- ومثل الخيانة والغصب سائر المخالفات المالية فإنه لا يمكن ضبط عقوبة مضطردة لها لأن آثارها تختلف اختلافا كبيرا ( 1 ) مثلا شخص بذر ماله في المباحات والزخارف حتى نفد ماله فإن عمله هذا في نظر الشريعة الإسلامية لا يجوز ولكن ضرره يختلف فإذا كان في بيئة صالحة مستقيمة بحيث لا يتأثر به أحد كان الضرر مقصورا عليه وحده اما إذا كان في بيئة سريعة التقليد فإن ضرر عمله يتعداه للغير فيكون قدوة سيئة ولذا يجب أن يترك تقدير تأديبه للحاكم . ولذا ولذا قال بعض الأئمة : إذا كان بذر ماله في مباح فإن ذلك التبذير لا يوجب الحجر عليه ولكن الجمهور يقولون : إن التبذير لا يوجب الحجر والحجر نوع من أنواع التعزير فإن فيه اعلانا بأن الرجل لا يحسن التصرف ولا يوثق له في باب الأموال وذلك توبيخ مستمر لا يرضاه عاقل . أما التبذير في الشهوات المحرمة فإنه يوجب الحجر باتفاق .
( 1 ) ( المختلس .
الشافعية والمالكية والحنابلة - قالوا : إن جاحد العارية يقطع إذا بلغت قيمة ذلك نصابان وذلك لأن جعل العارية عنده كجعلها في حرز بجامع أنه استأمنه على حفظها فكان جحده لها كفتح الحرز وأخذها لاسيما ما ورد في الحديث من أنها ضمونة ولما روي ( أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده . فأمر النبي A بقطعها ) . الحنفية قالوا : من استعار شيئا من غيره ولما طلبه صاحبه أنكر المال ولم يرده وكانت قيمته نصابا أو أكثر وثبت ذلك عليه . فلا قطع عليه وذلك لأن المعتبر هو المفرط في إعارة من لا يؤمن منه الجحد فما استأمنه أولا كان من المعروف عدم قطعه ثانيا إذا عرضت له الخيانة ولأن الحرز قاصر هنا لأنه قد كان في يد الخائن وحرزه لا حرز المالك على الخلوص وذلك حرزه وإن كان حرز المالك فإنه أحرزه بإيداعه عنده لكنه حرز مأذون للسارق في دخوله .
وقد أجاب الحنفية عن حديث السيدة عائشة Bها الذي احتج به الأئمة الثلاثة في وجوب القطع على الخائن والخائنة بأن القطع الذي حدث كان عن سرقة لا عن جحد عارية أو خيانة بعد أن كانت المرأة متصفة مشهورة بجحد العارية فعرفتها عائشة بوصفها المشهور فالمعنى أن امرأة كان وصفها جحد العارية فسرقت فأمر النبي A بقطعها بدليل أن في قصتها أن أسامة بن زيد شفع فيها الحديث إلى أن قال : فقام عليه الصلاة السلام خطيبا فقال : ( إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه واذاسرق فيهم الضعيف قطعوه ) وهذا بناء على أنها حادثة واحدة لا مرأة واحدة لأن الصل عدم التعدد وللجمع بين الحديثين خصوصا وقد تلقت المة الحديث الآخر بالقبول والعمل به فو فرض انها لم تسرق كان حديث جابر مقدما ويحمل القطع بجحد المتاع وأخرى بالسرقة يحمل على نسخ القطع بالعارية بما قلنا فقد روي في سنن أربعة من حديث جابر عنه E أنه قال : ( ليس على خائن ولا متهب ولا مختلس قطع ) رواه الخمسة وقال الترمذي : حديث حسن صحيح وقال رسول الله A : ( لا قطع على مختلس ولا منتهب ولا خائن .
جاحد الوديعة .
