مبحث إذا قذف جماعة .
الحنفية والمالكية قالوا : إن قذف جماعة في مجلس أو مجالس مختلفة بكلمة أو كلمات مجتمعين أو متفرقين فعليه حد واحد فإن قام بأحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن قام منهم بعد ذلك فإن الحد يجري في التداخل .
واحتجوا على ذلك بالقرآن الكريم فإن الله تعالى قال : { والذين يرمون المحصنات } والمعنى أن كل واحد يرمي المحصنات وجب عليه الجلد وذلك يقتضي أن قاذف الجماهة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين جلدة فمن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فقد خالف الآية الكريمة .
وأما السنة فما روى عكرمة عن أبن عباس Bهما : ( أن هلال بن امية قذف امرأته عند النبي A بشريك بن سحماء فقال النبي A : ( إما البينة أو حد في ظهرك ) لم يوجب النبي A على هلال إلا حدا واحدا مع قذفه لامرأته وقذفه لشريك بن سحماء إلى أن نزلت آية اللعان فأقيم اللعان على الزوجات مقام الحد في الأجنبيات وأما القياس فهو أن سائر ما يوجب الحد إذا وجد فيه مرارا لم يجب إلا حد كحد واحد كمن زنى مرارا أو شرب الخمر مرارا أو سرق مرارا قبل إقامة الحد عليه فيكفي حد واحد والمعنى الجامع من إقامة الحد هو دفع الضرر وقد حصل فإن قام بأحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن قام منهم بعد ذلك . ولو قال كلكم زان إلا واحدا يجب عليه الحد لأن القذف فيه موجب للحد فكان لكل واحد أن يدعي .
الشافعية في أحد آرائهم قالوا : إنه يحد لكل واحد حدا على انفراد لاختلاف المقذوف . ولأن قوله تعالى في الآية الكريمة { والذين } صيغة جمع وقوله : { المحصنات } صيغة الجمع أيضا والجمع إذا قوبل بالجمع يقابل ( الفرد بالفرد ) فيصير المعنى كل من رمى محصنا واحدا وجب عليه الحد وتمسك أيضا بقول تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } فإن الآية تدل على ترتيب الجلد على رمي المحصن من حيث أن هذا المسمى يوجب الجلد وإذا ثبت هذا فنقول : إذا قذف واحدا صار ذلك القذف موجبا للجلد فإذا قذف الثاني وجب أن يكون القذف موجبا للحد أيضا ثم موجب القذف الثاني لا يجوز أن يكون هو الموجب للحد الأول . لأن ذلك قد وجب بالقذف الول وإيجاب الواجب محال فوجب أن يكون بالقذف الثاني حدا ثانيا وأما القياس فإن حد القذف حق الآدمي بدليل أنه لا حد إلا بمطالبة المقذوف .
وقوق الآدمي لا تتداخل بخلاف حد الزنا فإنه حق لله تعالى هذا كله إذا قذف جماعة كل واحد منهم بكلمة على حدة . أما إذا قذفهم بكلمة على حدة . أما إذا قذفهم بكلمة واحدة فقال : أنتم زناة أو زنيتم ففيه قولان : ( أصحهما ) وهو قوله في الجديد يجب لكل واحد حد كالم لأنه من حقوق العباد فلا يتداخل ولأنه أدخل على كل واحد منهم معرة فصار كما لو قذفهم بكلمات وفي القديم لا يجب للكل إلا حد واحد اعتبارا باللفظ فإن اللفظ واحد والأول أصح لأنه أوفق لمفهوم الآية فعلى هذا لو قال لرجل : يا أبن الزانيين يكون قذفا لأبويه بكلو واحدة فيجب عليه حدان .
الحنابلة في أظهر روايتهم قالوا : إن قازفهم بكلمة واحدة يتم عليه حد واحد وإن قذفهم بكلمات فيجعل لكل واحد حد .
والثاني من روايتهم : أنهم قالوا : إن طلبوه متفرقين حد لكل واحد منهم حدا وإن لم يطلبوه فيجب حد واحد للجميع .
المالكية قالوا : إن قذف شخصا كان هو المقذوف الأول أو غيره في اثناء الحد ألغى ما مضى وابتدأ للمقذوفين حدا حدا إلا أن يبقى من الأول اليسير وهو ماجون النصف أو خمسة عشر فيكمل الأول ثم يستأنف للثاني فيستوي له الحد فالحد يجري فيه التداخل عندهم .
الحنفية قالوا : إن الحدود تتداخل فلو ضرب القاذف تسعة وسبعين سوطا ثم قذف قذفا آخر فلا يضرب إلا ذلك السوط الواحد للتداخلن لأنه اجتمع الحدان لأن كما الحد الأول بالسوط الذي بقي وحكي أن أبن أبي ليلى سمع من يقول لشخص : يا ابن الزانيين فحده حدين في المسجد في وقت واحد فبلغ الإمام أبا حنيفة فقال : " يا للعجب لقاضي بلدنا أخطأ في مسألة واحدة في خمسة مواضع . الأول : أخذه بدون طلب المقذوف والثاني : أنه لو خاصم وجب حد واحد والثالث : أنه إن كان الواجب عنده حدين ينبغي أن يتربص بينهما يوما أو أكثر حتى يخف أثر الضر بالأول عن القاذف والرابع : ضربه في المسجد والخامس : ينبغي أن يتعرف أن والديه في الأحياء أو لا ؟ فإن كان حيين فالخصومة لهما وإلا فالخصومة للابن " .
وإذا قذف عبدا حرا فأعتق فقذف آخر فاجتمعا ضرب ثمانين سوطا ولو جاء الأول فضرب أربعين ثم جاء به الآخر تمم له الثمانين لأن الرعين وقع لهما يبقى الباقي أربعين ولو قذف آخر قبل أن يأتي به الثاني تكون الثمانون لهما جيمعا ولا يضرب ثمانين مسأنفا لأن ما بقي تمامه حد الأحرار فجاز أن يدخل فيه الأحرار وذلك لتداخل حد القذف .
الشافعية قالوا : إن اختلف المقذوف أو المقذوف به وهو الزنا لا يتداخل لأن الغلب في حد القذف حق العبد عندهم فإن قذف جماعة بكلمات أو قذف واحدا مرات بزنا آخر يجب لكل قذف حد