واتفق الفقهاء : على أنه لا يقام حد القذف على القاذف إلا إذا طلب المقذوف بنفسه إقامة حد القذف على قاذه . لآنه حقه من حيث دفع العار الذي لحقه فلو عفا عنه وتركه ولم يطلب إقامة الحد عليه فلا يقام الحد عليه .
ألفاظ القذف .
ألفاظ القذف تنقسم إلى ثلاثة أقسام صريح وكناية وتعريض .
واتفق الفقهاء على أن الحد يقام بالقذف باللفظ الصريح كأن يقول : يا زانية أو زنيت أو زنى قبلك أو دبرك ولو قال : زنى بدنك فيه وجهان أحدهما كناية كقوله : زنت يدك لأن حقيقة الزنا من الفرج فلا يكون من سائر البدن إلا المعونة والثاني : وهو الأصح أنه صريح لأن الفعل إنما يصدر من جملة البدن والفرج آلة في الفعل وأما الكنايات فمثل أن يقول : يا فاسقة يا فاجرة يا خبيثة يا مؤاجرة يا ابنة الحرام أو امرأتي لا ترد يد لامس وبالعكس فهذا لا يكون قذفا فلا يحد إلا أن يريده . فإن قال : لم أقصد به القذف بالزنا وكذبه المقذوف فالقول قوله مع يمينه ويجب على الأمام أن يعزره بما يراه لأنه قد آذاه بذلك وألحق به الشينن ولأن الحدود لا تثبت بالقياس أما التعريض فقد اختلف فيه الفقهاء رحمهم الله تعالى .
الحنفية والشافعية في أحد آرائهم قالوا : لا يجب الحد في التعريض وإن نوى القذف وذلك مثل أن يقول : يا أبن الحلال أما فما زنيت أنا معروف النسب ليست أمي زانية ابحث عن أصلك أنا عفيف الفرج لأن التعريض بالقذف محتمل للقذف وغيره فرجب أن لا يحد لأن الصل براءة الذمة فلا يرجع عنه بالشك وإنما يجب عليه التعزير فقط لأن قذف غير المعين لا يحصل به كبير أذى للناس لأن كل واحد يقول المراد بذل غيري ولأن الاحتمال الذي في الاسم المستعار شبهة والحدود تدرأ بالشبهات .
المالكية قالوا : يجب إقامة الحد في التعريض مطلقا نوى به القذف أو لم يقو وذلك لأنه لا يخلو من قصد احد بذلك في نفسه فنأخذ له حقه منه وإن كنا لانعلم ذاته . تطهيرا لذلك القاذف من هذه العادة وتربية لنفسه الخبيثة وقد كان عمر بن الخطاب Bه يضرب الحد في التعريض روي أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال أحدهما للآخر : والله ما أنا بزان ولا أمي بزانية فاستشار عمر الناس في ذلك فقال قائل مدح أباه وأمه وقال آخرون : قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا فجلده ثمانين جلدة . ولأن الكناية قد تقوم بعرف العادة مقام النص الصريح وإن كان اللفظ فيها مستعملا في غير موضعه والتعريض خاص بالأكابر من أهل الدنيا الذين يراعون ناموسهم عند الخلق .
الشافعية في الرأي الثاني والحنابلة في إحدى روايتهم قالوا : إن نوى بالتعويض القذف وفسره به وجب إقامة حد القذف عليه وإن لم ينو لا حد عليه والقول قوله مع يمينه .
الحنابلة في روايتهم الثانية قالوا : يجب الحد على الإطلاق نوى أو لم ينون خصوصا إذا كان في حالة غضب وثورة لنها قرينة تفيد أنه يقصد إهانته وإلحاق العار بالمقذوف .
عدم قبول شهادته .