الحنفية والشافعية والمالكية قالوا : إن جاحد الوديعة لا يقطع ولو ثبت ذلك عليه وكان المال المودع نصابا فأكثر وذلك لأن المودع هو المفرط في إيداع ماله لمن لا يحفظهن ويرده إليه سالما واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق والجاحد للوديعة ليس بسارق . الحنابلة وإسحاق وزفر والخوارج قالوا : يجب أن يقام حد السرقة على جاحد العارية ويعقطع لأنهم لم يشترطوا في القطع ان يكون من حرز ولأن جاحد الوديعة داخل في اسم السرقة لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما بخلاف المختلس والمنتهب كما قال أبن القيم C تعالى . واستدلوا على مذهبهم بما روي عن أبن عمر قال : ( كانت مخزومية تستعير المتعاع وتجحده فأمر النبي A بقطع يدها ) رواه أحمد والنسائي وأبو داود .
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن الجحد للعارية وإن كان مرويا فيها عن طريق عائشة وجابر وأبن عمر وغيرهم لكنه ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة وفي رواية من حديث أبن مسعود ( أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله A ) أخرجه أبن ماجة والحاكم وصححه ( ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا ) قالوا : والجمع ممكن بأن يكون الحلي في القطيفة فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرقة فذكر الجحد للعارية لا يدل على أن القطع كان له فقط ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بها ويمكن أن يجاب بأن النبي A نزل ذلك الجحد منزلة السرقة فيكون دليلا لمن قال : أنه يصدق اسم السرقة على جحد الوديعة .
قال الشوكاني : ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع كان لأجل ذلك الجحد كما يعشر به قوله في حديث أبن عمر بعد وصف القصة فأمر النبي A بقطع يدها ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بأنها سرقت فالحق : قطع جاحد الوديعة ويكون ذلك مخصصا للأدلة الدالة على اعتبار الحرز ووجهه أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية فو علم المعير أن المستعير إذا جحد العرية لا شيء عليه لجر ذلك إلى سد باب العارية وهو خلاف المشروع . اه .
المنتهب والخائن .
الحنفية والمالكية واشافعية قالوا : لا يقطع المنتهب لأنه مجاهر بقعله والخائن لقصور في الحرز والمختلس لأنه ليس بسارق والعرب أطلقت عليه أسما آخرغير اسم ( السارق ) والآية والأحاديث نصت على أن القطع على السارق فلا يقاس عليه غيره والمراد بالخائن وهو من يأخذ المال خفية ويظهر النصح للمالك والمتهب : هو من ينتهب المال على جهة القهر والغلبة وأما المختلس فهو الذي سلب المال على طريقة الخلسة وقال في النهاية : هو من يأخذ المال سلبا ومكابرة قال رسول الله A : ( ليس على المختلس ولا على الخائن قطع ) .
الحنابلة والإمام زفر قالوا : أنه يجب القطع على المختلس والمنتهب والخائن لعدم اعبارهم الحرز ولأنه نوع من السرقة وأرى أن الاختلاسات في هذا العصر من الوزارات والشركاتق قد تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات فيجب إقامة الحد على هؤلاء فقد نشرت الجرائد أن أحد الموظفين اختلس 2 مليون جنيه في سنة واحدة . فيجب الضرب بشدة على أيدي هؤلاء حتى تحمي أموال الدولة .
إذا تغير الشيء المسروق .
اتفق الأئمة على أنه إذا سرق انسان عينا عبثا فقطع فيها ثم ردها إلى مالكها بأن كانت قائمة ثم تغيرت عن حالتها مثل أن يكون المسروق الذي قطع به غزلا ثم نسج أو قطنا فاصبح غزلا ثم عاد فسرقه ثانية فإنه يقطع فيه لأن العين قد تبدلت ولهذا يملكه الغاصب ويجب عليه ضمان قيمته ولأن العين إذا تبدلت انتفت الشبهة الناشئة من اتحاد المحل والقطع .
سرقة ما ليس بمال .
