مبحث القسامة .
اتفق الأئمة على أن القسامة مشوعة إذا وجدقتيل في مكان ولم يعلم قاتله .
الحنفية - قالوا : القسامة في اللغة اسم وضع موضع الأقسام وفي الشرع أيمان يقسم بها أهل محلة أو جار وجد فيها قتليل به اثر القتل يقول كل واحد منهم : والله ما قتلته ولا علمت له قاتلا ) . ويلزم المدعي عليه اليمين بالله D أنه ما قتل ويبرأ .
والسبب الموجب للقسامة وجود قتيل في موضع هو في حفظ قوم وحمايتهم كالمحلة والدار ومسجد المحلة والغرية والقتيل الذي تشرع فيه القسامة اسم ليت به أثر جراحة أو ضرب أو خنق فإن كان الدم يخرج من أنفه أو دبره فليس بقتيل بخلاف ما لو خرج الدم من أذنه أو عينه فهو قتيل تشرع فيه القسامة لقوله A : ( الينة على المدعي واليمين على من أنكر ) وفي رواية ( على المدعي عليه ) وروى سعيد بن المسيب Bه ( أن النبي A بدأ باليهود بالقسامة وجعل الدية عليهم لوجود القتيل بين أظهرهم ) وشرط القسامة . بلوغ المقسم وعقله وحريته وتكيمل اليمين خمسين يمينا .
وحكمها القضاء بوجوب الدية لأولياء الدم إن حلفوا والحبس إلى الحلفغن أبوا ويتخير الولي من القوم من يحلفهم لأن اليمين حقه والظاهر أنه يختار من يتهمه بالقتل أو يختار صالحي أهل المحلة لما أن تحرزهم عن اليمين الكاذبة أبلغ التحرز فيظهر القاتل . وفائدة اليمين النكول فا كانوا لا يباشرون ويعملون يقيد يمين الصالح على العلم بأبلغ مما يقيد يمين الطالح ولو اختاروا أعمى أو محدوداصفي قذف جاز لأنه يمين ليس بشهادة ومراعاة لحق الميت وحرمته وإذا حلفوا قضى على أهل المحلة بالدية ولا يستحلف الولي لأن النبي A جمع بين الدية والقسامة في حديث أبن سهل وفي حديث زياد بن أبي مريم وكذا جمع عمر رضي الله تعالى عنه بينهما على وادعه .
وقد روي : أن عبد الله بن سهل وعبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة خرجوا في التجارة إلى خيبر وتفرقوا لحوائجهم فوجدوا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من خيبر يتشحط في دمه فجاؤوا إلى رسول الله A ليروه فأراد عبد الرحمن وهو أخ القتيل أن يتكلم فقال A اكبر الكبر فتكلم أحد عميه حويصة أو أو محيصة وهو الأكبر منهما وأخيره بذلك قال : ومن قتله ؟ قالوا : ومن يقتله سوى اليهود قال E : ( تبرئكم اليهود بإيمانها ) فقالوا : لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه . فقال E أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟ فقالوا : كيف نحلف على أمر لم نعاينه ولم نشاهد فكره رسول الله A أن يبطل دمه فوداه بمكائة من إبل الصدقة ) فقول النبي A تبرئكم اليهود محمول على الإبراء عن القصاص والحبس وكذا اليمين مبرئة عما وجب له اليمين والقاسمة ما شرعت لتجب الدية إذا نكلوا بل شرعت ليظهر القصاص بتحرزهم . عن اليمين الكاذبة فيقروا بالقتل فإذا حلفوا حصلت البراءة عن القصاص . ثم الدية تجب بالقتل الموجود منهم ظاهرا لوجود القتيل بين أظهرهم لا بنكولهم أو تقول : إنها وجبت بتقصيرهم في المحافظة كما في القتل الخطأ ومن أبى منهم اليمين حبس حتى يحلف لأن اليمين فيه مستحقة لذاتها تعظيما لأمر الدم ولهذا يجمع بينه وبين الدية بخلاف النكول في الموال لأن اليمن بدل عن أصل حقه ولهذايسقط ببدل المدعى وفيما نحن فيه لا يسقط ببدل الدية : .
