مبحث القال بمثقل والإغراق أو الإحراق بالنار .
المالكية قالوا : إن حبس شخص آخر ومنعه الطعام أو الشراب حتى مات بسبب ذلك أو خنقه بيده فيجب عليه القود في كل ذلك إن قصد بذلك موتهن أو علم أنه يموت من ذلك .
ومن سقى غيره سما في طعام أو شراب فمات فعليه القود فقد وري عنهم أن منع فضل مائه مسافراص عالما بأنه لا يحل له منعه وأنه يموت إن لم سقه قتل به وإن لم يل قتله بيده ومن ضرب غيره بمثقل كحجر إن نفذ الضارب مقتله أو لم ينفذه ممات مغمورا مما ذكر بأن ضربه فرفع مغمورا من الضربن أو الجرح حتى مات فيقتص منه بلا قسامة كما لو رفع ميتا مما ذكر فإن لم ينقذ له مقتل وأفاق بعد الضرب أو الجرح ثم مات لمقتص إلا بالقسامة وكذلك من طرح معصوما غمر محسن للعوم في نهرن لعداوة أو غيرها أو طرح من يحسن العوم عداوة فغرق في الحالين يجب القصاص وإلا لم يكن لعداوة والدية في اللعب .
ومن تسبب في الإتلاف كحفر بئر بأن حفرها ببينة فوقع فيها المقصود أو وضع شيئا مزلقا أو اتخذ كلبا عقورا لمعين وهلك المقصود بالبئر وما بعده فيجب القود من المتسبب وإن هلك غير المقصود أو قصد مطلق الضرر فهلك بها إنسان فتجب الدية في الحر المعصوم والقيمة في غيره وإن لم يقصد ضررا بالحفر وما بعده فلا شيء عليه ويكون هدرا وتقديم مسموم لمعصوم عالما بأنه مسموم فتناوله غير عالم فمات يجب القصاص فإن تناوله عالما بسمه فهو القاتل لنفسهن وإن لم يعلم المقدم فهو من الخطأ ومن رمى على غيره حية وهي حية فمات وإن لم تلدغه فمات من الخوف فعليه القود وإن كانت ميتة فتجب الدية وكذا إن كان شأنها عدم اللدغ لصغرها فإن كان على وجه اللعب فالديةن وإن كان على وجه العداوة فالقود .
ومن أشار على غيره بسلاح كسيف ومدفع وبندقة وخنجر فهرب المشار إليه خوفا منه وطلبه المشير في هروبه لعداوة بينهما فمات بلا سقوط فيجب القود بلا قسامة وإن لم يضربه بالقتل وإن سقط حال هروبه فبقسامة لا حتمال موته من سقوطه واشارته فقط بلا عداوة ولا هرب يكون خطأ فتجب الدية مخمسة على العاقلة وكذا إن هرب ولا عداوة ومات فدية خطأ .
الشافعية والحنابلة قالوا : يجب القصاص بالسبب فلو شهدا بقصاص فقتل ثم رجعا وقالا : تعمدنا الكذب فيها وعلمنا أنه يقتل أو يقطع بشهادتنا لزمهما حينئذ القصاص لآنهما تسبببا في إهلاكه بما قتل غالبا فأشبه ذلك الإكراه الحسي إلا أن يعترف الولي بعلمه بكذبهما فلا قصاص عليهما .
لأنهما لم يلجأ إلى قتله حسا ولا شرعا فصار قولهم شرطا محصنا فيجب على الولي القصاص أما لو قال الولي عرفت كذبهما بعد القتل فلا يسقط القصاص عنهما .
