( تابع . . . 2 ) : - قد عرفت أن الرجل هو الذي يملك الطلاق دون المرأة . وذلك لأمرين : .
الحالة الثانية : أن لا يعلم الحاكم فلا يوقفها الخ وفي هذه الحالة يسقط اختيارها بعد مضي المدة وعلى كلتا الحالتين يجب على الزوج أن لا يقربها إذا لا يحل الاستمتاع بامرأة مشكوك في بقاء عصمتها وهل يسقط حقها إذا قامت من المجلس . أو لا ؟ خلاف فبعضهم يقول : إذا خيرها تخييرا مطلقا غير مقيد بالزمان أو ملكها تمليكا مطلقا لا يبقى خيارها أو تمليكها إلا في المجلس الذي خيرها فيه بحيث لو تفرقا بطل على إنه إذا لم يتفرقا في المجلس ولكن مضى زمن يمكنها أن تختار فيه ولم تفعل سقط خيارها وكذا إذا بقيا في المجلس ولكن فعلت ما يدل على الاعراض بطل خيارها وهذا هو الراجح وبعضهم يقول : لا يبطل تخييرها ولا تمليكها وإن طال الزمن أو تفرقا من المجلس . ومن الأحكام المشتركة بينهما أن إذا خير زوجته وملكها ثم أبانها بخلع أو بطلاق بائن ثم ردها إلى عصمته ثانيا فإنه يبطل تخييرها أو تمليكها لأنها رجعت له باختيارها فأبطلت ما ملكته أولا . أما إذا طاقها طلقه رجعية ثم راجعها فإن تخييرها لا يبطل لأن الرجعة لا تتوقف على رضاها ومنها أنه إذا خيرها أو ملكها فنقلت أثاث المنزل إلى دار أبيها فإن نقلت الأثاث الذي ينقل بعد الطلاق كان طلاقا وإلا فلا إلا إذا نوت به الطلاق فإنه يكون طلاقا بلا خلاف وهو وإن كان فعلا ولكن قد انضم إليه من قرينة التمليك أو التخيير ما يجعله كالصريح ومنها أنه إذا خيرها أو ملكها وأجابت بكلام يحتمل الطلاق ويحتمل البقاء في عصمته فإنها تؤمن بتفسيره ويقبل منها التفسير الذي تقرره مثلا إذا قال لها : اختاري فقالت : قبلت أو قالت : اخترت أو قال لها : أمرك بيدك فقالت : قبلت أمري أو قبلت ما ملكتني ففي هذه الحالة تلزم ببيان غرضها فإن قالت : أردت بقولي قبلت البقاء في عصمة زوجي أو اخترت البقاء في عصمته فإنها تبقى على عصمته وإن قالت : أردت الطلاق أو اخترت نفسي طلقت وإن قالت أردت قبول التمليك أو التخيير بدون تعرض الطلاق وعدمه بقيت على ما هي عليه من التمليك والتخيير ويحال بينهما حتى تجيب كما تقدم ومنها أن الزوج المخير أو المملك إذا قال : لم أرد بالتخيير أو التمليك طلاقا أصلا سقط حقه في الاعتراض ولزمه ما أوقعته سواء مدخولا بها أو لا والمخيرة غير المدخول بها لأنها هي التي له عليها حق الاعتراض كما ستعرفه بعد هذا فإذا قال بعد ذلك إن ذلك صدر منه سهوا وإنه يريد به أنه نوى طلقة واحدة قبل منه قوله وعاد له حق الاعتراض على المعتمد وقيل لا يقبل منه قوله ويلزمه ما أوقعته وصحح هذا القول أيضا ومنها أن الزوجة إذا كانت غير مدخول بها سواء كانت مخيرة أو مملكة وخيرها الزوج تخييرا مطلقا غير مقيد بواحدة أو ثنتين أو ثلاث كأن قال لها : اختاري نفسك أو ملكها كذلك تمليكا مطلقا كأن قال لها : أمرك بيدك وطلقت نفسها ثلاثا فإن للزوج الملك أو المخير الحق في الاعتراض على ذلك وعدم الاعتراف بما زاد على ما نواه ويعبر عنه الفقهاء المالكية بالمناكرة فيقولون : للزوج الحق في مناكرتها أي في عدم الاعتراف بما فعلته من زيادة أما المدخول بها فإن كانت مخيرة فلا حق له في مناكرتها مطلقا وإن كانت مملكة فله الحق في مناكرتها وهنا يفترقان في الحكم كما يأتي .