واتفق الآئمة على أنه إذا سرق خمرا أو خنزيرا أو كلبا ( ولو مقتنى للحراسة ) أو جلد ميتة بلا دبغ فلا يجب القطع لأن هذه الأشياء ليست بمال فإن بلغ إناء الخمر نصابا قطع به وكذلك إن شارك السارق غير مكلف كصبي ومجنون ومن سكر بحلال فلا قطع لغير المكلف وكيذلك إن شاركه والد صاحب المال فلا قطع لدخوله مع ذي شبهة قوية ولا قطع على من سرق أضحية ذبحت وهي تساوي نصابا لخروجها لله بالذبح وكذلك الهدي في الحج أما لو سرقت قبل الذبح فإنه يقطع سارقها كما لو سرق قدر نصاب من لحمها أو جلدها الذي ملكه الفقير بصدقة فيقطع وإذا ملكه السارق بإرث أو شراء قبل إخراجه من الحرز أو نقص عن مقدار نصاب بأكل وغيره لم يقطع بسرقته .
إذا ادعى السارق أنه ملكه .
المالكية - قالوا : إن السارق إذا ادعى أن المسروق من الحرز ملكه بعد قيام بينة على أنه سرق نصابا من حرز قطع بكل حال ولا تقبل دعواه المك لقوة التهمة وغلبنة الكذب على مثل السارق وهروبه مما يوجب قطع يده أو رجله وضعف إيمانه .
الحنفية والشافعية والحنابلة في احدى رواياتهم قالوا : أنه لا يقطع وسماه الإمام الشافعي السارق الفقيه لأن قوله : هذا ملكي يحتمل الصدق وهو شبهة يدرأ بها الحد وإن لم يقم بينة .
الحنابلة في أحدى رواياتهم قالوا : إنه لا يقطع وفي الرواية الأخرى : إنه يقبل قوله إذا لم يكن معروفا بالسرقة ويسقط عنه القطع وإن كان معروفا بالسرقة قطع وهو الرجح لئلا يتخذ الناس ذلك دريعة لدفع الحد عنهم . واتفقوا : على أنه إذا ابتلع السارق في الحرز مالا لا يفسد بالابتلاع كالجواهر قدر نصاب ثم خرج فإنه يقطع به . أما إذا ابتلع شيئا يتلف بالابتلاع كاللحم والعنب ما يساوي نصابا فلا قطع عليه بل يجب عليه الضمان فقط وإذا أتلف شيئا في الحرز بحرق أو كسر فإنه يضمنه أما إذا أخرجه سالما ثم تلف المال بعد الخروج من الحرز فإنه يقطع به وإذا أشار إلى حيوان بعلف ونحوه فخرج من الحرز إليه ثم سرقه فإنه يقطع به لأنه خرج من الحرز بعمله .
السرقة من الغنيمة وبيت المال .
الحنفية قالوا : إن السارق من المغنم لا يقطع لأن له قيه نصيبا وهو مأثور عن الإمام علي كرم الله وجهه وBه درأ وتعليلا رواه عبد الرزاق في مصنفه أخبر الثوري C تعالى عن سمالك بن حرب عن أبي عبيدة بن الأبرص وهو زيد بن دثار أنه قال : اتي الإمام علي برجل سرق من الغنيمة مفرا قبل قسمتها فلم يقطعه .
الشافعية قالوا : من سرق من مال بيت المال أو الغيمة ان فرز لطائفة القربى والمساكين والمجاهدين وكان هو واحدا منهم أو اصله أو فرعه فلا قطع عليه لأنه سرق من مال له فيه حق ثابت وإن فرز لطائفة ليس هو منهم فيجب القطع إذ لا شبهة له في ذلك . أما إذا لم يفرز لطائفة فلا قطع . والأصح إن كان له حق في المسروق كمال مصالح بالنسبة لمسلم فقير جزما أو غني على الأصح وكصدقة وهو فقير أو غارم لذات البينن أو غاز فلا يقطع لاستحقاقه في المالن وإن لم يكن له فيه حق قطع لانتفاء الشبهة .