قالوا : وإن لم يكمل أهل المحلة كررت اليمان عليهم حتى تتم خمسين لما روي أن عمر Bه لما قضى في القسامة دانى إليه تسعة واربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم حتى تمت خمسين ثم قضى بالدية . ولا قسامة على صبي ولا مجنون لأنهما ليسا من أهل القول الصيح واليمين قول صحيح ولا قسامة على امرأة ولا عبد لأنهما ليسا من أهل النصرة .
وإن وجد ميتا لا أثر به فلا قسامة ولا دية له لأنه ليس بقتيل ولو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف ومعه الرأس في محلة . فعلى أهلها القسامة والدية وإن وجد نصف مشقوقا بالطول أو وجد اقل من النصف ومعه الرأس أو وجدت يده أو رجله أو رأسه فلا شيء عليهم لأن هذا حكم عرفناه بالنص وقد ورد في البدن إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيما للآدمي بخلاف الأقل لأنه ليس ببدن ولا ملحق به فلا تجري فيه القسامة .
ولو وجد فيهم جنين أو سقط ليس به أثر الضرب فلا شيء على أهل المحلة لأنه لا يقوق الكبير حالا وإن كان به اثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا وإن كان ناقص الخلق فلا شيء عليهم لأن ينفصل ميتا لا حيا .
قالوا : وإذا وجد القتيل على دابة يسوقها رجل فالدية على عاقلته دون أهل المحلة لأنه في يده فصار كما إذا كان في جاره وكذا إذا كان قائدها أو راكبها فا اجتمعوا فعليهم لأن القتيل في أيديهم فصاروا كما إذا وجد في دارهم .
قالوا : وإذا مرت دابة بين قريتين وعليها قتيل فهو على أقربهما لما روي أن النبي A أتي بقتيل وجد بين قريتين فأمر أن ذرع بينهما وعن عمر رضي الله عةنه أنه لما كتب إليه في القتيل الذي وجد بين وادعة وأرحب وكتب بأن يقيس بين القريتين فوجد القتيل إلى اجعة أقرب فقضى عليهم بالقسامة .
وإذا وجد القتيل في دار لإنسان فالقسامة عليه والدية على العاقلة ولا يدخل السكان في القسامة مع الملاك عند أبي حنيفة وقال اوب يوسف هي عليهم جميعا وإذا وجد قتيل في دار فالقسامة على رب الدار وعلى قومه وتدخل العاقلة في القسامة إن كانوا حضروا وإن كانوا غائبين فالقسامة على رب الدار يكرر عليهم الإيمان وإن ووجد القتيل في ار مشتركة فهي على رؤوس الرجال .
ومن اشترى دارا ولم يقبضها حتى وجد فيها قتيل فهو على عاقلة البائع .
وإن وجد قتيل في سفينة فالقسامة على من فيها من الركاب والملاحين .
وإن وجد في مسج محلة فالقسامة على أهلها لأن التدبير فيه إليهم وغنوجد في المسجد الجامع أو الشارع العظم فلا قسامة فيه والدية على بيت المال لأنه للعامة لا يختص به واحد منهم وكذلك الجسور العامة .
ولو وجد في السوق إن كان مملوكا فعند أبي يوسف تجب على السكان وعندهما على المالك . وإن لم يكن مملوكا كالشوارع العامة التي بنيت فيها فعلى بيت المال لأنه لجماعة المسلمين .
ولو وجد في السجن فالدية على بيت المال وعلى قول أبي يوسف الدية والقسامة على أهل السجن . لأنهم محتبسا بالشاطئ فهو على أقرب القرى من ذلك المكان .
وإن ادعى الولي على واحد من أهل المحلة بعينه لم تسقط القسامة عنهم وإن اجعى على واحد من غيرهم سقطت عنهم وإذا التقى قوم بالسيوف فأجلوا عن قتيل فهو على أهل المحلة إلا أن يدعي الأولياء على اولئك أو على رجل متهم بعينه فلم يكن على أهل المحلة شيء ولا على اولئك حتى يقيموا البينة .