وإذا قالت : طلقت نفسي أو طلقت زوجي ولم تقل ثلاثا فإنها تسأل عن غرضها سواء كانت في المجلس أو قامت منه وسواء مضى زمن طويل كالشهرين أو لا لأن جوابها يحتمل نية الثلاث ونية غيرها فإذا قالت الثلاث أردت فإن كانت مملكة كان له الحق في مناكرتها وعدم الاعتراف إلا بطلقة واحدة سواء كانت مدخولا بها أو لا وكذا إذا كانت مخيرة غير مدخولا بها فإن له الحق في مناكرتها كما تقدم أما إذا كانت مدخولا بها فإنه يلزمه ما أوقعته إذ لا حق له في مناكرتها وإذا قالت : أردت طلقة واحدة فإن كانت مدخولا بها مخيرة بطل تخييرها ولا يلزمه شيء لأن التخيير معناه الإبانة فهو قد خيرها في إبانة نفسها فاختارت عدم الإبانة والبقاء في عصمته فبطل تخييرها ولأن المخيرة المدخول بها ليس لها أن توقع غير الثلاث فإن أوقعت أقل بطل تخييرها وإن كانت مخيرة مدخولا بها لزمته الواحدة التي أرادتها وكذا إن كانت مملكه سواء مدخولا بها أو لا فإنه يلزمه الواحدة التي أرادتها .
وإذا قالت : لم أرد بقولي طلقت نفسي عددا معينا ففي ذلك خلاف فبعضهم يقول : يحمل قولها على إرادة الثلاث فإن كانت مخيرة مدخولا بها لزمته الثلاث بدون مناكرة وإن كانت غير مدخول بها كان له الحق في المناكرة فإن لم يناكر لزمه الثلاث أيضا وإن كانت مملكة لزمه الثلاث إن لم يناكر وله الحق في المناكرة سواء كانت مدخولا بها أولا وهذا هو الراجح . وبعضهم يقول يحمل على الواحدة فإن كانت مخيرة مدخولا بها بطل تخييرها وإن كانت غير مدخول بها لزمته الواحدة وكذا تلزم الواحدة في المملكة مطلقا سواء كانت مدخولا بها أو لا .
هذا وإنما يكون للزوجة الحق في مناكرة المخيرة غير المدخول بها والمملكة المدخول بها بشروط خمسة : .
أحدها : أن ينوي ما يدعيه من الواحدة أو الاثنتين عند تخييرها فإن نوى واحدة له أن لا يعترف بالاثنتين وإن نوى ثنتين فله أن لا يعترف بالثالثة .
ثانيها : أن يبادر إلى دعواه بعدم الاعتراف فإن تأخر زمنا يمكنه أن يدعي فيه سقط حقه . ثالثها : أن يحلف أنه نوى الواحدة أو الاثنتين عند التخيير فإن نكل عن اليمين سقط حقه ولا ترد عليها اليمين . رابعها : أن لا يكرر قوله اختاري ونحوه فإن كرره وطلقت نفسها ثلاثا لزمته إلا أن يقول إنه نوى بالتكرار التأكيد فإن له أن لا يعترف بأكثر مما نواه .
