الشافعية - قالوا : يقام الحد على المرأة في هذه الحال لأنها زنت وهي تعلم وكذلك الرجل لما روي أن رجلا كان قد واعد جارية له مكانا في خلاء فعملت جارية أخرى بذلك فأتته فحسبها جاريته فوطئها ثم علم بها بعد ذلك . فأتى عمر بن الخطاب Bه فقال له : ائت علي بن أبي طالب فسأل عليا كرم الله وجهه فقال له : أ { ى أن تضرب الحد في خلاء وتعتق رقبة وعلى المرأة حد الزنا .
من زفت إليه غير امرأته .
اتفق الأئمة الأربعة : على أن الرجل إذا زفت إليه غير امرأته ليلة الدخول بها وقال له النسوة : هي امرأتك . فوطئها ثم تبين له أنها ليست زوجته وأنه غرر به عليه الحد لوجود هذه الشبهة ويجب عليه المهر وعلى المزفوفة العدة ويثبت النسب ولا يحد قاذفه بذلك حكم سيدنا عمر بن الخطاب Bه . ولأن الرجل لا يرف امرأته أول مرة إلا بإخبار النساء له فقد اعتمد دليلا شرعيا مبيحا للوطء ولأن الملك ثابت له من حيث الظاهر بإخبارهن ولأن قول الشاهد الواحد مقبول ويعمل به المعاملات .
ظهور الحمل على امرأة لا زوج لها .
الحنفية - قالوا : إذا ظهر على المرأة الحرة حمل ولا زوج لها أو كانت أمة لا زوج لها ولا سيد . يسألونها فإذا قالت : استكرهت على الزنا أو وطئت بشبهة يقبل قولها ولا يقام عليها الحد لأنها بمنزلة من أقر ثم ادعى الاستكراه .
واحتجوا على ذلك بما جاء في حديث شراحة أن الإمام عليا Bه قال لها : لعله استكرهك ؟ قالت : لا . قال لعل رجلا أتاك في نومك ؟ وهكذا .
ولأن الشرع يحب الستر في الحدود .
وروي أن سيدنا عمر بن الخطاب Bه أنه قيل له : إن امأة ادعت أنها ثقيلة النوم وأن رجلا استكرهها ثم تركها فمضى عنها ولم تدر من هو بعد . فلم يقم عليها الحد وقبل عذرها لهذه الشبهة .
ولا خلاف بين أهل الإسلام في أن المستكرهة لاحد عليها وإنما اختلفوا في وجوب الصداق لها .
وسبب الخلاف هو : هل الصداق عوض عن البضع أو نحلة ؟ .
فمن قال : هو عوض عن البضع أوجبه في البضع الحلال والحرام .
ومن قال : إنه نحلة خص الله به الأزواج لم يوجبه إلا على الزوج خاصة .
الشافعية - عندهم روايتان أظهرهما أنها لا تجب عليها الحد وإن لم تأت في دعوى الاستكراه بأمارة تدل على صدقها ولم تأت في دعوى الزوجية ببينة لأن الحد لا يثبت إلا بشهود أو لإقرار ولم يثبت هنا ولأن الحدود تقسط بالشبهات وهذه شبهة فمجرد الحنل لا يثبت به الحد . بل لا بد من الاعتراف أو البينة .
المالكية - قالوا : إن كانت المرأة مقيمة بالحي وليست طارئة فإنه يقام عليها الحد ولا يقبل قولها إلا ان يظهر ذلك بأن تأتي بأمارة على استكراهها أو تقيم البينة على زواجها أو شيء مما يظهر به صداقها لأن الحد ثبت بالحمل فلا يرفع إلا ببينة .
أما إذا كانت المرأة طارئة قبل قولها لوجود شبهة وعدم التوثق في ثبوت حدها .
زنا المحصن بغير المحصنة .
إذا زنا رجل محصن حر ببكر أو بأمة أو بمستكرهة .
قال جمهور جمهور العلماء : على المحصن في هذا كله الرجم لعدم وجود شبهة تدرأ الحد وعلى المرأة البكر الجلد مائة جلدة وعلى الأمة خمسون جلدة . وليس على المستكرهة شيء .
إكراه السلطان .
