مبحث في الشجاج .
اتفق الأئمة الأربعة - رحمهم الله تعالى : على أن الشجاج في اللغة والفقه عشرة .
أولها - الحارصة - وهي التي شقت الجلد ولاتخرج الدم .
ثانيها - الدامعة - وهي التي تظهر الدم ولا تسيله كدمع العين .
ثالثها - الدامية - وهي التي تسيل الدم بأن تضعف الجلد بلا شق له حتى يرشح الدم .
رابعها - الباضعة - وهي التي تبضع الجلد وتقطعه أي - تشقه .
خامسها - المتلاحمة - وهي ما غاصت في اللحم في عدة مواضع منه ولم تقرب للعظم .
سادسها - السمحاق : وهي التي تصل إلى السمحاق وهي جلدة رقيقة بين اللحم وعظم الرأس وتسمى ( الملطاه ) .
سابعها - الموضحة : وهي التي توضح العظم وتبينه أي - تكشفه .
ثامنها - الهاشمة : وهي التي تهشم العظم وتكسره .
تاسعها - المنقلة : وهي التي تنقل العظم بعد الكسر وتحوله .
عاشرها - الآمة : وهي التي تصل إلى أم الرأسن وهو الذي فه الدماغ وتسمى ( المأمومة ) فقد علم بالاستقراء بحسب الآثار أن الشجاج لا تزيد على ما ذكر من العشر .
أما ما بعدها وهي - الدامغة - وهي التي تخرج الجماغ من موضعه فإن النفس لا تبقى بعدها عادة فيكون ذلك قتلا لا شجاص وهي مرتبة على الحقيقة اللغوية في الصحيح .
الموضحة .
اتفق الفقهاء على وجوب القصاص في الموضحة إن كانت عمدا لما روي عن النبي A أنه قضى بالقصاص في الموضحة ولأنه يمكن أن ينتهي السكين إلى العظم فيتساويان فيتحقق القصاص ولا يشترط فيها ما لوه بال واتساع بل يثبت القصاص فيها وإن كان الشج ضيقا ولو قدر مغرز إبرة .
واتفقوا : على أن الموضحة إن كانت خطأ فيجب فيها نصف عشر الدية وهو خمس من الإبل وقد ثبت ذلك عن رسول الله A في كتابه لعمرو بن حزم وثبت من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي A قال : ( في الموضحة خمس ) يعني من الإبل ولما رواه الترمذي وحسنه ( في الموضحة خمس من الإبل ) وذلك لحر ذكر مسلم غير جنين وتراعى هذه النسبة في حق غيره من المرأة والكتابي وغيرهما ففي موضحة الكتابي الخطأ يجب بعير وثلثان وفي موشحة المجوسي ونحوه ثلث بعير وفي موضحة المرأة المسلمة الحرة يجب بعيران ونصف بعير وهو نصف عشر ديتها .
موضع الموضحة .
المالكية - قالوا : المضحة ما أظهرت عظم الرأس أو عظم الجبهة وهو ما بين الحاجبين وشعر الرأس أو عظم الخدين واللحي الأعلى ولا تكون في اللحي الأسفل لأنه في حكم العنق ولا تكون في عظم النف وإن وجب القصاص من عمده وذلك لأن الوجه مشتق من المواجهة ولا مواجهة للناظر فيهما فلو وجد في اللحي الأسفل والأنف لا يجب الأرش المقدر .
الحنفية والشافعية والحنابلة - قالوا : الموضحة تكون في جميع الوجه والرأس والجبهة والوجنتين والذقن داخل في الوجه .
وأتفق الأئمة الأربع : على أن هذه الشجاج العشر المذكورة تختص بالوجه والرأس لغة وما كان في غير الرأس والوجه يسمى جراحة والحكم مرتب على الحقيقة في الصحيح حتى لو تحققت في غيرهما نحو الساق واليد لا يكون لها أرش مقدر وإنما تجب حكومة عدل لأن التقدير بالتوقيف وهو إنما ورد فيما يختص بهما ولأنه إنما ورد الحكم في الموضحة لمعنى الشين الذي يلحقه ببقاء أثر الجراحة والشين يختص بما يظهر منها في الغالب وهو هذان العضوان لا سواهما .
بقية الشجاج .
الحنفية - قالوا : لا قصاص في بقية الشجاج لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيها لأنه لاحد ينتهي السكين اليهن ولأن فيما قوق الموضحة وهي الهاشمة والمنقلة والآمة فيها كسر العظم ولا قصاص فيه وهذا رواية عن أبي حنيفة C .
وقال محمد في الأصل - وهو ظاهر الرواية - يجب القصاص فيما قبل الموضحة لأنه يمكن اعتبار المساواة فيهن إذ ليس فيه كسر العظم ولا خوف هلاك غالب فيسبر غورها بمسبار ثم تمخذ حديدة بقدر ذلك فيقطع بها مقدرا ما قطع فيتحقق استيفاء القصاص .
