مبحث قتل المؤمن بالكافر .
المالكية قالوا : يقتل الأدنى صفة بالأعلى كذمي قتل مسلما أو كحر كتابي يقتل بعبد مسلم لأن الإسلام أعلى من الحرية .
ولا يقتل الأعلى بالأدنى كمسلم بكافر وكمسلم رقيق بحر كتابي ويقتل الذكر بالأنثى حيث لم يكن القاتل زائدا حرية أو إسلاما ويقتل الصحيح بالمرض ولو كان مشرفا على الهلاك أو محتضرا للموت . وقتل كامل الأعضاء والحواس بالناقص عضواص كيد ورجل أو الناقص حاسة كسمع وبصر واحتجوا على مذهبهم بما روي من حديث الإمام على كرم الله وجهه أنه سأله قيس بن عبادة والأشقر هل عهد إليه رسول الله A عهدا لم يعهده إلى الناس ؟ قال : لا . إلا ما في كتابي هذا وأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده لو أحدث حدثا أو آوى محدثاث فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) خرجه أبو دادو .
وما روي أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي A قال : ( لا يقتل مؤمن بكافر ) . وما روي عن أبي جحيفة أنه قال : قلت لعلي Bه : ( هل عندكم شيء من الوحي غير القرآن ؟ قال : لا . والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهم يعطيه الله تعالى رجلا في القرآن الكريم وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل وفكاك ألأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر ) رواه البخاري C وأخرجه أبو داود والنسائي . رحمهما الله تعالى .
واحتجوا أيضا على مذهبهم بإجماع العلماء على أنه لا يقتل مسلم بالحربي الذي أمن أي اخذ الامان .
قالوا : فلا يقتل المؤمن بالذمي إلا أن يضجعه فيذبحه أو يقتله غيلة ويأخذ ماله فلا يشترط فيه الشوط المتقدمة بل يقتل ولا صلح ولا عفو .
الشافعية والحنابلة قالوا : يشترط عندهم في القاتل مكافأته ومساواته للقتيل في الصفة بأن لم يفضله بإسلام أو أمان أو حرية أو أصلية أو سيادة ويعتبر حال الجناية حينئذ فلا يقتل مسلم ولو كان زانيا محصنا أو تاركا للصلا' متعمدا بذمي ولا كتابي لخبر البخاري C تعالى عن الرسول A أنه قال : ( لا يقتل مسلم بذمي ) .
قال ابن المنذر : لم يصح عن النبي A خبر يعارضه . ولأنه لا يقاد المسلم بالكافر فيما دون النفس بالإجماع كما قال ابن عبد البر فالنفس بذلك أولى والحديث المذكور يقتضي عموم الكافر فلا يجوز تخصص بإضمار ( الحربي ) ولأنه لو كان لامعنى كما قال الأحناف لخلا عن الفائدة لأنه يصير التقديرن لا يقتل المسلم إذا قتل كافرا حربياص ومعلوم أن قتله عبادة فكيف يعقل أنه يقتل به ؟ .
ويقتل ذمي بالمسلم لشرفه وبالذمي وإن اختلفت ملتهما كاليهوجي بالمسيحي فلو اسلم الذميي القاتل كافرا مكافئا له لم سقط القصاص . لتكافئهما حال الجناية . لأن الاعتبار بالعقوبات حال الجناية ولا نظر لما يحدث بعدها .
قالوا : ويقتل رجل بامرأة وخنثى كعكسه وعالم بجاهل وشريف بخسيس وشيخ بشاب كعكسهما لأنه A كتب في كتابه إلى أهل اليمن ( إن الذكر يقتل بالأنثى ) رواه النسائي وقوله صلوات الله وسلامه عليه ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ) خرجه أبو داود .
ولو جرح ذمي ذميا وأسلم الجارح ثم مات المجروح بالسراية فلا يسقط القصاص بالنفس للتطافؤ حالة الجرح المفضي إلى الهلاك وذا أسلم المقتول عند إشرافه على القتل أو بعد جرحه لا يقتص له وارثه الكافر بل إنما يقتص له الحاكم بعد طلب الوارث وإذا لم يطلب فليس للإمان أن يقتص .
ولا يقتل حر بمن فيه رق ويقتل قن وعبد ومكاتب وأم ولد بعضهم ببعض .
لو قتل عبد عبدا ثم عتق القاتل أو عتق بعد الجرح فكحدوث الإسلام وهو عدم سقوط القصاص في القتل جزماص ولا قصاص بين عبد مسلم وحر وذمي لعلو الإسلام وشرفه .
الحنفية قالوا : يقتل المسلم بالذمي لأن الله تعالى قال : { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالانثى } فهو تخصيص بالذكر وهو لا ينافي ما عده كما في قوله ( والأنثى بالأنثى ) فإنه لا ينافي الذكر بالأنثى ولا العكس بافجماع وفائدة التخصيص الرد على من اراد قتل غير القاتل بالمقتول وذلك أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ري أن قبيلتين من العرب تدعي إحداهما فضلا عن الأخرى اقتتلتا فقالت : مدعية الفضل لا نرضى إلا بقتل الذكر منهم بالأنثى منا والحر منهم بقتل العبد منا فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة ردا عليهم فجاءت الآية مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه فبينت حكم الحر إذا قتل حرا وحكم العبد إذا قتل الآخر فالآية محكمة وفيها إجمال بينة قوله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } وقتل المسلم بالذمي نفس بنفس وبينه النبي A بسنته لما قتل اليهودي بالمرأة قاله مجاهد .
قالوا : والذمي مع المسلم متساويان في الحرمة التي تكفي في القصاصن وهي حرمة الدم الثابتة على التأييد والمسلم كذل : وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام والذي يقق ذلك : أن المسلم تقطع يده بسرقة مال الذمي وهذا يدل على أن مال الذمي قد ساوى مال المسلم فدل على مساواتع لدمه إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه وأجمع العلماء على أن العور والأشل إذا قتل رجلا سالم الأعضاء أنه ليس لوليه أن يقتل الأعور ويأخذ منه نصف الدية من أجل أنه قتل إذا عينين وهو أعور وقت ل ذا يدين وهو أشل فهذا يدل لى أن النفس مكافئة للنفس ويكافىء الطفل فيها الكبير .
واحتجوا بما روى محمد بن الحسن عن إبراهيم رحمهما الله تعالى ( أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة فرفع ذلك إلى رسول الله A فقال : ( انا أحق من وفى بذمته ثم أمر به فقتل ) .
ولأن القصاص يعتمد المساواة في العصمة وهي ثابتة نظرا إلى التكليف أو الدرا ولأن المبيح للدم إنما هو كفر المحارب قال تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } آية 29 من التوبة .
ولأن قتل الذمي بالذمي دليل على أن كفر الذمي لا يورث الشبهة إذ لو أورثها لما جرى القصاص بينهما كما لا يجري بين الحربيين ولأن الأسلام أعلى من حرية الذمي والأعلى لا يقتل بالأدنى ولا يقتل المسلم بالمستأمن لأنه غير محقون الدم على التأبيد وكذلك كفره باعث على الحرب لأنه على قصد الرجوع إلى داره فصار كالحربي ولا يقتل الذمي بالمستأمن ويقتل المستأمن بالمستأمن ويقتل الرجل بالمرأة والكبير بالصغير والصحيح بالعمى والزمن وبناقص الطراف وبالمجنون للآيات الدالة بعمومها على وجوب القصاص ولأن في اعتبار التفاوت فيما وراء العصمة امتنعاع القصاص وظهر التقاتل والتفاني بين أفراد المجتمع