ولو وجد قتيل في معسكر أقاموا بفلاة من الأرض لا ملك لاحد فيها فإن وجد في خباء أو فسطاط فعلى من سكنها الدية والقسامة وإن كان حارجا من الفسطاط فعلى أقرب الأخبية اعتبارا .
وإن كان القوم لقوا قتالا ووجد قتيل بين أظهرهم فلا قسامة ولا دية لأن الظاهر أن العدو قتله وإن كان للأرض مالك فالعسكر كالسكان وإذا قال المستحلف قتله فلان استحلف بالله ما قتلت ولا عرفت له قاتلا غير فلان لأنه يريد إسقاط الخصونة عن نفسه بقوله فلا يقبل وإذا شهد اثنان من اهمل المحلة على رجل من غيرهم أنه قتل لم تقبل شهادتهما .
ولو ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه فشهد شاهدان من أهلها عليه لم تقبل الشهادة لأن الخصومة قائمة ومن جرح من قبيلة فنقل إلى أهله فمات من تلك الجراحة فإن كان صاحب فراش حتى مات فالقسامة والدية على القبيلة ولو جد رجل قتيلا في دار نفسه فديته على عاقلته لورثته .
وقالوا : إن الأولياء إذا كانوا جماعة تكرر عليهم الأيمان بالإدارة بع أن يبدأ أحدهم بالقرعة .
وقالوا : إن القسامة تثبت في العبيد مراعاة لحرمة الآدمي المسلم من حيث هب من غير تفرقة .
وقالوا : إن أيمان النساء لاتقبل في القسامة مطلقا لا في عمد ولا في خطأ لعدم النصرة بهن .
وقالوا : لاتشرع الأيمان في القسامة إلا على المدعى عليهم لكونهم متهمين بالقتل فيحلفون لتبرأ ساحتهم .
الشافعية - قالوا : يشترط لك دعوى بدم أو غيره كغصب وسرقة وإتلاف ستة شروط أحدها : أن تكون معلومة غالبا بأن يفصل ما يدعنه من عمد أو خطأ أو شبه عمد ومن انفراد وشركة وعدد الشركاء في قتل يوجب الدية فإن أطلق المدعي في دعواه كقوله : هذا قتل أبي استفصله القاضي ندباص فيقول له : كيف قتله عمدا أم خطأ أم شبه عمد ؟ .
وقيل : لا يستفصل القاضي المدعي بل يعرض عنه لأنه ضرب من التلقين .
وثانيها : أن تكون ملزمة فلا تسمع دعوى هبة شيء أو بيعه أو إقراره به حتى يقول المدعي : وقبضته بإذن الواهب ويلزم البائع أو المقر التسليم .
وثالثها : أن يعين المد عي في دعواه المدعى عليه واحدا كان أو جمعا معينا كثلاثة حاضرين فلو قال : قتله أحدهم فأنكروا وطلب تحليفهم لا يحلفهم القاضي في الأصح للإبهام .
ورابعها : أن تكون الدعوى على مدعى عليه مكلفا فلا تصح الدعوى على صبي ومجنون بل إن توجه على الصبي أو المجنون ما لى ادعى مستحقه على وليهما فإن لم يكن ولي حاضر فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب .
وسادسها : أن لا تتناقض دعوى المدعي وحينئذ لو ادعى على شخص انفراده بالقتل ثم ادعى على آخر أنه شريكه أو منفر لم تسمع الدعوى الثانية لما فيه من تكذيب الأول ومناقضتها وسواء أقسم على الول ومضى الحكم فيه أم لا .
وقالوا : وتثبت القسامة في قتل النفس لا في غيرها من جرح أو إتلاف مال . وعتبر كون القتل بمكان لوث - وهو قرينة حالية أو مثالية تدل على صدق المدعي بأن يغلب على الظن صدقه ت بأن وجد قتيل أو بعضه كرأسه في محلة منفصلة عن بلد كبير ولا يعرف قاتلهن ولا بينة بقتله أو في قرية صغيرة لأعدائه دينيا أو دنيويا إذا كانت العدوة تبعث على الانتقام بالقتل ولم يساكنهم في القرية غيرهم فتجب القسامة أو وجد قتيل تفرق عنه جمع كأن ازدحموا على بئر أو باب الكعبة ثم تفرقوا عن قتيل لقوة الطن انهم قتلوه .
