراهم فصاعدا أو ما تبلغ قيمته ذلك قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم الإمام حدا فلا يسقط القتل بعفو الأولياء ويسمى قطاع الطريق محاربين لأن المال في البراري محفوظ بحفظ الله تعالى فإذا أخذوه على سبيل المغالبة كان في صورة المحارب وإذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم وإن شاء قتلهم وإن شاء صلبهم لأنها عقوبة واحد . فغلظت بتغلظ سببها وهو تفويت الأمن على النتاهي بالقتل وأخذ المال فالمراد بالآية التوزيع على الأحوال الأربعة .
المالكية رحمهم الله تعالى قالوا : المحارب هو قاطع الطريق لمنع سلوك ولو لم يقصد أخذ مال المارين بل قصد مجرد منع الانتفاع بالمرور فيها أو قصد أخذ مال محترم من مسلم أو ذمي أو معاهد ولو لم يبلغ نصابا أو قصد هتك الحريم على حال يتعذر معه الإغاثة والتخلص فيشمل جباربة الظلمة من الحكام الذين يسلبون أموال الناس ولا يفيد فيهم الاستغاثة بالعلماء ولا بغيرهم فهم محاربون ولا يشترط تعد د المحارب بل يعد محاربا ولو انفرد ببلد وقصد أذية بعض الناس ولا يشترط قصد عموم الناس ومذهب عقل كمسقي نحو الحشيشة أو الداتورة لأجل أخذ المال قهرا وظلما ومخادع مميز لأخذ ما معه فإنه محارب سواء كان المميز صغيرا أو بالغا خدعة وأدخله موضعا وأخذا ماله ولو لم يقتله وداخل زقاق أو دار ليلا أو نهارا لأخذ مال بقتلا على وجه يتعذر معه الإغاثة والإعانة فقاتل حتى أخذه فهو محارب . ويقاتل المحارب بعد المناشدة إذا لم يعادل المحارب بالقتال ويتعين قتل المحارب إن قتل سواء مكافئا كمسلم حر أو كافرا أو رقيقا فيقتل المحارب بلا صلب أو مع صلب ولا يجوز قطعه ولا نفيه وليس لولي الدم فعو عنه قبل مجيئه تائبا وإن لم يقتل المحارب أحدا وقدر عليه فيخير الإمام في أمور أربعة النوع الأول : القتل والثاني الصلب والقتل وهو مصلوب الحد الثالث : قطع يمينه من الكوع وجله اليسرى من المفصل ولو خلف عليه الموت فإن كان مقطوع اليد اليمنى أو أشلها قطعت يده اليسرى وجله اليمنى وإن كان مقطوع الرجل اليسرى قطعت يده اليسرى وجله اليمنى فإن لم يكن له إلا يد أو رجل قطعت فإن كان له يدان فقط أو رجلان قطعت اليمنى فقط أو الرجل اليسرى والحد الرابع نفي الذكر الحر إلى مثل فدك وخيبر ويحبس للأقصى من السنة وظهور التوبة ويضرب قبل النفي اجتهادا بحسب ما يراه الحاكم اردع لهم ولأمثالهم .
أما المرأة المحاربة فلا تصلب ولا تنفى وإنما حدها القتل أو القطع من خلاف .
وأما حد الرقيق المحارب فهو القتل أو الصلب والقتل أو قطع يد ورجل ولا ينفى .