اتفق الأئمة على أن القاذف لا تقبل شهادته بعد إقامة الحد عليه لأن الشارع قد رتب على قذف المحصن أو المحصنة ثلاثة أشياء الجلد ثمانين جلدة ورد الشهادة أبدا والحكم عليه بالفسق حيث قال تعالى : { فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون } أما الجلد فللزجر ولمقابلة الإيذاء بالإيذاء وأما رد الهشادة فهي عقوبة لسانية تشبه قطع يد السارق فكأنه روعي أن جزاء هذا اللسان الذي اقترف ذلك الإثم العظيم أن يهدر ويقطع أثره فلا يعتد بما يقوله ويشهد به فيما بين الناس فهو العدم سواء وأما تفسيقه فهو مبالغة في الزجر وإشارة إلى أن ما لقي من جزاء في الدنيا من الحد ورد الشهادة لم يعفه من اعتباره فاسقا خارا " عن أمر ربه وطاعته تبارك وتعالى وناهيك بهذه الجزاءات دلالة على عظم الخطب وشدة الخطر وإذا كان هذا في الرمي بالزنا والاتهام به فكيف يكون حال مقترف هذا الجرم الفاحش الشنيع ؟ فهذا الحكم مع دلالته على ما سبق له يدل دلالة بالغة على تفظيع جرم تلك الفاحشة وتشنيع أمرها وعناية الشارع بالتنزيه عنها والتنفير منها حتى يتطهر المجتمتع من آثامها وإذا حد الكافر في قذف لم تجز شهادته على أهل الذمة فترد تتمة لحده .
إذا كانت أم المقذوف كافرة أو أمة .
المالكية قالوا : يجب إقامة الحمد على القاذف سواء كانت أم المقذوف حرة أو أمة مسلمة أو كافرة لعموم لفظ الآية أو كان أبو المقذوف الحر المسلم عبدا أو كافرا على الراجح من المذهب .
الحنفية والشافعية قالوا : لا يجب إقامة الحد على القاذف إذا كانت أم المقذوف أمة أو كانت كتابية ويحد إذا كان أبو المقذوف الحر المسلم عبدا أو كافرا أو كان القاذف كافرا والعياذ بالله تعالى .
قبول شهادته قبل إقامة الحد عليه .
الشافعية والليث بن سعد قالوا : إذا وجب الحد على شخص بطلب شهادته ولزمه صفة الفسق قبل إقامة الحد عليه لأن الله تعالى رتب على القذف مع عدم الإتيان بالشهداء الأربعة امورا ثلاثة معظوفا بعضها على بعض بحرف الواو وهو لا يقتضي الترتيب فوجب أن لا يكون بعضها مرتبا على البعض فوجب أن لا يكون رد الشهادة مرتبا على إقامة الحد بل يجب أن يثبت رد الشهادة سواء أقيم الحد عليه أم لا ا ه .
الحنفية والمالكية قالوا : إذا ثبت حد القذف على شخص فإن شهادته تكون مقبول ما لم يحد فلا يتسم بسمة الفسق ما لم يقع به الحد لأنه لو لزمته سمة الفسق لما جازت شهادته إذ كانت سمة الفسق مبطلة لشهادة من وسم بها .
وذلك لأن ظاهر الاية يقتضي ترتب وجوب الحد على مجموع القذف والعجز عن إقامة الشهادة فلو علقنا هذا الاحكم على القذف وحده قدح ذلك في كونه معلقا على الأمرين . ويذلك بخلاف زاهر الآية وايضا فوجوب الجلد حكم مرتب على مجموع أمرين فوجب أن لا يحصل بمجرد حصول أحدهما .
واتفق الأئمة على أن الحر لا يجلد في قذف عبده لآنه ملك يمينه فلا يعاقب بقذفه .
إذا قذف العبد حرا .
اتفق الأئمة على أن العبد إذا قذف حرا يجلد اربعين جلدة نصف حد الحر ذكرا أو أنثى . وذلك لما رواه الثوري عن جعفر بن محمد عن ابيه أن عليا عليه السلام قال : ( يجلد العبد في القذف أربعين ) وعن عبد الله بن عمر Bه أنه قال : ( أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء وكلهم يضربون المملوك في القذف أربعين ) ولان جميع حدود الأحرار تنشطر بالرق .