قالوا : وفيما دون الموضحة وهي الست المتقدمة عليها من الحارصة إلى السمحاق يجب حكومة عدل لأنه ليس فيها أرش مقدر ولا يمكن غهداره فوجب اعتبراه بحكم العد وهو ماثور عن النخعي وعمر بن عبد العزيز .
قالوا : وفي الهاشمة عشر الدية وفي المنقلة عشر الدية ونسف عشر الدية وفي الآمة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الديةن فإن نفذت فهما جائفتان ففيهما ثلثا الدية . لما روي في كتاب عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه أن النبي A قال : ( وفي الموضحة خمس من الإبل وفي الهاشمة غشر وفي المنقلة خمس عشر وفي الآمة ويروى المأمومة ثلث الدية وقال E : ( في الجائفة ثلث الجية ) وعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية ولأنها إذا نفذت نزلت منزلة جائفتين إحداهما من الجانب البطن والأخرى من جانب الظهر وفي كل جائفة ثلث الدية . فلهذا وجب في النافذة ثلث الدية .
وقالوا : إن الجائفة تختص بالجوف جوف الرأس أو جوف البطن .
وتفسير حكومة العدل على ما قاله الإمام الطحاوي C : إن يقوم مملكوكا بدون هذا الأثر ويقوم وبه هذا الثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القميتين فإن كان نصف عشر القيمة يجب نصف عشر الدية وإن كان ربع عشر فربع عشر .
الشافعية - قالوا : في الهاشمة مع إيضاح أو احتاج إليه بشق لإخراج عظم أو تقويمه عشرة من الإبل وهي عشر دية الكامل بالحرية لما روي عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنه A : ( اوجب في الهاشمة عشرا من الإبل ) رواه الدار قطني والبيهقي وفعل ذلك لا يكون إلا عن توقيت وهاشمة دون إيضاح خمس من الإبل على الصح لأن العشرة في مقابلة الإيضاح والهشم وأرش الموضحة خمسة فتعين أن الخمسة الباقية في مقابلة الهشم .
وقيل : في الهشم إذا خخلا عن غيضاح العظم تجب حكومة لأنه كسر عظم بلا إيضاح فأشبه كسر سائر العظام - ومنقلة - خمسة عشر بعيرا روى النسائي ذلك عن النبي A ونقل في كتاب ( الأم ) فيه الإجماع وكذا أبن المنذر ويجب القصاص في الموضحة فقط . وفي مأمونة ثلث الدية لخبر عمرو بن حزم بذلك قال في البحر : وهو إجماع وفي الدامغة ما في المأمومة على الأصح المنصوص وقيل : تزاد حكومة لخرق غشاء الدماغ .
قالوا : وإنما يجب في المأمومة وما قبلها ما ذكر إن اتحد الجاني وأما لو تعدد فحكمه ما يأتي : لو أوضح واحد ذكرا حرا مسلما فهشم آخر - بعد الإيضاح أو قبله - ونقل ثالث . وام رابع فعلى كل من الثلاثة خمس من الإبل أما الأول فبسبب الإيضاح وأما الثاني فلأنه الزائد عليها من دية الهاشمة وأما الثالث فلنه الزائد عليهما من دية المنقلة وعلى الرابع تمام الثلث وهو ثمانية عشر بعيرا وثلث بعير وهو مابين المنقلة والمأمومة .
قالوا : والشجاج الخمس التي قبل الموضحة من الحارصة إلى اسمحاق . إن عرفت نسبتها من الموضحة بأن كان على رأسه موضحة إذا قيس بها الباضعة مثلا عرف أن المقطوع ثلث أو نصف في عمق اللحم وجب قسط من أرشها بالنسبة فإن شككنا في قدرها من الموضحة اوجبينا اليقين وإن لم تعرف نسبته منها فتجب حكومة عدل لا بتلغ أرض موشحة كجرح سائر البدن كالإيضاح والهشم والتنقيلن فإن فيه الحكومة فقط لأن أدلة ما مر في الإيضاح والهشم والتنقيل لم يشمله لاختصاص أسماء الثلاثة بجراحة الرأس والوجه وليس غيرهما في معناهما .
قالوا : وفي جائفة وإن صغرت ثلث دية لثبوت ذلك في حديث عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه .
وهذا كالمستثنى مما قبله إذ لا جرح في البدن يقدر غيرها وهي جرح يصل إلى جوف فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء كداخل بطن وداخل صدر وداخل ثغرة نحر وداخل جبين وداخل خاصرة ولا فرق بين أن يجيف بحديدة أو خشبة ولا جائفة في الفم والأنف والجفن والعين وممر البول إذ لا يعظم فيها الخطر على النفس كالأمور المتقدمة ولأنها لا تعد من الأجواف فتجب فيها حكومة فلو وصلت الجراحة إلى الفم بإيضاح من الوجه وجب على الجاني أرش موضحة وهو خمس من الإبل ولو وصلت الجراحة داخل النف بكسر قصبة الأنف فيجب أرش هاشمة وهة عشر من الإبل مع وجوب حكومة فيهما للفوذ إلى الفم والأنف لأنها جناية أخرى ولزيادة الخطر والقبح فيهما .
