مبحث قتل الجماعة بالواحد .
الشافعية رحمهم الله تعالى قالوا : تقتل الجماعة بالواحد . سواء كثرت الجماعة أم قلت : وسواء باشروا جميعا القتل أم باشره بعضهم وساء قتلوه بمحدد أم بغيره كما لو ألقوه من شاهق جبل أو في بحر خضم أو هدموا عليه حائطا ولو تفاوتت جراحاتهم في العدد والفحش والأرش لما روي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه أنه قتل نفرا خمسة وقيل : سبعة برجل قتلوه غيلة أي جعلوه في موضع لا يراه أحد وقال كلمته المشهورة ( لو تمالأ علي أهل صنعاء لقتلتهم جميعا ) ولم ينكر عليه أحد من الصحابة الحاضرين في عصره فصار ذلك إجماعا ولأن القصاص عقوبة تجب على الواحد فيجب للواحد على الجماعة كحد القذف وغيره ولأنه شرع لحقن الدماء . فلو لم يجب عند الاشتراك لكان كل من أراد أن يقتل شخصا استعان بآخرين على قتله واتخذ ذلك ذريعة لسفك الدماء لأنه صار آمنا من القصاص .
قالوا : وللولي العفو عن بعضهم على حصة من الدية وعن جميعهم على الدية ثم إن كان القتل بجراحات وزعت الدية باعتبار عدد الرؤوس لأن تأثير الجراحات لا ينضبط وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على وزعت الدية باعتبار عدد الرؤوس لأن تأثير الجراحات لا ينضبط وقد تزيد نكاية الجرح الواحد على جراحات كثيرة ولو ضربوه بالسياط مثلا فقتلوه وضرب كل واحد منهم لو انفرد يكون غير قاتل ففي القصاص أوجه : .
أحدها : يجب على الجميع القصاص كيلا يصير ذريعة إلى القتل وسفك الدماء ظلما .
ثانيها : لا يجب القصاص على واحد منهم لأن فعل كل واحد شبه عمد فتجب الدية .
ثالثها : وهو أصحها : يجب عليهم القصاص إن اتفقوا على ضربه تلك الضربات وكان ضرب كل واحد منهم يؤثر في إزهاق الروح بخلاف ما إذا وقع اجتماعهم اتفاقا من غير تواطؤ فإنه تجب عليهم الدية .
وإنما يعتد في ذلك بجراحة كل واحد منهم إذا كانت مؤثرة في زهوق الروح فلا عبرة بخدشة خفيفة والولي يستحق دم كل شخص بكماله إذ الروح لا تتجزأن ولو استحق بعض دمه لم يقتل .
وقيل : البعض بدليل أنه لو آل المر إلى الدية لم يلزمه شيء بالحصة ولكن لا يمكن استيفاؤه إلا بالجميع فاستوفي لتعذره وأبطل الإمام القياس على الدية بقتل الرجل المرأة فإن دمه مستحق فيها وديتها على النصف .
ومن اندملت جراحته قبل الموت لزمه مقتضاها دون قصاص النفس لأن القتل هو الجراحة السارية .
الحنابلة قالوا : لا تقتلوا الجماعة بالواحد لأن الله تعالى شرط المساواة في القصاص . ولا مساواة بين الجماعة والواحد قال تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } وقال تعالى : { الحر بالحر والعبد بالعبد } الآية فيجب عليهم الدية حسب الؤوس أو يقتل واحد منهم والدية على الباقين اه .
الحنفية قالوا : تقتل أنفس الجماعة بالنفس الواحدة . ولا يقطع بالطرف إلا طرف واحد وذلك لأن مفهوم القتل إنما شرع لنفي القتل فلو لم يقتل الجماعة بالواحد لتذرع الناس إلى القتل بأن يتعمدوا قتل الواحد بالجماعة . سواء باشروا جميعا القتل أو باشره واحد منهم .
فقد روي ( أن امرأة بصنعاء غاب زوجها وترك في حجرها ابنا له من غيرها غلاما يقال له أصيل فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلا فقالت له : إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى فامتنعت منه فطاوعها فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمراة وخادمها فقتلوه ثم قطعوا أعضاءه وجعلوه فيعيبة وطرحوه في ركية في ناحية العزبة ليس فيها ماء ) .
وذكر القصة وفيها فأخذ خليلها فاعترف ثم اعترف الباقون فكتب علي وهو يومئذ أمير على اليمن شأنهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكتب عمر بقتلهم جميعا وقال : ( والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم أجمعين ) وفي هذا دليل على أن رأي سيدنا عمر Bه قتل الجماعة بالواحد ووافقه الصحابة رضوان الله عليهم من غير مخالف منهم وفي ذلك إجماع من الأمة على هذا الحكم .
ولأن القتل بطريق التغالب فساد غالب وكل فساد غالب يحتاج إلى مزجرة للسفهاء .
فالقتل بطريق التغلب يحتاج إلى حكم زاجر والحكم الزاجر في القتل العمد هو القصاص فهو مزجرة للسفهاء فيجب تحقيقا لحكمة الأحياء .
قال صحاب النهاية : وهذا جواب الاستحسان وفي القياس لا يلزمهم القصاص لأن المعتبر في القصاص إنما هو المساواة لما في الزيادة من الظلم على المعتدي وفي النقصان من البخس بحق المعتدي عليه ولا مساواة بين العشرة والاحد هذا شيء يعلم ببداهة العقل فالواحد من العشرة يكون مثلا للواحد فكيف تكون العشرة مثلا للواحد ؟ وايد هذا القياس قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس ولكن تركنا هذا المقياس . لما روي أن .
سبعة من اهل صنعاء قتلوا رجلا فقضى عمر Bه بالقصاص عليهم وقال : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به اه .
المالكية قالوا : يقتل الجمع كثلاثة فأكثر بواحد إن تعمدوا الضرب له وضربوه ولم تتميز ضربة كل واحد منهم وسواء كان الموت ينشأ عن كل واحدة أو عن بعضهها واذ انفذ احد الضاربين مقاتله ولم يدر من أي الضربات فإنه يسقط القصاص وتجب الدية في أموالهم إذا لم يتمالؤوا على قتله وكذلك يقتل الجميع إذا تساوت الضربات وإن تميزت الضربات كان بعضها أقوى شأنه إزهاق الروح قدم الأقوى ضربا في القتل دون غيره إن علم الضارب وإن لم علم الجميعن وإن قصد الجميع قتله وضربه وحضروا وإن لم يباشره إلا احدهم بحيث إذا لم يباشره هذا لم يتركه الآخر سواء حصل القتل بآلة يقتل بها عادة .
والحاصل : أن الاتفاق يوجب قتل الجميع وإن رقع الضرب من البعض أو كان الضرب بنحو سوط وأما تعمد الضربب بلا اتفاق فإنما يوجب قتل الجميع إذا لم تتميز الضربات اوتميزت وتساوتن أو لم تتساو ولم يعلم صاحب الأقوى والأقدام وعوقب غيره وهذا الحكم إذا وقع المضروب ميتا في جميع هذه الحالات أو وقع منفوذ المقاتل أو مغمورا فاقد الشعور حتى مات وإلا فتجب فيه القصامة ولا يقتل بها إلا واحد فقط والله أعلم