المالكية قالوا : إن سرق من بيت المال مقدار نصاب فإنه يقطع لأنه يقطع لأنه مال محرز ولا حق له فيه وكذا الغنيمة بعد حوزها إن كثر الجيش أو قل واخذ فوق حقه نصابا وقيل : يقطع مطلقا إن سرق من الغنيمة . الحنابلة قالوا : لا يقطع السارق من بيت المال لأنه مال العامة وهو منهم .
سرق الخيمة .
الشافعية قالوا : الخيمة إن كانت مضروبة بين العمائر فهي كمتاع بين يديه في السوق وإن كانت في الصحراء وبم تشد أطنابها وترخى أذيالها فهي وما فيها كمتاع بصحراء وإن شدت أطنابها وأرخيت أذيالها فهي حرز لما فيها بشرط أن يوجد حافظ قوي لو كان قائما فيها أو بقربها فلو لم يكن فيها ولا بقربها احد أو كان وهو ضعيف وبعيد عن الغوث فليس حرزا فمن سرق منها متاعا فلا يقطع . المالكية قالوا : الخيمة المنصوبة في سفر أو حضر كا فيه أهله أم لا فإنها حرز لما فيها وحرز لنفسه أيضا فإذا أخذ شيئا منها أو أخذها هي وكان المأخوذ يساوي نصابا قطعت يد السارق .
الحنفية قالوا : الخيمة إذا كانت مضروبة وسرق منها شيئا قطع ولو سرقها لا يقطع لأنها ليست محرزة بل ما فيها محرز بها .
سرقة الكعبة المشرفة .
المالكية قالوا : من سرق شيئا من داخل الكعبة المشرفة فأن كان في وقت أذن له بالدخول فيه لم يقطع لأنه لا حرز في حقه وإلا قطع أن أخرجه لمحل الطواف ومما فيه القطع ما عليها وما علق بالمقام ونحو الرصاص المسمر في الأطين . أفاده في حاشية الأصل . ا ه .
الشافعية قالوا : يقطع من سرق ستر الكعبة إن خيط عليها لآنه حينئذ محرز .
الحنابلة قالوا : إن من سرق شيئا من أتار الكعبة أو من داخلها وكان يساوي ثمنه نصابا فإنه يجب عليه القطع لأنه انتهك حرمة بيت الله تعالى فدل ذلك على ضعف إيمانه وعدم معرفته بعظمة حرمة الكعبة المشرفة ونستبها إلى الله تعالى فيجب أن يشدد عليه ويقطع بسرقته .
الحنفية قالوا : من سرق من أستار الكعبة ما يبلغ ثمنه مثدار نصاب فلا يجب عليه القطع لأنه لا مالك له ولأنه ريما قصد بها التبرك . وقيل : إن القطع في سرقة ستارة الكعبية على الخواص الذين قوي إيمانهم وعرفوا عظمة حرمة بيت الله الحرام ونسبة الكعبة إلى رب العزة تبارك وتعالى لما ورد في الحديث من تغليظ العقوبة على السارق في الحرم أما رعاع الناس وعوامهم الذين غلظ حجابهم وجهلوا كونهم في حضرة الله تعالى وغابوا عن تتضيمها فإنهم يعزرون ولا يقطعون بسرقة بعض أستارها .
سرقة المسجد .
الحنفية قالوا : لا يجب القطع في سرقة أبواب المسجد لعدم الحرز لأنه باد للغادي والرائح ولا حافظ عنده . ولا قطع أيضا بسرقة متاع المسجد كحصره وقناديله وشبابيكه وبلاطه وأستاره لعدم وجود الحرز وإذا انتفى الحد .
المالكية قالوا : المسجد حرز لبابه وما فيه من البسط والحصر والقناديل حيث كانت تترك فيه فيقطع من سرقها إذا بلغ ثمنها نصابا ولا يشترط في قطع من سرق من المسجد أن يخرجه منه بل ولو بإزالتها عن محلها إزالة بينة وشمل بلاطه وسقفه . أما إذا كانت البسط تفرض نهارا فقط فتركت ليلة فسرق منها فلا قطع على سارقها .
( يتبع . . . )