الشافعية - قالوا : يقطع المسلم بسرقة باب المسجد وجذعه وتأزيره وسواره وسقوفه وقناديله التي وضعت للزينة لأن الباب للتحصين والجذع ونحوه للعمارة ولعدم الشبهة في القناديل . ولا يقطع بسرقة حصره المعدة للاستعمال وسائر ما يفرض فيه ولا بسرقة قناديل تسرج فيه لن ذلك لمنفعة المسلمين فله فيه حق كمال بيت المال وبلاط المسحد كحصره لا قطع فيها أما حصر الزنة والسجاجيد الغلية فيقطع بسرقتها وكذلك ستر المنبر إن خيط عليه أما الذمي إذا سرق من المسجد فيقطع بكل ما ذكر لعدم وجود الشبهة .
من شق الجيب أو الكم .
الحنفية قالوا : من شق صرة للنقود أو الهميان أو الجيب والمراد الموضع المشدود فيه دراهم من الكم وأخذ الدراهم لم يقطع وإن أدخل يده في الكم قطه لأنه في الحالة الأولى الرباط من خارج فبالشق يتحقق الخذ من خرج فلا يوجد هتك الحرز وهو الكم . ولو حل الرباط ثم اخذ المال فإذا كان الرباط من خارج يقطع وإن كان من داخل الكم لا يقطع لآنه اخذها من خارج الكم .
المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف - قالوا : يقطع على كل حال لأن في صورة أخذه من خارج الكم إن لم يكن محرزا بالكم فهو محرز بصاحبه وإذا كان محرزا بصاحبه وهو نائم إلى جنبه فلأن يكون محرزا به وهو يظان والمال يلاصق بدنه أولى فيقطع . وقد رد الحنفية عليهم : بأن الحرز هنا ليس إلا الكم لن صاحب المال يعتمد الكم أو الجيب لا قيام نفسه فصار الكم كالصندوق وهذا لن المشقوق كمه أو جيبه أما في حال المشي أو في غيره فمقصوده في الأول ليس إلا قطع المسافة لا حفظ المال .
وإن كان الثاني فمقصوده الاستراحة عن حفظ المال وهو شغل قلبه بمراقبته فإنه متعب للنفس فيربطه ليريح نفسه فإنما اعتمد الربط والمقصود هو المعتبر في هذا الباب ألا ترى أن من شق جوالقا على جمل يسير فأخذ ما فيه قطه لن صاحب المال اعتمد الجوالق فكان السارق منه هاتكا للحرز فيقطه ولو أخذ الجوالق بما فيه لا يقطع لأن الجوالق في مثل هذا حرز لأنه يقصد بوضع المتعة فيه صيانتها من السرقة كالكم والجيب فوجد الأخذ من الحرز فيقطع . وكذلك من ثقب وعاء حنطةن أو وعاء زيت فانصب مقدار نصاب قطع به لأنه سرق منها وان شق الحمل وأخذ منع قطع خصوصا في هذا الزمن الذي كثرت فيث سرقة الجيوب والنقود . اه . ويلغز العلماء بذلك فيقال : ( شخص قطع بسرقة ولم يدخل حرزا ولم يأخذ منه مالا ) وهو الذي شق الكم أو الجيب أو الوعاء واخذ منه المال .
سرقة القطار .
الحنفية قالوا : إن سرق من القطار وهو الإبل التي تقطر في السفر على نسق واحد فإن سرق من هذا القطار بعيرا أو حملا لم يقطع لأنه ليس بحرز مقصود فتتمكن فيه شبهة العدم وهذا لن السائق والراكب والقائج إنما يقصدون قطع المسافة ونقل الأمتعة دون الحفظ حتى لو كان مع الأحمال من يتعها بسلاحه للحفظ . قالوا : يقطع من سرق منها وإن شق الحمل وأخذ منه قطع .
والشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : القطار من الإبل أو البغال يشد زمام بعضها خلف بعض على نسق واحد فتصير مقطورة يقودها قائد ويشترط في إحرازها التفات قائدها أو راكب أولها إليها كل ساعة بحيث يراها جميعا لآنها تعد محرزة بذلك وغن كان يسوقها سائق فمحرزة إن انتهى نظره اليها وفي معناه الراكب لآخرها . فإن كان لا يرى البعض لحائل جبل أو بناء فذلك البعض غير محرزن فإن ركب غير الأول والآخر فهو لما بين يديه كسائق ولما في خلف كقائد وقد يستغني بنظرة المارة عن نظره إن كان يسير في طريق عام أو سوق ويشترط بلوغ الصوت لآخرها كما يشترط أن لا يزيد قطار على تسعة إذا كان القطار كذلك قطع سارقها أما إذا كانت الإبل غير مقظورة كأن كانت تساق مفرقة فهي ليست محرزة في الأصح ا ه .
السرقة من الأقارب .
الحنفية قالوا : من سرق من ابويه وإن عليا لا يقطع لأنها في العادة تكون معها البسوطة في المال والإذن في الدخول في الحرز حتى يعد كل منهما بمنزلة الآخر . ولقوة حنان الأبوين على البناء وعطفهما عليهم ولذا منعت شهادته شرعا . وأما سرقة الب من مال الابن فلقوله صولات الله وسلامه عليه للولج : ( أنت ومالك لأبيك ) . وأما ذوو الأرحام وهم الخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة فللإذن في الدخول في الحرز فقد ألحقوا بقرابة الأولاد لأن الشرع ألحقهم بهم في إثبات الحرمة وافتراض الوصل . ففي الحديث القدسي : ( قال الله D أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ) . ولهذا ألحقناهم بالأولاد في عدم القطع بالسرقة ووجوب النفقة ولأن الأذن بين هؤلاء إثبات الحرمة وافتراض الوصل . ففي النظر منها إلى مواضع الزينة الطاهرة والباطنة كالعضد للدملوج والصدر للقلادة والساق للخلخال . وما ذاك إلا للزوم الحرج لو وجب سترها عنه مع كثرة الدخول عليها وهي مزاولة الأعمال وعدم احتشام أحدهما من الآخر وايضا فهذه الرحم المحرمة يفترض وصلها ويحرم قطعها وبالقطع يحصل القطعها ؟ ؟ وبالقطع يحصل القطع فوجب صونها بدرء القطع .
ومما يدل على نقصان الحرز فيها قوله تعالى : { ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكمن أو بيوت آبائكم أبو بيوت أمهاتكم أو بيوت غخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أوصديقكم } ورفع الجناح عن الكل من بيوت الأعمام أو العمات مطلقا يؤنس إطلاق الدخول ولو سلم فإطلاق الأكل مطلقا يمنع قطع القريب .
قالوا : ولو سرق من بيت ذي الرحم المحرم متاع غيره لا يقطع ولو سرق مال ذي الرحم المحرم من بيت غيره يقطع اعتبارا للحرز وعدمه . ولو سرق من أبويه وإخوته من الرضاع لن الرضاع قلما يشتهر فلا بسوططة في الدخول من غير استئذان تحرزا عن موقف التهمة بخلاف القرابة من النسب فإنه يشتهر ويعرف .
المالكية قالوا : إذا سرق الأبوان أو الأجداد من أولادهما وأولاد اولادهما فلا قطع على واحد منهم . أما إذا سرق الفروع من الصول فإنه يقطع لأنه لا حق للولد في مال والديه ولذا يحد بالزنا بجاريتهما ويقتل بقتلهما أما باقي القرابات من ذوي الرحام فيجب القطع على سرقة أواملهم من غير خلاف بينهم ا ه .
الشافعية قالوا : من شورط المسروق عدم شبهة فيه لحديث ( ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ) سواء في ذلك شبهة الملك كمن سرق مشتركا بينه وبين غيره أو شبهة الفاعل كمن أخذ مالا على صورة السرقة بظن أنه ملكه أو ملك أصله أو فرعه أو شبهة المحل كسرقة الابن مال أصوله أو احد الصول مال فرعه فلا قطع بسرقة مال أصل للسارق وإن علا وسرقة فرع له .
إن سفل لما بينهما من الاتحاد وإن اختلفت دينهما ولن مال كل منهما مرصد لحاجة الآخر ومنها أن لا تقطع يده بسرقة ذلك المالن بخلاف سائر القارب من ذوي الرحام وغيرهم فإنه يقطع بالسرقة منهم فقد ألحقهم الإمام الشافعي C تعالى بالقرابة البعيدة فيقطع .
الحنابلة قالوا : لا يقطع الوالدون وإن علوا فيما سرقوه من أموال أولادهم ولا يقطع الولد إذا سرق من مال أبويه ووجه الولد غلبة رحمة الوالد على ولده عادة حتى أنه لم يحصل أن والدا سعى في قطع ولده الذي سرق من ماله ابدا والحدود في الغالب إنما تقام تخليصا لحقوق العباد من بعضهم بعضا والثاني لأن الولد وما ملكت يداه ملك لوالديه استيفاء لما لهما من الحقوق إذ إن حقهما بعد حق الله تعالى : { واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا } . أما الأقارب من ذوي الأرحام فيقطع من سرق من أموالهم لأنهم ألحقوا بغيرهم من سائر الناس .
سرقة الزوجين من الآخر .
الحنفية قالوا : إذا سرق احد الزوجين من الآخر فلا يقطع واحد منهما سواء سرق من بيت خاص لأحدهما أو من بيت يسكنان فيه جميعا لن كلا من الزوجين متحد مع صاحبه كأنه هو ولتبادل المنافع بينهما ووجود الإذن في الدخول فاختل الحرز بينهما ولأن بينهما بسوطة في الأموال عادة ودلالة فإنها لما بذلت نفسها وهي أنفس من المال كانت بالمال أسمح ولن بينهما سببا يوجب التوارث من غير حرمان كالوالدين وقد ورد في موطأ عن عمر بن الخطاب أنه أتي بغلام سرق مرآة لامرأة سيده فقال : ليس عليه شيء خادمكم سرق متاعكم فإذا لم يقطع خادم الزوج فالزوج أولى بهذه الرخصة ولأن شهادة احدهما لا تقبل على الآخر لاتصال المنافع فكذلك لا يقطع أحدهما بمال الآخر ولو سرق احد الزوجين من الآخر ثم طلقها قبل الدخول بها فبانت من غير عدة فلا قطع على واحد منهما ولو سرق من أجنبية ثم تزوجها لا قطع عليه سواء كان التزوج بعد أن قضي بالقطع أو لم يقض .
وورد عن أبي يوسف C تعالى أنه قال : إذا كان التزوج بعد أن قضي عليه بالقطع يقطع ولو سرق من امرأته المبتوتة أو المختلعة في العدة لا قطع وكذلك إذا سرقت هي من الزوج في العدة . الشافعية في أرجح اقوالهم والمالكية والحنابلة في احدى رواياتهم قالوا : أنه يقطع من سرق من الزوجين من الآخر من حرز خاص للمسروق منه . زاد مالك : ولا يقطع من سرق من بيت يسكنان فيه جميعا للإذن في الدخول .
الشافعية في القول الآخر والحنابلة في الرواية الخرى قالوا : إنه لا يقطع احدهما بسرقة مال الآخر لن كلا من الزوجين مع صاحبه متحد معه ولوجود المودة والرحمة التي بينهما بالزواج . قال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } .
الشافعية في قولهم الثالث قالوا : إنه يقطع الزوج خاصة لأن المرأة لها حق النفقة عليه وحق الكسوة فلا تقطع للشبهة في استحقاقها بعض ما سرقته ولو بحكم الشيوع في ماله بخلاف العكس فإن الزوج لا حق له في مال الزوجة . والمرجح من مذهب الشافعية : أنه يقطع أحد الزوجين بسرقة مال الآخر إن كان محرزا عنه والله تعالى اعلم .
مطالبة المسروق منه بالقطع . الحنفية والحنابلة وأصحاب الشافعي قالوا : إن القطع يتوفق على مطالبة من سرق منه ذلك المال لأن الغلب في حد السرقة حق المخلوق لأن الخصومة شرط لظهور السرقة والخصم هو المسروق منه .