ومن أكرهه السلطان حتى زنا بامرأة فلا حد عليه لأن السبب الملجئ إلى الفعل قائم وهو قيام السيف وكذا المرأة المكرهة لا تحد بالإجماع .
فإن حصل الإكراه من غير السلطان . اختلف فيه .
الحنفية - قالوا : يقام عليه الحد لأن الزنا من الرجل لا يتصور إلا بعد انتشار الآلة فيه وهذه علامة الطواعية والرضا .
الشافعية والمالكية والحنابلة - والصاحبان - قالوا : لا يقام الحد على المكره بغير السلطان .
استكراه الرجل المرأة على الزنا .
الشافعية - قالوا : إذا استكره الرجل المرأة على الزنا أقيم عليه الحد ولا يقام عليها لأنها مستكرهة مغلوبة على أمرها ولها مهر مثلها حرة كانت أو أمة ويثبت النسب منه إذا حملت المرأة وعليها العدة .
فإذا كانت أمة نقصت الإصابة من ثمنها شيئا قضى عليه مع المهر بما نقص من ثمنها .
وأما إذا كانت حرة فجرحها جرحا له أرش قضي عليه بأرش الجرح .
وكذلك لو ماتت من وطئه كانت عليه دية الحرة . وقيمة الأمة والمهر .
استئجار المرأة للزنا .
الحنفية - قالوا : إذا استأجر الرجل امرأة للزنا - قبلت ووطئها فلا يقام الحد عليهما ويعزران بما يرى الإمام وعليهما إثم الزنا يوم القيامة . لما روي أن امرأة طلبت من راعي غنم في الصحراء أن يسقيها لبنا - فأبى أن يعطيها اللبن حتى تمكنه من نفسها ونظرا لضرورتها وحاجتها إلى الطعام قبلت المرأة . ووطئها الراعي - ثم رفع الأمر إلى سيدنا عمر بن الخطاب Bه فدرأ الحد عنهما وقال : ذلك مهرها وعد هذا استئجار لها . ولأن الإجارة تمليك المنافع فأوردت شبهة عندهما . ولأن الله تبارك وتعلى قد سمى المهر أجرا في كتابه العزيز فقال تعالى : { فأوتوهن أجورهن فريضة } فهو كمن قال : أمهرك كذا فهو نكاح فاسد .
وسواء كان المؤجر لها وليها أم سيدها حرة كانت أو أمة إذا لم تكن في عصمة رجل .
ولأن عقد الإجارة عنده شبهة تدرأ الحد عنه مع أنه يحرم الإقدام على ذلك .
الصاحبان قالا : يجب إقامة الحد عليهما . لأن منافع البضع لا تملك بالإجارة فأصبح وجود الإجازة وعدمها سواء فلا تعد شبهة تدرأ الحد عنهما . وصار الرجل كأنه وطأها من غير شرط وذلك الرأي هو الراجح المعمول به في المذاهب .
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : يقام الحد عليهما ولا يصير الاستئجار شبهة تدرأ الحد عنهما لأن حد الإجارة لا يستباح به الفرج شرعا وعرفا فصار كما لو استأجرها للطبخ ونحوه من الأعمال ثم زنا بها فإنه يقام عليه الحد في هذه الحال . من غير خلاف من أحد من العلماء .
من زنا بكرا ومحصنا .
الحنفية والمالكية والشافعية - وفي رواية عن الحنابلة - قالوا : لو زنا رجل وهو بكر ثم زنا بعد ذلك وهو محصن قبل إقامة الحد عليه فلا يجمع عليه الجلد والرجم وإنما يجب عليه إقامة حد الرجم خاصة لأنه لا فائدة في الجلد مع وجوب قتله ورجمه حيث لا يحصل منه الانزجار .
الحنابلة - قالوا : في رواية عنهم : إنه يجب الجمع بين الجلد أولا والرجم بعد ذلك تنفيذا للحدين حتى يكون عبرة لغيره . وحتى نأخذ لكل فعل حده .
العقد على المرأة في عدتها .
المالكية والشافعية والحنابلة - قالوا : إذا عقد رجل على امرأة وهي في عدة زوجها الأول ودخل عليها فإنه يجب عليه إقامة الحد . فإن كان بكرا جلد مائة جلدة وإن كان محصنا رجم بالحجارة .