ولو ضيف بمسموم يقتل غالبا أو ناوله صبيا غير مميز أو مجنونا فأكله فمات منه وجب القصاص عليه أو ضيف به بالغا عاقلا ولم يعلم الضيف بالسم حال الطعام فدية ولا قصاص لأنه تناوله باختياره من غير إلجاء وقيل : يجب القصاص . واستدلوا بأن النبي A امر بقتل المرأة اليهودية التي سمت له الشاة بخيبر فمات منها بشر بن وائل بن معرور أما إذا علم الضيف حال الطعام فلا شيء على المضيف قطعا لأنه المهلك نفسه ولا يجب على المجني عليه معالجة الجناية بما يدفعها فلو ترك المجروح علاج جرح مهلك له فمات منه وجب القصاص جزمما على الجارح لأن البرء غير موثوق به لو عولج والجراحة في نفسها مهلكة ولو ألقاه في ماء لا يعد مغرقا كمنبسط فمكث فيه مضطجعا حتى هلك فهدر أو ماء مغرق لا يخلص منه إلا بسباحة فإن لم يحسنها أو كان مكتوفا أو زمنا تعمد وإن أمكنه التخلص بسباحة مثلا ولكن منع منها عارض كريح وموج فهلك بسبب ذلك فشبه عمد تجب دينه وإن أمكنه التخلص بسباحة مثلا ولكن منع منها عارض كريح وموج فهلك بسبب ذلك فشبه عمد تجب دينه وإن أمكنه التخلص من الغرق فتركها فلا دية في الأظهر .
وإن ألقاه في نار يمكن معها الخلاص منها فمكث فيها حتى مات ففي الدية قولان وقيل : تجب الدية في الإلقاء في النار بخلاف الماء لأن النار تحرق بأول ملاقاتها وتؤثر قروحا قاتلة بخلاف الماء ولو حفر بئرا فرداه فيها آخر والتردية تقتل غالبا أو ألقاه من شاهق فتلقاه آخر فقده فالقصاص على القاتل في الأول والمردي في الثاني والقاد في الثالث ولو ألقاه في ماء مغرف لا يمكنه الخلاص منه كلجة البحر فالتقمه حوت وجب القصاص في الأظهر لأنه هلك بسببه ولا نظر إلى جهة الهلاك كما لو ألقاه في بئر مهلكة في أسفلها سكين لم يعلم بها الملقي فهلك بها .
قالوا : ومحل الخلاف ما لم يرفع الحوت رأسه ويلقمه وإلا وجب القصاص قطعا ومحله أيضا إذا كان لا يعلم بالحوت الذي في اللجة فإن علم به وجب القود قطعا . كما لو ألقاه على أسد في ريببته أو أما قطار سريق .
أما إذا ألقاه في ماء غير مغرق فالتقمه حوت وهو لا يعلم به الملقي فلا قصا قطعا لأنه لم يقصد إهلالكه ولم يشعر بسبب الإهلاك كما لو دفعه دفعا خفيفا فوقع على سكين فمات ولم يعلم بها الدافع فتجب في الحالتين دية شبه العمد وإن شهر المجنون سلاحا على غيره فقتله ذلك الغير فلا ضمان عليه لانع قتله دفاعا عن نفسه وكذلك لو شهر الصبي سلاحا على غيره فقتله فلا ضمان لأنه يصير محمولا على قتله بفعله فأشبه المكره وكذلك فعل الدابة لو هجمت على لإنسان فقتلها فلا ضمان لأنه دفاع عن النفس .
الحنفية قالوا : من شهر على رجل سلاحا ليلا أو نهارا أو شهر عليه عصا في المصر ليلا أو شهر عليه عصا نهارا في طريق غير المصر فتله المشهور عليه عمدا وكان الشاهر عاقلا مكلفا فلا شيء عليهن لقوله E ( من شهر على المسلمين سيفا فقد أطل دمه ) ولأنه يعد في نظر الشرع باغ فتسقط عصمته ببغيه ولأنه تعين طريقا لدفع القتل عن نفسهن فجاز له قتله لدفع الشر عن نفسه وجعف الشر مباح أو واجب ولأن السراح لا يلبث فيحتاج إلى دفعه بالقتل والعصا الصغيرة وإن كانت تلبث وكن في الليل لا يلحقه الغوث فيضطر إلى جفعه بالقتل وكذلك في النهار في غير المصرن في طريق لا يلحقه الغوث وفي الصحراء فإذا قتله كان دمه هدرا ولا ضمان على قاتله .
وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا فعليه الدية في مالهن لأنه قتل شخصا معصوما أو أتلف مالا معصوما حقا للمالك وفعل الدابة لا يصلح مسقطا وكذا فعلهما وإن كانت عصمتهما حقهما لعدم اختيار صحيح ولهذا لا يجب القصاص لتحقق الفعل منهما بخلاف البالغ العاقل لأن له أختيارا صحيحا وإنما لا يجب القصاص مع القتل العمد بسلاح لوجود المبيحن وهو دفع الشر عن نفسه فتجب الجية حتى لا يهدر دم المسلم المعصوم .