المالكية والحنابلة في إحدى رواياتهم قولا : إن القطع لا يفتقر إلى مطالبة المسروق منه بل ينف بدونه لأن الغالب في حد السرقة حق الخالق لا حق المخلوق ولعموم الآية الكريمة وكما في حد الزنا .
اشتراك جماعة في السرقة .
اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أنه لو اشترك جماعة من اللصوص في سرقة شيء من المال ونال كل واحد منهم نصاب السرقة فإنه يجب اقامة الحد على كل واحد منهم فتقطع يده لودو السرقة من كل واحد منهمن لأن الأخذ وجد من الكل معنى لدخوله الحرز وفعلا لمعاونته للآخرين في أخذ المال المسروق فإن السراقة يعتادون ذلك فينسب الفعل إلى الكل شرعا أما إذا سرقوا جميعا ما قيمته نصاب واحد دون أن يكون حظ كل واحد منهم نصابا فقد اختلفا فيه .
الحنفية والشافعية قالوا : لا قطع عليهم بحال لأن القطع يجب على كل واحد منهم بجنايته فيعتبر كمالها في حقه ولم يسرق واحد منهم ما قيمته نصاب القطع فم تتم السرقة بشروطها والقطع إنما علق بالنصاب لا بما دونه لمكان حرمة اليد فلا تقطع ايد كثيرة فيما أوجب فيه الشرع قطع يد واحدة مراعاة عظمة عضو الآدمي وتحقير الدنيا ومتاعها فلا قطع والحديث ( اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك ) .
المالكية قالوا : إذا كان المال المسروق مما يحتاج إلى تعاون عليه قطعوا جميعا . وإن كان مما يمكن للواحد الانفراد به ففيه قولان أحدهما يقام عليهم الحد جيمعا والثاني لا يقطعون وإذا انفرد كل منهم بشيء أخذه لم يقطع واحد منهم بشيء أخذه لم يقطع واحد منهم إلا أن يكون قيمة ما أخرجه نصابا ولا يضم إلى ما أخرجه غيره فإن الله يقول : { ولاتزر وازرة أخرى } ولا قطع فيما دون النصاب .
الحنابلة قالوا : يجب عليهم القطع جميعا سواء أكان المسروق من الأشياء الثقيلة التي تحتاج إلى معاونة اولا ؟ وسواء اجتمعوا على إخراجه من الحرز أو انفرد كل واحد بإخراج شيء أذا صار المال المسروق بمجموعه نصابا تعظيما لحرمة الأموال . وتشديدا في المحافظة على حقوق العباد . ولأن العقوبة إنما تتعلق بقدر مال المسروق أي إن هذا القدر من المال المسروق هو الذي يوجب القطع لحفظ المال ومراعاة لحرمته حتى نسد الباب أمام عصابات الإجرام التي تجتمع على نهب أموال الناس .
إذا دخل الحرز جماعة .
الحنفية والحنابلة قالوا : إذا دخل الحرز جماعة من اللصوص فتولى بعضهم الأخذ ولم يخرج الباقون شيئا ولا أعانوا في الإخراج . وكان نصيب كل واحد منهم نصابا قطعوا جميعا لأن الإخراج وإن قام به البعض ولكنه في المعنى حصل من الكل لتعاونهم جميعا في السرقة ولأن قدرة الآخذ إنما هي بهم جميعا فإن اللصوص يعتادون ذلك فيتفرغ غير الحامل للدفع فلو امتنع القطع أدى إلى سد باب الحد وإن لم يمتنع لم يضر فوجب التشديد على من ساعد في النقب وإن لم يخرج متاعا ولم يعن في الحمل وإنما اشترط دخول الكل لنهم إذا اشتركوا واتفقوا على فعل السرقة لكن دخل واحد منهم البيت أو بعضهم واخرجوا المتاع ولم يدخل غيرهم فالقطع على من دخل البيت وأخرج المتاع إن عرف من بينهم وإن لم يعرف الداخل فيجب علينهم التعزير وحبسهم إلى أن تظهر توبتهم ولا يجب القطع على من لم يدخل الدار لأنه لم يتأكد معاونتهم بهتك الحرز بالدخول فم يعتبر اشتراكهم لما أن كمال هتك الحرز إنما يكون بالدخول .
( يتبع . . . )