ولا يكون هذا العقد شبهة تدرأ الحد عنهما .
الحنفية - قالوا : لا يجب عليهما إقامة الحد وإنما يجب عليهما التعزير حيث ان العقد شبهة مقبولة تدرأ الحد عنها والحدود تدرأ بالشبهات .
العقد على الخامسة .
المالكية - قالوا : إذا عقد رجل على امرأة خامسة ومعه أربع نسوة . فإن كان يعلم بحرمتها أقيم عليه الحد أما إذا جرى العقد ولم يعلم بتحريمها فلا يقام عليه الحد ويكون عدم علمه شبهة تدرأ الحد عنه .
ولا يعمل بقول الخوارج الذين قالوا : إنه بجوز العقد على تسع نسوة مستدلين بجمع النبي A لثمان نسوة ولا يكون ذلك خصوصية له لأنه قدوة لنا نقتدي به ويحتجون بقوله تعالى : { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } .
والرد عليهم بأن الزيادة على الأربع من خصوصيات الرسول صلوات الله وسلامه عليه وبأن حرف " الواو " في الآية بمعنى " أو " التي للتخير لا للجمع .
وبما روي أن رجلا أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبي أن يمسك أربعا ويفارق الباقي .
العقد على المحارم .
المالكية والشافعية والخنابلة وأبو يوسف والإمام محمد من الحنفية - قالوا : إذا عقد رجل على امرأة لا يحل له نكاحها بأن كانت من ذوي محارمه كأمه وأخته مثلا أو محرمة من نسب أو رضاع ثم وطأها في هذا القعد وهو عالم بالتحريم فإنه يجب عليه إقامة الحد لأن هذا العقد لم يصادف محله لأنه لا شبهة فيه عنده ويلحق به الولد .
الإمام أبو حنفية - قال : لا يجب عليه إقامة الحد وإن قال : علمت أنها علي حرام لكن يجب عليه بذلك المهر ويلحق به الولد ويعاقب عقوبة هي أشد ما يكون من أنواع النعزير سياسيا لا حد مقدرا شرعا إذا كان عالما بذلك .
فإذا كان يجهل الحكم ولم يعلم بالحرمة فلا حد ولا عقوبة تعزير . والقول الراجح قول الجمهور .
وعلى هذا الخلاف كل محرمة برضاع أو مصاهرة . ومحل الخلاف أن هذا العقد يوجب شبهة أم لا ؟ .
فعند الجمهور لا . وعند الإمام أبي حنيفة وسفيان الثوري وزفر نعم يوجب شبهة . ومدار كونه يوجب شبهة على أنه ورد على ما هو محله أولا . فعند الجمهور لم يرد على محله لأن محل العقد لا يقبل حكمه وحكمه الحل وهذه من المحرمات في سائر الحالات فكان الثابت صورة العقد لا انعقاده لأنه لا انعقاد في غير المحل كما لو عقد على ذطر مثلا .
والفتوى على قول الأئمة الثلاث والصالحين لأنه الراجح .
قال العلماء : والعقد ليس شبهة وإنما هو جناية توجب العقوبة انضمت إلى الزنا .
الزنا بالمحارم .
ومن زنا بالمحارم سواء أكان بالمصاهرة أو بالقرابة أو بالرضاع قال سيدنا جابر بن عبد الله Bهما : يضرب عنقه ويضم ماله إلى بيت المال عقوبة له على ما فعل وزجرا لغيره عن الوقوع في هذه الجناية الخطيرة .
ونقل عن الإمام أحمد وإسحاق : وجوب قتله سواء أكان بكرا أم محصنا إذا كانت المفعول بها امرأة أبيه لحديث البراء Bه حيث قال : لقيت خالي ومعه راية . فقلت له : ( أين تريد ؟ فقال : بعثني رسول الله A إلى رجل نكح امرأة أبيه أن أضرب عنقه وآخذ ماله ) رواه أبو داود والترمذي . وقال حديث حسن .
وروى ابن ماجة عن ابن عباس Bهما أن رسول الله A قال : ( من وقع على ذات محرم منه فاقتلوه ) لأنه اعتبر مسنحلا لما حرم الله مرتدا عن الإسلام فحل قتله وضم ماله إلى بيت مال المسلمين . وذلم لازم للكفر .
