مبحث شبه العمد .
الحنفية قالوا : القتل على خمسة اوجه عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح كالمحدد من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار .
وشبه العمد : أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري محرى السلاح سواء كان الهلاك به غالبا كالحجر والعصا الكبيرين ومدقة القصار أو لم يكن كالسوط والعصا الصغير وذلك لقوله A : ( ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا ) رواه النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه ووجه الاستدلال به أنه E جعل قتيل السوط والعصا مطلقا شبه عمد فتخصصه بالصغيرة إبطال للإطلاق وهو غير جائز .
ولأن العصا الكبيرة والصغيرة تساويا في كونهما غير موضوعتين للقتل ولا مستعملتين له غالبا إذ لا يمكن الاستعمال على غرة من المقصود قتله وبالاستعمال على غرة يحصل القتل غالباص وإذا تساويا والقتل بالعصا الصغيرة شبه عمد بالاتفاق فكذا الكبيرة فقصرت العمدية نظرا إلى الألة فكان شبه عمد .
الشافعية والحنابلة والصاحبان من الحنفية - قالوا : شبه العمد هو أن يتعمد الضرب بما لا يحصل الهلاك به غالبا كالعصا الصغيرة إذا لم يوال في الضربات أما إذا والى فيها فهو عمد وقيل : شبه عمد وسمي هذا النوع شبه عمد لاقتصار معنى العمد فيه وإلا لكان عمدا واقتصاره إنما يتصور في استعمال آلة لا يقتل بها غالبا كالعصا الصغيرة فإن القصد باستعمالها غير القتل كالتأديب ونحوه فتجب الدية لا القصاص أما إذا استعمل آلة يقتل بها كالضرب بحجر عظيم أو حشبة عظيمة أو مدق القصار أو نحوه فإنه لا يقصد باستعمال هذه الأشياء إلا القتل كالحديدة والسيف فكان قتلا عمدا موجبا للقود قالوا : وقد واققنا أو حنيفة بأن القتل بالعمود الحديد موجب للقود .
وموجب شبه العمد على القولين الإثم لأنه قتل وهو قاصد الضرب والكفارة لأنه خطأ نظرا إلى أن الآلة تدخل تحت قوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } الآية ولأنه شبيه بالخطأ ويجب فيه الدية مغلظة على العاقلة . وهي مائة من الإبلن اربعون منها في بطونها أولادها وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقد روي عنه أنه قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين ووافقه الصحابة من غير نكير من واحد منهم فكان كالمروي عن الرسول A لأنه مما لا يعرف بالرأي ويتعلق به حرمان الميراث لأنه جزاء القتل والشبهة تؤثر في إسقاط القصاص دون حرمان الميراث فقد روي عن عبد الله بن عمر Bهما أن رسول الله A قال : ( ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا فيه مائة من الإبل منها اربعون في بطونها أولادها ) رواه الخمسة .
وروى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي A قال : ( عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولايقتل صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون جماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح ) .
المالكية قالوا : إن الضرب بالعصا والحجر الصغيرين عمد فإنهم قالوا : إننا لانعرف ماهو قتل شبه العمد وإنما القتل عندهم نوعان فقط عمد وخطأ ما وقع بسبب من السباب أو من غير مكلف . أو غير قاصد للمقتول أو القتل بما مثله لا يقتل في العادة به كالسوط . وهذا لا قود فيه وإنما تجب فيه الدية وقتل العمد ما سواه : إذ لا واسطة بين العمد والخطأ في سائر الأفعال فكذا في هذا الفعل وشبه الخطأ أن يتعمد القتل ويخطىء القصد أو يضربه بسوط لا يقتل مثله غالبا أو يلكزه بيده أو يلطمه لطما بليغا فيجب القصاص في كل ذلك فإن تعمد الجاني الضرب بقضيب أو سوط لا يقتل به غالبا أو مثقل كحجر أو خنق ومنع من طعام حتى ماب أو منع من شرب محتى مات فالقود أن قصد بذلك موته فإن قصد مجرد التعذيب فالدية .
الشافعية قالوا : الفعل المزحق ثلاثة : عمد وخطأ وشبه عمد ولا قصاص إلا في العمد وهو قصد مالفعل والشخص بما يقتل غالبا جارح أو مثقل .
فالأول وهو الواجب : قتل المرتد إذا لم يتب والحربي إذا لم يسلم أو يعط الدية .
والثاني وهو الحرام : قتل المعصوم بغير حق .
والثالث وهو المكروه : قتل الغازي قريبه الكافر إذا لم يسب الله أو رسول A .
والرابع وهو المندوب : قتل الغازي قريبه الكافر إذا حدث منه سب لله أو الرسول A .
والخامس وهو المباح : قتل الإمام الأسير وهو مخير فيه .
وأما قتل الخطأ فلا يوصف بحرام ولا حلال لأنه غير مكلف فيما أخطأ فهو كفعل المجنون والبهيمة فإن فقد قصد أحدهما بأن وقع عليه فمات أو رمى شجرة فأصابه فخطأ وإن قصدهما بما لا يقتل غالبا فشبه عمد ومنه الضرب بسوط أو عصا فلو غرز إبرة بمقتل فعمد ولو غرز فيما لا يؤلم كجلدة عقب فلا شيء بحال ولو حبسه ومنعه الطعان والشراب والطلب حتى مات فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد وإلا فإن لم يكن به جوع وعطش سابق فشبه عمد وإن كان به بعض جوع أو عطش وعلم الحابس الحال وكانت مدة حبسه بحيث لو أضيفت لمدة جوعه أو عطشه السابق بلغت المدة القاتلة فعمد لظهور الإهلاك من الرجل الحابس وأما إذا لم يبلغ مجموع المدنين ذلك فهو كما لو لم يكن به شيء سابق وإن لم يعلم الحال فهو شبه العمد