الشافعية والحنابلة - قالوا : قطع الطريق : هو البوز لأخذ مال أو القتل أو إرعاب كابرة اعتمادا على الشوكة مع البعد عن الغوث وسمي بذلك لامتناع الناس من سلوك الطريق خوفا منه وسواء كان معه سلاح أولا إن كان له قوة يغلب بها الجماعة ولو باللكز والضرب بجمع الكف وقيل لا بد من آلة للقتال . فإذا أخذوا قبل أن يقتلوا نفساص أو يأخذوا مالا أو يهتكوا عرضاص وجب على الإمام تعزيرهم بحبس وغيره لارتكابهم معصية وهي الحرابة لا حد فيها ولا كفارة وهذا تفسير النفي في الآية الكريمة والأمر في مجنس هذا التعزير راجع إلى الإمام فيجوز له الجمع بين الضرب والحبس وغيره وله تركه إن رآه مصلحة ولا يقدر الحبس بمدة : بل يستدام حتى تظهر توبته وقيل : يقدر حبسه بستة أشهر ينقص منها شيئا لئلا يزيد على تغريب العبد في الزنا وقيل : يقدر بسنة ينقص منها شيئا لئلا يزيد على تغريب الحر في الزنا والحبس في غير موضعه أولى لأنه أحوط وأبلغ في الزجر ويطلبون إذا هربوا ليقام عليهم .
الحنابلة في أحد روايتيهم قالوا : إن أخذوا قبل أن يقتلوا نفسا أو يأخذوا مالا نفوا في الأرض وصفته أن لا يتركوا يأوون في بلد وإن أخذوا المال ولم يقتلوا نفسا قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم يخلون فيقطع اليد اليمنى لأخذ المال ويقطع الرجل اليسرى للحرابة وقطع الطريق وإخافة الآمنين والخروج على غفمام . وإن قتلوا وأخذوا المال وجب قتلهم حتماص وصلبهم حتما وإن قتلوا النفس ولم يأخذوا مالا وجب قتلهم حتما ويكون الصلب بعد القتل ولا يشترط في مدة الصلب ثلاثة أيام بل ما يقطع عليه الاسم فيصلب قليلا ثم يترك لأن الصلب شرع عقوبة له ولا ينكس في الصلب .
الحنفية والشافعية والحنابلة - قالوا : يشترط في قطاع الطريق لتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف أن يأخذوا مالا ويصيب كل واحد منهم مقدار نصاب حد السرقة وهو دينار أو عشرة دراهم أو قيمة أحدهما عند الحنفية وربع دينار أو ثلاثة دراهم عند الحنابلة والشافعية قياساعلى قطع السرقة .
المالكية قالوا : لا يشترط سرقة مقدرا النصاب في قطع الطريق بل يقام الحد عليهم لو سرقوا أقل من النصاب وذلك لانضمام المحاربة إلى أخذ المال فكان التغليظ عليهم من جهة قطع الطريق لا من النصاب .
اجتماع المحاربين .
الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا : لو اجتمع محاربون فباشر بعضهم القتل والخذ وكان بعضهم ردءا كان للردء حكم المحاربي في جميع الأحوال وذلك للاكتفاء وجود المحاربة سواء باشر بعضهم القتل أو لم يباشره فيقام الحد عليهم جميعا لأنه جزاء المحاربة وهي تتحقق بأن يكون البعض معاونا للبعض حتى إذا زلت أقدامهم انحازوا إليهم وإنما الشرط القتل من واحد منهم وقد تحقق والقتل إن كان بعصا أو بحجر أو بسيف فهو سواء لأنه يقع قطعا للطريق بقطع المارة .
وقد روي أنه حدث في زمن الوليد بن عقبة وهو وال على الكوفة أن شبابا من شباب الكوفة ثقبوا على رجل منها داره وقتلوه وكان له جار قد أشرف على الحادث ورآه فاستصرخ الشرطة الشرطة فجاؤوا وقبضوا عليهم فحوكموا و ثبتت عليهم جريمة القتل فقتلوا جميعا .
الشافعية - قالوا : ومن أعان قطاع الطريق وكثر جمعهم ولم يزد على ذلك بأن لم يأخذ مالا مقدار نصاب ولم يقتل نفسا عزره الإمام بحبس أو تغريب وغيرهما كسائر المعاصي وقد ورد في الخبر ( من كثر سواد قوم فهو منهم ) فللإمام لأن عقوبته في الآية النفي .