ومن شهر على غيره سلاحا في المصر فضربه ثم قتله الآخر فعلى القاتل القصاص لأنه ضربه فانصرف عنه لأنه خرج من أن يكون محاربا بالانصراف فعادت عصمته إليه ومن دخل عليه غيره ليلا واخرج السرقة فاتبعه صاحب الدار وقتله ليخلص المتاع فلا شيء عليه ودمه هدر لقول A : ( قاتل دون مالك ) ولأنه يباح له القتل دفاعا للابتداء فكذا استردادا في الانتهاء وذلك إذا كان لا يتمكن من استرداد ماله إلا بالقتل .
ومن حفر بئرا في طريق المسلمين أو وضع حجرا فتلف بذلك إنسان فديته على عاقلته وإن تلف به بهيمة فضمانه في مالهن لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه غير أن العاقلة تتحمل النفس دون المال فكان ضمان البهيمة في ماله خاصة وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة .
وإذا كنس الطريق أو رشها فعطب احد بموضع كنسه أو رشه لا ضمان عليه لأنه ليس بمتعد فإنه ما أحدث شيئا فيه وإنما قصد رفع الأذى عن الطريقن حتى لو جمع الكناسة في الطريق وتعلق بها إنسان فإنه يضمن دينه لتعديه بشغله الطريق بالكناسة .
ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فعطب به إنسان فالضمان على لاذي نحاه لأن حكم فعله قد انتسخ والبالوعة يحفرها الرجل في الطريق فإن امره السلطان بذلك أو آخرجه عليه لم يضمن ما تلف به لأنه غير متعد حيث فعل ذلك بأمر من له الولاية في حقوق العامة . وإن كان حفر البالوعة أو رفع غطاءها بغير امره فهو متعد فيضم ما تلف به إما بالتصرف في حق غيره أو بالافتيات على رأي الإمام أو هو مباح مقيد بشرط السلامة وكذا كل ما فعل في طريق العامة وإذا فر البئر في ملكه فلا يضمن لأنه غير متعد وكذا إذا حفرها في فناء جارهن لأن له ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه ولو حفرها في الطريق ومات الواقع فيها جوعا أو غما لا ضمان على الحافر لأنه مات لمعنى في نفسه فلا يضاف إلى الحفر والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع .
وقال أبو يوسف C : إن مات جوعا فكذلك وإن ماتغما فاحافر ضامن له لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع أما الجوع فلا يختص بالبئر .
وقال محمد : هو ضامن في الوجوه كلها لأنه إنما حدث بسبب الوقوع إذ لولاه لكان الطعام قريبا منه وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير ملكه فذلك على المستأجر فقط وإن علموا ذلك فالضمان على الاجراء لأنه لا يصح امره بما ليس بمملوك له ولا غرس .
قالوا : ومن غرق صبيا أو بالغا في البحر فلا قصاص عليه لقول الرسول A : ( إلا أن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا ) وفيه وفي كل خطأ أرش ولأن الآلة غير مستعملة في القتل ولا معدة له لتعذر استعماله فتمكنت شبهة عدم العمدية ولأن القصاص ينبىء عن المماثلة ومنه يقال : اقتص أثره .
أما إذا بالنار حتى مات فيجب فيه القصاص بالسيف وكذلك الضرب بحديدة مدببة أو خشبة محددة : أو حجر محدد فإنه يجب فيه القصاص بالسيف لأنه عمد .
قالوا : من شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد وأصابته حية فمات من ذلك كله فإنه يجب على الجنبي ثاث الدية لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدر في الدنيا والآخرة وفعله بنفسه هدر في الدنيا معتر في الآخرة حتى يأثم عليه فعند أبي حنيفة ومحمد يغسل ويصلى عليه وعند أبي يوسف يغسل ولا يصلى عليه لأنه تعدى على نفسه بشجها وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة فصارت ثلاثة أجناس فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال فيكون الثالث بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية