- على أنه إذا وجد مع امرأة لا زوج لها فإن له أن يدعي أنه تزوجها وذلك شبهة تدرأ الحد في بعض المذاهب ( 1 ) .
( 1 ) ( الشبهة : هي ما يشبه الثابت وليس بثابت وقد وقع خلاف بين الفقهاء في بعض الأفعال : هي شبهة صالحة للدرء أم لا ؟ وكون الحد يحتال في درئه بالاستفسار عنه حتى يتضح قصد الزاني . أأخطأ في التهم أم لا أكانت عنده شبهة الحل وقت أن وقع في الخطأ أم لا ؟ ومن المعلوم أن هذه المناقشات وهذه الاستفسارات المفيدة لقصد الاحتيال للدرء كانت بعد الثبوت لأنه كان بعد صريح الإقرار لقوله A ( ادرؤوا الحدود بالشبهات ) .
الحنفية قالوا : الشبهة عندهم قسمان شبهة الفعل وهي واقعة في ثمانية مواضع وهي : .
- 1 - أن يطأ جارية أبيه وأمه أو جده أو جدته وإن علا لشبهة الملك .
- 2 - أن يطأ جارية زوجته لشبهة أن مال الزوجة ملك للزوج .
- 3 - أن يطأ المطلقة ثلاثا وهي في العدة لزوال الملك المحلل من كل وجه فتكون الشبهة منطقية لقوله تعالى { وإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } ولإجماع الأمة على حرمة الزوجة بعد الطلاق الثلاث .
ولكن يرفع الحد إذا قال ظنت أنها تحل له لأن الظن في موضعه حيث أن أثر الملك قائم له في حق النسب فإن ولدها يثبت له إذا جاءت به لأقل من سنتين . وله حسبها عن الخروج ويجب عليه نفقتها ويحرم نكاح أختها في هذه العدة ويحرم عليه زواج أربعة سواها وتمنع شهادة كل منهما لصاحبه . فأمكن أن نقيس حل الوطء على بعض هذه الأحكام فنجعل الاشياء عليه عذرا في سقوط الحد عنه .
- 4 - أن يطأ المطلقة طلاقا بائنا على مال . لثبوت الحرمة بالإجماع .
- 5 - أن يطأ زوجته " المنخلعة " أي التي خلعت نفسها من زوجها وردت إليه المهر الذي دفعه لها . وذلك لوقوع الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم في كون الخلع يكون فسخا للعقد أم طلاقا بائنا .
- 6 - أن يطأ أم ولده التي أعتقها وهي في العدة لشبهة بقاء ملكه لها ولثبوت نسب ولدها منه .
- 7 - أن يطأ العبد جارية مولاه لأن بين العبد وبين سيده انبساطا في الانتفاع فيظن أن من هذا الانبساط جواز الاستمتاع بجواريه . فكان شبهة .
- 8 - والمرتهن يطأ الجارية المرهونة عنده لأن عقد الرهن لا يفيد ملك المتعة بحال فقيامه لا يورث شبهة حكمية قياسا على الإجارة فإنها لا تفيد ملك المتعة بحال . فما أورث قيامها في المحل شبهة حكمية وعلى هذا كان يجب عليه الحد اشتبه أو لم يشتبه كما في الجارية المستأجرة للخدمة إلا أنه لا يجب عليه الحد إذا اشتبه عليه وقال ظننت الحل لأنه موضع اشباه لأن ملك المال في الجملة سبب لملك المتعة وإن لم يكن سبب ملك المتعة بحال . فقد اشتبه عليه ما لا يشتبه فيجب عليه الحد ظن الحل أم لا ؟ .
ففي هذه المواضع وما أشبهها لا يقام الحد على الزاني إذا قال : إني فعلت ذلك العفل وأنا أعتقد في قرارة نفسي أنها حلال لي ولا حرمة في هذا العمل - ولو علمت حرمته لما فعلته .
أما إذا قال : عملت هذا العمل وأنا أعلم أنها علي حرام وأنها لا تحل لي فيجب أن يقام عليه الحد - أما إذا ادعى أحدهما ظن الحل والآخر لم يدع فلا حد عليهما أيضا حتى يقرا معا أنهما كانا يعلمان الحرمة وذلك لأن الشبهة إذا ثبتت من أحد الجانين تعدت إلى الآخر بالضرورة .
والشبهة الثانية عند الأحناف - تكون في المحل - وهي ست مواضع : .
- 1 - إذا وطأ جارية ابنه أو ابن ابنه وإن سفل وإن كان حيا وذلك لقول الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم للولد الذي شكا إليه أباه ( أنت ومالك لأبيك ) ولأنه يثبت نسب ولد الجارية من سيدها ومن والد سيدها وجده وإن كان الولد الذي هو سيد الأمة حيا .
- 2 - إذا وطأ زوجته المطلقة بائنا بالكنايات كأن قال لها : أنت خلية أو أمرك بيدك فاختارت نفسها ونحوها ثم وطئها في العدة . وذلك لاختلاف الصحابة رضوان الله عليهم في الكناية فمذهب سيدنا عمر أن الكنايات رجعية وكذا مذهب ابن مسعود Bهما . ففي مصنف عبد الرزاق حدثنا الثوري عن منصور حدثني إبراهيم عن علقمة والأسود أن ابن مسعود جاء إليه رجل فقال : كان بيني وبين امرأتي كلام فقالت : لو كان الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع قال : فقلت لها قد جعلت أمرك بيدك . فقالت أنا طالقة ثلاثا قال ابن مسعود : أراها واحدة وأنت أحق بالرجعة . وسألنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال : ماذا قلت ؟ قال : قلت أراها واحدة وهو أحق بها قال : وأنا أرى ذلك وزاد من طريق آخر ولو رأيت غير ذلك لم تصب .
وأخرج ابن أبي شيبة عنهما في مصنفه أنهما قالا : في البرية والخلية هي تطليقة واحدة وهو أملك برجعتها .
ومن مذهب الإمام علي كرم الله وجهه في خلية وبرية أنها ثلاث على ما أخرجه عنه ابن أبي شيبة .
- 3 - والجارية المرهونة في حق المرتهن وفي رواية لأنه انعقد له فيها سبب الملك لأنه بالهلاك يصير مستوفيا حقه من وقت الرهن وإذا كان كذلك فقد انعقد له فيها سبب الملك في الحال ويحصل حقيقة الملك عند الهلاك .
- 4 - إذا وطأ الجارية المشتركة بينه وبين غيره . لأنه وطأ جارية انعقد له فيها سبب الملك لأن الشراء سبب لملك المتعة فقد دفع له فيها شبهة تمنع عنه وجوب الحد .
- 5 - إذا وطأ البائع جاريته المبيعة قبل تسليمها إلى المشتري .
- 6 - إذا وطأ الجارية المجعولة مهرا قبل أن يسلمها إلى زوجته لأن الملك فيها لم يستقر للزوجة ولا للمشتري . والمالك كان مسلطا على وطئها بتلك اليد مع الملك .
وملك اليد ثابت والملك الزائل مزلزل فهي شبهة في حقيقة الملك بحكم الشرع .
ففي جميع هذه المواضع التي ذكرناها لا يجب إقامة الحد على الواطئ وإن قال : علمت أنها علي حرام . لأن المانع من إقامة الحد هو الشبهة وهي هنا قائمة في نفس الحكم أي الحرمة القائمة فيها شبهة أنها ليست بثابتة نظرا إلى دليل المحل . والزنا أمر محظور فلا يثبت بالظن ولا مع الشبهة القوية بل لابد فيه من التحقيق والتثبت من غير شك ولا ريبة وقد أوصانا رسول الله A بالتثبت في هذا الحكم حتى لا تزهق الأرواح البريئة بغير حق فقال A ( ادرؤوا الحدود بالشبهات ) وقد قال بعض الفقهاء هذا الحديث متفق عليه وقد تلقته الأمة بالقبول .
واسند ابن أبي شيبة عن ابراهيم النخعي قال : قال عمر بن الخطاب Bه : ( لأن أعطل الحدود بالبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات ) . وهو الحريص على إقامة شعائر الإسلام .
وأخرج عن معاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وعقبة بن عامر Bهم قالوا : إذا اشتبه عليك الحد فادرأه .
وبما روي في البخاري من قول رسول الله A ( ومن اجترأ على ما يشك فيه من الاثم أوشك أن يواقع ما استبان والمعاصي حمى الله تعالى ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) ومعناه أن من جهل حرمة شيء وحله فالورع أن يمسك عنه ومن جهل وجوب أمر وعدمه فلا يوجبه ومن جهل أوجب الحد أم لا ؟ وجب أن يقمه وسواء أكان هذا قبل ثبوت الحد أم بعد ثبوته لأن رسول الله A قال لماعز لما أقر بالزنا : ( لعلك قبلت لعلك لمست لعلك غمزت ) كل ذلك يلقنه أن يقول : نعم بعد إقراره بالزنا بين يديه . وشؤال أهله عنه أهو عاقل أم به جنون ؟ وسؤاله عن كيفية الفعل حتى قال : أنكتها ؟ قال نعم كما يكون الميل في المكحلة : وليس لذلك فائدة إلا كونه إذا قالها تركه وإلا فلا فائدة ولم يقل لم أعترف عنده بدين - لعله كان وديعة عندك فضاعت . ونحو ذلك .
وكذلك قوله للسارق الذي جيء به إليه أسرقت ؟ ما أخاله سرق وقوله للغامدية حينما جاءت واعترفت له بالزنا وهي حامل مثل ذلك وردها من مجلسه حتى تلد عسى أن لا ترجع إليه بعد طول هذه المدة وأن لا تطالبه بإقامة الحد عليها .
وطذلط ما روي عن الصحابة رضوان الله عليهمفي درء الحدود فقد روي أن الإمام عليا كرم الله وجهه قال لشراحة التي أقرت بالزنا وظهر الحمل عليها لعله وقع عليك وأنت نائمة لعله استكرهك لعل مولاك زوجك منه وأنت تكتمينه الخ .
وذكلك قول سيدنا عمر بن الخطاب للمرأة التي جاءت إلى الراعي وطلبت منه لبنا فلم يعطها حتى مكنته من نفسها فلم يقم عليها الحد بل قال : دفع إليها مهرها واعتبر ذلك شبهة تدرأ الحد عنها وعنه .
ولم يكن من سنة رسول الله A أن يأخذ بالظنة ولا يقيم الحد إلا بعد التأكد .
فقد روي عن ابن عباس Bهما ( أن رسول الله A لاعن بين العجلاني وامرأته فقال شداد بن الهاد هي المرأة التي قال رسول الله A : لو راجما أحدا بغير بينة لرجمتها قال : لا . تلك مرأة كانت قد أعلنت في الإسلام ) متفق عليه .
والمعنى أنها كانت تعلن بالفاحشة بين المسلمين ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا إقرار . فلم يقم عليها الحد بالاشاعة .
وروي عن ابن عباس Bهما أنه قال : قال رسول الله A : ( لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمت فلانة فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها ) رواه ابن ماجة وقد احتج به من لم يحد المرأة بنوكها عن اللعان .
وقوله A ( لو كنت راجما بغير بينة لرجمتها ) فيه دليل واضح وصريح على أنه لا يجب إقامة الحد بالتهم لأن إقامة الحد إضرار كبير بمن لا يجوز الإضرار به وإلحاق العار والفضيحة به وبأهله . وهذا قبيح عقلا وشرعا فلا يجوز إلا ما أجازه الشارع الحكيم كالحدود والقصاص . وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين ورفع الشك والشبهة من قلب الحاكم لأن مجرد الحدس والتخمين لا ينفع في إقامة الحدود وإزهاق الأرواح والتهمة والشك مظنة الخطأ والغلط . وما كان كذلك فلا يستباح به إيذاء المسلم وإلحاق الضرر به وإيلامه وتشويه سمعته وإهدار كرامته .
عن أبي هريرة Bه قال قال رسول الله A : ( ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العقو خير من أن يخطئ في العقوبة ) رواه الترمذي .
وعن ابن مسعود Bه أنه قال : ادرؤوا الحدود بالشبهات وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم .
وروي عن عمر بن الخطاب Bه أنه قبل عذر رجل زنى في بلاد الشام وادعى الجهل بتحريم الزنا ولم يقم عليه الحد لهذه الشبهة التي يستطيع أن يتذرع بها كل أحد .
وروي أيضا عنه وعن سيدنا عثمان بن عفان Bهما أنهما عذرا جارية زنت وهي أعجمية وادعت أنها لم تكن تعلم تحريمه .
وقد روي عن أنس بن مالك Bه أن رسول الله A لما لاعن بين هلال بن أمية وبين زوجته حين اتهمها بشريك بن السحماء قال رسول الله A ( اللهم بين ) .
قال أنس : فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها ومع هذا الدليل لم يقم رسول الله A الحد لأن البينة لم تقم . ولم يحصل منها اعتراف ومجرد ظهور الحمل عليها لا يقوم دليلا على إقامة الحد وقد درأ عنها وقال A : ( لولا الإيمان لكان لي ولها شأن ) . ولم يلحق الولد بالرجل الذي اتهم بأنه كان عندها .
فهذا الأمر الخطير الذي يفضي إلى هلاك النفوس لابد فيه من البينة أو الإقرار حتى يثبت على فاعله .
اتفق الأئمة الأربعة : على أن الحدود تدرأ بالشبهات ولكنهم اختلفوا في هذه الشبهات .
من وجد على فراشه امرأة فوطئها .
الحنفية قالوا : إذا وجد الرجل على فراشه امرأة فظن أنها امرأته فوطئها ثم تبين له أنها أجنبية عنه يحد الرجل في هذه الحال لأنها ليست بشبهة حيث أنه يمكن معرفة زوجته بكلامها وجسمها وحركتها ولمسها ومس جلدها فلا تكون هناك شبهة تدرأ عنه الحد وإذا ادعى أنه ظن ذلك صدق بيمينه .
وكذلك الأعمى إذا دعا زوجته إلى فراشه فأجايته امرأة أجنبية ولم تقل له أنا فلانة ثم جامعها وتبين له بعد ذلك أنها أجنبية عنه يقام عليه الحد ولا يعتبر هذا شبهة فقد يكون الأعمى والظان فطنا حاذقا لا يخفى عليه زوجته من غيرها .
فأراد علماء الأحناف سد هذا الباب حتى لا يكون وسيلة إلى انتشار الفساد في المجتمع . شفقة على دين الأمة حتى لا يتجرأ المفسدون على فعل ذلك عمدا ويزعمون أنه لا يجب عليهم الحد لوقوع هذه الشبهة عندهم فمجرد وجود امرأة على فراشه لا يكون دليل الحل ليستند إلى الظن .
المالكية والشافعية والحنابلة قالوا : لا يقام الحد في هاتين الحالتين لوجود شبهة لهما وقيام العذر المجوز للإقدام على الوطئ في الجملة لوجودها على فراشه وإجابة طلبه وقياسه على " المزفوفة " لجامع الحل في كل .
إذا وعد جاريته فأتته غيرها .
الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا : إذا تواعد رجل مع جاريته فجائته جارية أجنبية في المكان والموعد المحدد فوطئها من غير علم بها ثم ظهر له أنها أجنبية بعد جماعها . فلا يقام عليهما الحد لوقوع هذه الشبهة حيث سبق أن ضرب لها موعدا وحدد لها مكانا .
( يتبع . . . )