ولأن الله D قال : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } فنص على أن حد الأمة في الزنا نصف حد الحرة ثم قاسوا العبد على الأمة في تنصيف حد الزنا ثم قاسوا تنصسف حد قذف العبد على تنصيف حد الزنا في حقه فرجع حاصل الأمر إلى تخصيص عموم الكتاب بهذا القياس والعبرة بحال القذف ولو تحرر بعد القذف وقبل إقامة الحد عليه لأنه كان رقيقا في حال القذف .
لو قال له : يا فارسي .
المالكية قالوا : لو قال لعربي يا نبطي أو يا رومي أو يا بربري أو قال لفارسي : يا رومي أو قال لرومي : يا فارسي ولم يكن في آبائه من هذه صفته فعليه الحد لأنه قذف في حقفه . ويلحقه به العار لما فيه من رائحة الطعن في نسبه وذلك لسد باب الأذى جملة أو قال له أنا عفيف الفرج .
الحنفية والشافعية والحنابة رحمهم الله تعالى قالوا : أنه لو قال له هذه الألفاظ فلا يجب عليه الحد لندرة فهم القذف بالزنا من مثل ذلك اللفظ والنادر لا حكم له غالبا ولأنه يراج به التشبيه في الخلاق .
ولو قال لامرأة زنيت بحمار أو ببعير أو بثور فلا حد عليه لأن الزنا ايلاج رجل ذكره في فرج الأنثى وما ذكره لا يعقل ولو قال لها زنيت بناقة أو بقرة أو ثوب أو جرهم فإنه يقام عليه الحد إذا لم يأت بالبينة .
وذلك لأن معناه أنها زنت واخذت البدل أو الجر من الزاني ولو قال هذا الرجل فاسق أو مخنث لا يحد ولو قال لها : زنيت وأنت صغيرة أو جامعك فلان جماعا حراما لا يجب عليه الحد لعدم الصراحة في القول إذ الجماع الحرام يكون بنكاح فاسد ولا بقوله : أشهد في رجل بأنك زان لأنه حال لقذف غيره ومن قال لآخر يا زاني فقالك لاب أنت فإنهما يحدان أذا طالب كل منهما الآخر وأثبت ما طالب به عند الحاكم لزمه حيئذ حق الله تعالى وهو الحد فلا يتمكن واحد منهما من إسقاطه فيحد كل واحد منهما بخلاف ما إذا قا له مثلا : يا خبيثن فقال له : بل أنت الخبيث تكافآ ولا يعزر كل منهما للآخر لأن التعزير لحق الآدمي وقد وجب له عليه ما وجب للآخر فتساقطا .
ومن قال لمسلم : يا فاسق أو يا خبيث أو يا كافر أو يا سارق أو يا مخنث أو يا قاتل النفس أو يا فاجرن أو يا تارك الصلاة وغير ذلك من قذفه بعيوب غير الزنان فلا يقام عليه الحد في كل هذه الألفاظ وإنما يعزره الحاكم بما يراه تأديبا له وزجرا من الضرب والسجن والتأنيب وخلافه . لأن هذه اللفاظ لا تلحق من العار والمهانة كما يلحقه من القذف بالزنا أو بنفي النسب .
الإقرار بالقذف .
اتفق الأئمة على أنه لو أقر بالقذف قبل قوله ويقام عليه الحد فإن رجع في إقراره قبل إقامة الحد عليه فلا يقبل رجوعة لأن للمقذوف حقا فيكذبه في الرجوع بخلاف ماهو خاص بحق الله تعالى لأنه لا مكذب له فيه فيقبل رجوعة .
وقيل لا يقبل رجوعه لأنه ألحق الشين والعار بالغيرن وشوه سمعته ويريد أن يبطل حق الغير في إقامة الحق ورد شرفه أما المجتمع ورفع العار عنه .
إذا أتى القاذف بالشهود .
اتفق العلماء على القاذف إذا أتى بأربعة من الشهود العدول من الرجال العقلاء يشهدون عليها بمارماها لا يقام عليه الحدن ولا يعتبر قاذفا ويثبت الزنا لأنه صادق في قوله ويقام الحد على الزانيةن إذا تمت الشهادة عليها بشروطها كما سبق ذلك فيعتبر شاهدا