ويشترط أن يكونوا محصورين بحيث يتصور غجتماعهم على القتيل وإلا لم تسمع الدعوى ولم يقسم .
قالوا : ولا يشترط في اللوث والقسامة ظهور دم ولا جرح لأن القتل يحصل بالخنق وعصر البيضة ونحوهما فإذا ظهر أثره قام مقام الدم فلو لم يوجد اثر أصلا فلا قسامة على الصحيح وقيل : تثبت القسامة .
قالوا : وشهادة العدل الواحد لوث لحصول الظن بصدقه . وذلك في القتل العمد الموجب للقصاص . فإن كان في خطأ أو شبه عمد لم يكن لوثا بل يحلف معه يمينا واحدة ويستحق الدية والعبيد والنساء شهادتهم لوث لأن ذلك يفيد غلبة الطن سواء جاؤوا متفرقين أو مجتمعين وقيل : يشترط تفرقهم لاحتمال التواطؤ .
وأخبار فسقة أو صبيان أو كفار لوث في الأصح وكذلك لهج ألسنة الخاص والعام بأن فلانا قتل فلانا ومن اللوث وجود تلطخه بالدم أو بسلاح عند القتيل ومن اللوث أيضا إذا تقاتل صبيان والتحم الحرب بينهم وانكشوف عن قتيل فهو لوث في حق الصف الآخر وإلا فلوث في حق صفة .
فاذ وجد المقتضى للقسامة حلف المدعون على قاتله خمسين يمينا واستحقوا دية مغلظة إذا كان القتل عمدا ويبدأ بأيمان المدعين للقسامة لا بأيمان المدعى عليهم فإن نكل المدعوة ولا بينة حلف المدعى عليه خمسين يمينا وبرئ وإنما بدئ بأيمان المدعين للقسامة لأنهم هم الذين يطلبون أخذ الهأر من المتهم بالقتل .
وقالوا : إن الأولياء إذا كانوا جماعة قسمت الايمان بينهم بالحساب على حسب الارث ولو ظهر لوث في قتيل فقال أحد ابنيه : قتله فلان وظهر عليه لوث وقال الابن الآخر : لم يقتله بطل اللوث لأن الله تعالى أجرى العادة بحرص القريب على التشفي من قاتل قريبه وأنه لا يبرئه تعائض هذا اللوث فسقطا فلا يحلف المدعي لانخرام ظن القتل بالتكذيب الدال على أنه لم يقتله - وقيل : لا يبطل حقه من اللوث وقيل : لا يبطل اللوث بتكذيب فاسق . وإذا لم يتكاذب ابنا القتيل بل قال أحدهما : قتله زيد ومجهول عندي . وقال الآخر : قتله عمرو ومجهول عندي حلف كل منهما على من يعينه منهما إذ لاتكاذب بينهما لاحعمال أن الذي أبهم ذكره هة الذي عينه الآخر وكذلك العكس ولكل منهما ربع الدية لاعترافه بأن الواجب عليه نصفها وحصته نصفه . ولو أنكر المدعى عليه اللوث في حقه فقال : لم أكن مع القوم المتفرقين عن القتيل صدق بيمينه لأن الأصل براءة ذمته من القتل وعلى المدعي البينة على الامارة التي يدعيها وهي عدلان .
قالوا : لو ظهر لوث في قتيل لكن بمطلق قتل دون تقييده بصفة عمد وخطأ وشبه عمد فلا قسامة حينئذ في الأصحن لأن مطلق القتل لا يفيد مطالبته القاتل بل لابد من ثبوت العمد ولا مطالبة العاقلة بل لابد أن يثبت كونه خكا أو شبه عمد - وقيل : تثبت القسامة صيانة للدم عن الهدر قالوا : ولا قسامة في الجراحات وقطع الأطراف والأموال . إلا في قتل عبد أو أمة مع لوث فيقسم السيد على من قتله من حر أو رقيق في الأظهر بناء على أن بدل الرقيق تحمله العاقلة .
وقيل : لا قسامة في العبد بناءعلى أن بدله لا تحمله العاقلة فهو ملحق بالبهائم .
( يتبع . . . )