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن حكم من قطع الطريق داخل المصر كمن قطع الطريق خارجها على حد سواء لأن محاربة شرع الله تعالى وتعدي حدوده لا يختلف تحريمها بكونها خارج المصر أو داخله كسائر المعاصي .
الحنفية قالوا : لا يثبت حكم قاطع الطريق إلا أن يكون خارج المسر لأن قطع الطريق خارج المصر هو المشهور المتبادر إلى الأذهان لعدم وجود من يغيثه ويخلصه من قاطع الطريق عادة بخلاف من قطع الطريق في المصر فإن الناس يغيثونه كثيرا فكان بالغصب أشبه فيجب عليه التعزير بما يراه الإمام رادعا له وزاجرا ويرد ما أخذه من المال إلى مستحقه إيصالا للحق إلى صاحبه ويؤذبون ويحسبون لا رتكابهم جناية القطع ولو قتلوا فالأمر فيه إلى أولياء الدم .
إذا جرح القاطع غيره .
الحنفية قالوا : إذا لم يقتل القاطع ولم ياخذ مالا وقد جرح غيره اقتص منه فيما فيه القصاص وأخذ الأرش منه فيما فيه الأرش وذلك إلى الأولياء لأنه لا حد في هذه الجناية فظهر حق العبد وهو ما ذكروه فيستوفيه الولي .
وإن أخذ ما تاب وقد قتل عمدا فإن شاء الولياء قتلوه وإن شاؤوا عفوا عنه . لأن الحد في هذه الجناية لا يقام بعد التوبة للاستثناء المذكور في النص بقوله تعالى : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } الآية . ولأن التوبة تتوقف على رد المال ولا قطع في مثله فظهر حق العبد في النفس والمال حتى يستوفي الولي القصاص أو يعفو .
الشافعية - قالوا : إن قتل القاطع يغلب فيه معهى القصاص لأنه حق آدمي لأن الأصل فيما اجتمع فيه حق آدمين وحق لله تعالى يغلب فيه حق الآدمي لبنأئه على الضيق .
وقيل : معنى الحد في القاطع وهو حق الله تعالى لأنه لا يصح العفو عنه ويستوفيه الإمام بدون طلب الولي فعلى الأول لا يقتل والد بولده الذي قتله في قطع الطريق ولا ذمي إذا كان هو مسلماص ولا نحو ذلك ممن لا يكافئه كعبد والقاطع حر لعدم المكافأة وتجب الدية أو القيمة وعلى الثاني يقتل إلا أن يكون المقتول غير معصوم الدم كمرتد وزان محصن فإنه لا يقتل .
ولو مات القاطع من غيرقتله قصاصا فدية على الأول تؤخذ من تركته في قتل حر وقيمته في قتل عبد . وعلى الثاني لا شيء ولو قتل جمعا معا قتل بواحد منهم بالقرعة وللباقين ديات على الأول كالقصاص وعلى الثاني يقتل بهم أما إذا قتلهم مرتبا فإنه يقتل حتما بأولهم .
ولو عفا عن القصاص ولي المقتول بمال صح العفو على الأول ووجب المال وسقط القصاص عنه ويقتل بعد ذلك حدا كما لو وجب القصاص على مرتد فعفا عنه الولي وعلى الثاني فالعفو لغو لا يعمل به . ولو قتل القاتل شخصا بمثقل أو بقطع عضو أو بغير ذلك فعل به مثله على الأول وعلى الثاني يقتل بالسيف كالمرتد .
ولو جرح قاطع الطريق شخصا جرحا يوجب قصاصا كقطع يد فاندمل الجرح لم يتحتم على القاطع قصاص في ذلك الطرف المجروح في الظهر بل يتخير المجروح بين القصاص والعفو لأن التحتم تغليظ لحق الله تعالى اختص بالنفس كالكفارة ولأن الله تعالى لم يذكر الجرح في الآية فكان باقيا على اصله في غير الحرابة والثاني يتحتم كالنفس والثالث يتحتم في اليدين والرجلين لأنهما مما يستحقان في المحاربة .
قالوا : تسقط عقوبات تخص القاطع من تحتم القتل والصلب وقطع الرجل وكذا اليد في الأصح . بتوبته قبل القدرة عليه لقوله تعالى : { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } الآية .
أما بعد القدرة فلا تسقط تلك العقوبات عنه بالتوبة منها لمفهوم الآية . وإلا لما كان للتخصيص بقوله من قبل فائدة والفرق من جهة المعنى أنه بعد القدرة منهم لدفع قصد الحد بخلاف ما قبلها فغنها بعيدة عن التهمة قريبة من الحقيقة .
المالكية قالوا : يجب إن يدفع ما بايدي المحاربين لمدعيه حيث وصفه كاللقطة بعد ألاستيفاء بيمين من المدعي لذلك الشيء أو ببينة رجلين من رفقة المأخوذ منه وكذلك برجل وامرأتين فمن قدر عليه اخذ جميع ما سلبه هو واصحابه ولو لم يأخذ منه شيئا كالبغاء والغاصب ولا يؤمن المحارب أن سأل الآمان من الإمام .
ويسقط حد قاطع الطريق إذا جاء المحارب إلى الإمام أو نائبه طائعاتائبا قبل القدرة عليه إذا كان لم يقتل أحدا وإلا وجب قتله قصاصا إذا لم يعف ولي الدم وإن عفا سقط القصاص ولا يسقط حد الزنا والقذف والشراب والقتل إذا تاب بعدها بل يقام عليه الحد .
ولا يسقط حكم المحارب إذا تاب بعد القدرة عليه كما لا يسقط الضمان بإتيانه طائعا مطلقا ولا يترك المحارب ما هو عليه من الحرابة ولو لم يأت الإمام .
الحنفية قالوا : إن ضرب التعزير يكون أشد من ضرب حد الزنا وضرب حد الزنا يكون أشد من ضرب حد شارب الخمر وضرب شارب الخمر يكون اشد من حد القذف وحد القذف أخف من جميع الحدود لأن جريمة حد القذف غير متيقن بها لأن القذف خبر يحتمل الصدق والكذب وقد يعجز عن إقامة أربعة من الشهداء مع صدقة في قوله وإنما كان ضرب التعزير أشد من جميع الحدود لأن المقصود به الزجر وقد دخله التخفيف من حيث نقصان العدد فلو قلنا : يخفف الضرب أيضا لفات ما هو المقصود من إقامة الحد لأن الألم يخلص إليه لا ينزجر ولهذا قالوا : يجرد في التعزير عن ثيابه إلا ما يستر عورته مثل الإزار الواحد .
إذا كان مع قاطع الطريق امرأة .
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : إذا كان مع قطاع الطريق امرأة فوافقتهم في القتل وأخذ المال قتلت حدا وكذلك الصبين وذو الرحم وغيره لأن ذلك حق الله تعالى فيقتل حدا .
الحنفية قالوا : إذ كان من قطاع الطريف امرأة فإنها تقتل قصاصا وتضمن وإذا كان معهم صبي أو مجنون أو ذو رحم من المقطوع عليه سقط الحد عن الباقين لأنه جناية واحدة قامت بالكل فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة وبه لا يثبت الحكم فصار كالخاطئ مع العامد وأما ذو الرحم المحرم فقد قيل : تأويله إذا كان المال مشتركا بين المقطوع عليهم والأصح أنه مطلق لأن الجناية واحدة .
الحنابلة الحنفية قالوا : إنه لو زنى رجل وشرب الخمر وسرق ووجب عليه القتل في المحاربة أو غيرها قتل ولم يقطع ولم يجلد ولا يستوفى باقي الحدود .
الشافعية - قالوا : يجب أن تستوفي جميعها من غير تداخل على الإطلاق لأن كل واحد يجب فيه الحد الذي شرع له .
الصلاة على قاطع الطريق .
( يتبع . . . )