قالوا : وإن حز بسكين من كتف أو فخذ إلى البطن فأجافه فيجب على الجاني أرش جائفة وهو ثلث دية - وحكومة لجراحة الكتف' أو الفخذ لأنها في غير محل الجائفة وإن حز بها من الصدر إلى البطن أو النحر فيجب فيها أش جائفة بلا حكومة لأن جميعه محل الجائفة ولو أجافه حتى لذع كبده أو طحاله لزمه مع دية الجائفة حكومة في ذلك ولو كسر ضلعه كانت حكومته معتبرة بنفوذ الجائفة فإن نفذت في غير الضلع لزمه حكومة مع الدية وإن لم تنفذ إلا بكسره دخلت حكومة كسره في دية الجائفة .
ولا يختلف أرش موضحة بكبرها ولا صغرها لاتباع الاسمن ولا بكونها بارزة أو مستورة بالشعر ولا يشترط أن تكون موضحة بل لو غرز فيه غبرة فوصلت إلى الجوف تسمى جائفةن ولذا قال الإمام الشافعي C تعالى : وهكذا كل ما في ارأس من الشجاج فهو على الأسماء ا ه .
واعلم أن الموضحة تتعدد صورة وحكما ومحلا وفاعلا فلو أوضح الجاني مع اتحاد الحكم موضعين بينهما لحم وجلد معا . قيل : أو بينهما لحم فقط أو جلد فقط فموضحتان أما في الأولى فلاختلاف الصورة مع قوة الحادز وأما في الثانية فلوجود حاجز بين الموضعين والأصح أنها واحدة ولو كثرت الموضحات تعدد الأرش بحسبها ولا ضبط وقيل : لا يجب أكثر من دية النفس .
قالوا : ولو انقسمت موضحة عمدا وخطأ فموضحتان أو شملت رأسا ووجها فموضحتان على الصحيح ولو وسع الجاني موضحته مع اتحاد الحكم فواحدة على الصحيح وقيل : ثنتان . ولو وسع غير الجاني الموضحة فثنتان لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره . كما لو قطع يد رجل وحز آخر رقبته فإن على كل منهما جنايته . والجائفة كالموضحة في الاتحاد والتعدد المتقدم ولو طعنه بآلة نفذت في بطنه وخرجت من ظهره أو عكسه أو نفذت من جنب وخرجت من جنب فهما جائفتان في الأصح . اعتبارا للخارجة بالداخلة وقد ثبت أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه قضى في رجل رمى ردلا بسهم فأنفذه بثلثي الدية وثبت أيضا أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قد قضى بهذا الحكم ولا مخالف لهما فكان لإجماعا ا ه .
المالكية رحمهم الله تعالى - قالوا : يقتص من الموضحة . ويقتص مما قبلها من كل ما لا يظهر به العظم وهي سنة . ثلاث متعلقة بالجلد وهي الدامية والحارصة والسممحاق وثلاث متعلقة باللحم وهي الباضعة والمتلاحمة والملطاء بكسر الميم .
قالوا : والهاشمة تعتبر في القصاص إن اتحد المحل بالمساحة حولا وعرضا وعمقا وما بعد الموضحة من الشجاج فلا قصاص فيه بل يتعين فيه العقل فيستوي عمده وخطؤه وهي : المتنقلة ( بفتح النون كسر القاف مشددة ) وهي لا تكون إلا في الرأس أو الوجه هي ما ينقل فيها فراش العظم وهو العظم الرقيق الكائف فوق العظم كقشر البصل أي ما يزيل منها الطبيب فراش العظم لأجل الدواء ليلتئم الجرح . وإنما لم يكن فيها قصاص لشدة خطرها على النفس وإزهاق الروح .
وآمة . بفتح الهمزة ممدودة وهي ما أفضت لأم الدماغ أي الجرح الواصل لأم دماغ ولم تخرقها . وأم الدماغ جلدة رقيقة مفروشة عليه متى انكشفت عنه مات والدماغ اسم للمخ .
قالوا : ولا يجب القصاص إن عظم الخطر واشتد الخوف في غير الجراحات التي بعد الموضحة . أي جراح الجسد غير المنقلة والآمة المتقدمتين . لأنه لا قصاص فيهما من غير قيد بعظم الخطر لأن شأنهما عظم الخطر والجراحات التي في الجسد ويخاف منها إزهاق الروح ككسر عظم الصدر وكسر عظم الصلب أو العنق ورض الأنثيين