والحديث الشريف يشمل كل ناكح وكل زان بمحرمه وقد أجمع العلماء على أن من نكح محرما بأي نوع من أنواع المحارم المؤبدة فإنه يقتل حيث انه خرج عن الفطرة الإنسانية وانحط إلى درجة الحيوان الأعظم . وأصبح ساقط فاقد الكرامة عديم الشرف والشعور فيقتل جزاء هذا الفعل الشنيع الذي تنفر منه العقول السليمة .
وقد روي عن معاوية بن قرة عن أبي أن النبي A بعث جد " معاوية " إلى رجل عرس بامرأة ابنه . ( أن يضرب عنقه ويخمس ماله ) وهذا دليل على أنه استحل ذلك الفعل . فارتد بسببه عن الإسلام ولأنه وطئ في فرج محرم مجمع على تحريمه من غير ملك ولا شبهة ملك . والواطئ أهل للحد عالم بالتحريم فيجب إقامة الحد عليه .
إذا وطئ السيد أمته المتزوجة .
الحنفية والمالكية والشاقعية - قالوا : إذا وطئ السيد أمته المتزوجة برجل آخر فإنه لا يجب عليه إقامة الحد لوجود شبهة الملك السابق فيدرأ عنه الحد .
الحنابلة - قالوا : يجب إقامة الحد عليه ولا يقبل عذره لعدم قيام شبهة الملك . حيث أنها تزوجت وخرجت عن ملكه وأصبحت في عصمة غيره وصارت محرمة عليه بيقين ولا قيام بشبهة عنده بعد أن خرجت من ملكه وحرمت عليه بالإجماع من غير خلاف .
جهل الرجل بحالة المرأة .
الشافعية - قالوا : لو أن رجلا أخذ مع امرأة أجنبية عنه وكانا في خلوة فاعترف أنه نكحها وقال انه لا يعلم أن لها زوجا أو أنها في عدة من زوج أو أنها قريبة له ذات محرم أو أنها أخته من الرضاع أو أنها أم زوجته فإنه يحلف على ذلك فإذا حلف اليمين يدرأ عنه الحد ولا يقام عليه لوجود هذه الشبهة التي ادعاها ويلزمه دفع المهر . وكذلك المرأة إذا ادعت الجهالة بأن لها زوج أنها في عدة أحلفت وبعد اليمين تقبل دعواها ويدرأ عنها الحد وإن نكلت عن حلف اليمين حدت .
أما إذا قال الرجل : أنا أعلم أن لها زوجا أو أنها في عدة من زوج أو أنها ذات محرم وأعلم أنها محرمة علي ففي هذه الحالة يجب أن يقام عليه حد الزنا ويلزمه مهرها وإذا اعترفت المرأة بأنها تعلم أنها متزوجة وفي عصمة زوجها أو أنها لم تنقض عدتها وغير ذلك أقيم عليها حد الزنا لعدم وجود الشبهة .
المالكية - قالوا : يجب الحد عليه إذا وطئ معتدة منه بعد العدة أو في عدة من غيره وإذا وطئ أختا تزوجها على أختها فإنه يؤدب إلا إذا قال : لا أعلم الحكم فإنه يعذر بجهله واختلف في إقامة الحد عليه إذا أكره على الزنا بامرأة وكانت طائعة ولا زوج لها ولا سيد والشمهور أنه يحد أما إذا كان لها زوج أو سيد فإنه يحد انفاقا لحق الزوج والسيد .
من وطئ جارية زوجته .
الحنفية - قالوا : إذا وطئ الرجل جارية زوجته بإذان منها : فإن قال : ظننت أنها علي حلال قبل قوله وصار شبهة فلا يقام الحد عليه لأن مال الزوجة فيه شبهة الملك للزوج خصوصا إذا اذنت له الزوجة في نكاحها . فكأنها أعطته حق الملك .
أما إذا قال الرجل علمت التحريم فإنه يقام عليه الحد لعدم وجود شبهة تدرأ الحد عنه .
المالكية والشافعية - قالوا : يقام الحد عليه فيجلد إن كان غير محصن ويرجم إن كان محصنا . لأنه وطء دون ملك تام ولا شركة ملك ولا شبهة نكاح فوجب عليه الحد .
( يتبع . . . )