مبحث إذا قتل الواحد جماعة .
الحنفية والمالكية قالوا : إذا قتل الرجل الواحد جماعة من المسلمين الحرار مرة واحدة أو متعقبين فليس عليه إلا القود ولا يجب عليه شيء آخر بعد ذلك وإذا حضر أولياء المقتولين قتل لجماعتهم ولا شيء لهم غير ذلك فإن حضر واحد منهم إلى الحاكم قتل له وسقط حق الباقين لفوات محل الاستيفاء ولأن كل واحد منهم قاتل بوصفالكمال في اعتبار الشرع تحقيقا للمماثلة المعتبرة في القصاص فجاء التماثل اصله الفصل الأول إذ لو لم يكن كذلك لما وجب القصاص ولأنه وجد من كل واحد منهم جرح نافذ صالح للإزهاق فيصاف إلى كل واحد منهم إذ هو لا يتجزأ والحكم حصل عقب علل لابد من الإضافة إليها فإما إن يضاف إليها توزيعا أو كملا والأول باطل لعدم التجزي فتعين الثاني ولهذا إذا حلف جماعة كل منهم أن لا يقتل فلانا فاجتمعوا على قتله حنثوا .
ولأن القصاص شرع مع المنافي وهو قوله A ( الآدمي بنيان الرب ملعون من هدم بنيان الرب ) وتحقيق الاحياء قد حصل بقتل القاتل فاكتفى به ولا شيء لهم غير ذلك .
الشافعية قالوا : إن قتل الرجل جماعة من المسلمين المعصومة دماؤهم قتل بالأول منهم ويجب للباقين الديات من الموال وإن قتلهم في حالة واحدة كان هدم عليهم حائطا وهم نيام فتلهم في وقت واحد يقرع بين أولياء المقتولين فمن خرجت قرعتع قتل له وثبت للباقين الديات لا غير .
وقيل : قتل لهم وقسمتم الديات بينهم لتعذر القصاص عليهم كما لو مات الجاني فإن اتسعت التركة لجميعهم فذاك وإلا قسمت التركة بين الجميع بحسب استحقاقهم في الديات وذلك لأن الموجود من الواحد قتلات عدة والذي تحقق في حقه قتل واحد فلا تماثل فيه وهو القياس في الفصل الأول إلا أنه عرف بالشرع ولأن الدين شرع المماثلة في القصاص لئلا يلزم الظلم على المعتدي على تقدير الزيادة ولئلا يلزم البخص لحق المعتدى عليه على تقدير النقصان ولا شك أن الظلم والبخس إنما يندفعان بتحقق المماثلة فلو قتله غير الأول من المستحقين أو غير من خرجت القرعة له منهم عصى لأنه قتل نفسا منع من قتلها .
ووجب على الحاكم أن يعذره لإبطال حق غيره ووقع قتله قصاصا لأن حقه يتعلق به بدليل لو عفا الول فإن الحكم ينتقل إلى من بعده من الولياء ويجب للباقين الديات لتعذر القصاص عليهم بغير اختيارهم ولو ضربوه كلهم حتى مات أساؤوا ووقع القتل موزعا لعيهم ورجع كل منهم بالباقي له في الدية فلو كانوا ثلاثة أخذ كل واحد منهم ثلث حقه وله ثلثا الدية ولو قتله أجنبي وعفا الوارث على مال أختص بالدية وله القتيل الأول .
ولو طلبوا الاشتراك في القصاص والديات لم يجابوا لذلك ولو أن ولي القاتل الأول أو بعض أولياء القتلى صبياص أو مجنونا أو غائبا حبس القاتل إلى بلوغة وغقامته وقدومه من السفر .
ولو ضربه واحد ضربا ثقيلا كأن ضربه خمسي سوطا ثم ضربه الآخر سوطين أو ثلاثة حال الألم من ضرب الأول عالما بضربه اقتص منهما لظهورقصد الإهلاك منهما أو جاهلا به فلا قصاص على واحد منهما لأنه لم يظهر قصد الإهلاك من الثاني والأول شريك فعلى الأول حصة ضربه من دية العمد وعلى الثاني حصة ضربه من دية شبه العمد وإن ضرباه بالعكس فلا قصاص على واحد منهما لأن ضرب الأول شبه عمد والثاني شريكه فيجب على الول حصة ضربه من دية شبه العمد والثاني حصة ضربه من دية العمد ومن قتل جمعا أو قطع أطرافهم مثلا مرتبان قتل أو قطع بأولهم إن لم يعف لسبق حقهن وهذا الحكم سواء أكان القاتل حرا أو عبدا .
وقيل : إن كان القاتل عبدا قتل بجمعهم فإن عفا الول قتل بالثاني وهكذا والاعتبار في التقديم والتأخير بوقت الموت لا بوقت الجناية .
الحنابلة قالوا : إذا قتل واحد جماعة واحد بعد واحد فحضر الأولياء قتل للأول ولا شيء للباقين وإن قتلهم جميعا ولم يعلم الأول منهم وحضر أولياء المقتولين وطلبوا من الحاكم القصاص قتل لجماعتهم ولا دية عليه .
وإن كلب بعضهم القصاص وبعضهم الدية قتل لمن طلب منهم القصاص ولو كانوا أكثر من اثنين ووجبت الدية في ماله لمن طلبها من الباقين .
وإن طلبوا جيمعا الدية كان لكل واحد منهم الدية كاملة من ماله خاصة إذا كان القتل عمدا ولاشيء على العاقلة وإذا كانت التركة لا تسعهم جميعا قسمت بينهم بالسوية كما يفعل مع الغرماء فيأخذ كل منهم حصته من التركة حسب الرؤوس