خامسها : أن لا يشترط التخيير أو يتبرع به الزوج في العقد فإن اشترطت عليه أن يكون لها الخيار أو يكون أمرها بيدها في العقد أو يتبرع به في العقد من تلقاء نفسه وطلقت نفسها ثلاثا لزمته ولا حق له في عدم الاعتراف بما أوقعته أما إن تبرع لها بالتخيير أو التمليك بعد العقد فله أن لا يعترف بما أوقعته فإذا كتب في وثيقة الزواج أمرها بيدها إن تزوج عليها ولم يبين إن كان هذا صدر من الزوج في العقد باشتراطها أو تبرعه ففي ذلك خلاف فقيل : يحمل على أنه صدر في العقد ويلزمه الاعتراف بجميع ما أوقعته وقيل : يحمل على أنه تطوع به الزوج فله حق عدم الاعتراف . ومن الأحكام المختصة بالتخيير أنه قد اختلف فيه فقيل : مكروه لأنه موضوع للثلاث والطلاق الثلاث مكروه وقيل جائز لأنه وإن كان موضوعا للثلاث في غير المدخول بها ولكنه لم يجزم فيه بالثلاث لأن المرأة قد تختار زوجها فالصحيح أنه جائز أما التمليك فإن قيد بالثلاث كان مكروها وإلا فهو مباح اتفاقا ومنها أنه إذا قال لزوجته - سواء كانت مدخولا بها أو لا - اختاري في واحدة كان معناه اختاري المفارقة في مرة واحدة والمفارقة في مرة واحدة تصدق بالثلاث فيحتمل أنه أراد المفارقة في مرة واحدة والمفارقة بالواحدة ويحتمل أيضا أن تكون - في - زائدة والمعنى اختاري طلقة واحدة فإن أوقعت ثلاثا وادعى أنه نوى واحدة حلف اليمين على ذلك لأن اللفظ محتمل لإرادة الثلاث فإن حلف لزمته طلقة واحدة رجعية إذا كانت مدخولا بها وإن نكل لزمه ما أوقعته ولا ترد اليمين عليها لأنها يمين تهمة فإنه متهم على إرادة الثلاث ويمين التهمة لا ترد في الخصم .
وكذا إذا قال لها : اختاري في أن تطلقي نفسك أو تقيمي فقالت : اخترت ثلاثا وادعى أنه أراد واحدة حلف على ذلك فإن حلف لزمته واحدة وإلا لزمه ما أوقعته وذلك لأن ضد الإقامة معه مفارقته بالبينونة فلما قال : أو تقيمي احتمل كلامه أنه لم يرد حقيقة الطلقة التي صرح بها فيحلف على ذلك أما إذا قال لها : اختاري في أن تطلقي نفسك ولم يقل : أو تقيمي فأوقعت ثلاثا وادعى أنه أراد واحدة كان القول له بدون يمينه وكذا إذا قال لها : اختاري في طلقة فاختارت ثلاثا فإنه لا يلزمه إلا واحدة بدون يمين ومن باب أولى إذا قال لها : اختاري طلقة فإنه لا يلزمه إلا واحدة ويبطل الزائد أما إذا قال لها : اختاري تطليقتين فاختارت واحدة فإنه يبطل ما قضت به فلا تلزمه الواحدة لأنه خيرها في ثنتين ولكن لا يبطل خيارها فلها أن تختار بعد ذلك ثنتين أو تختار زوجها وهذا بخلاف التمليك فإنه إذا قال لها : ملكتك طلقتين أو ثلاثا فقضت بواحدة لزمته واحدة وإذا قال لها : اختاري من تطليقتين فاختارت أكثر فلا يلزمه إلا واحدة ومنها أنه إذا خيرها تخييرا مطلقا فاختارت واحدة بطل تخييرها إن كانت مدخولا بها كما تقدم قريبا وهذا هو المشهور وبعضهم يقول : إنه لا يبطل تخييرها ومثل ذلك ما إذا ملكها بشرط العدد كأن قال لها : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة أو ثنتين فإن فيه خلافا فقيل : يبطل تمليكها وقيل : لا يبطل تمليكها وإنما يبطل ما أوقعته ولها أن تطلق نفسها ثلاثا وهذا هو الراجح عكس الأول . الشافعية - قالوا : للرجل أن يفوض الطلاق لزوجته : ومعناه تمليكها الطلاق كقوله لها : طلقي نفسك ويشترط لإيقاعها الطلاق بالتفويض شرطان : أحدهما : أن يكون الطلاق منجزا فإذا كان معلقا كما إذا قال لها : إن جاء رمضان فطلقي نفسك فإنه لا يصح ولا تملك الطلاق بذلك ولا فرق بين أن يملكها الطلاق بلفظ صريح أو كناية الأول كما مثلنا الثاني كأن يقول لها : أبيني نفسك إن شئت بشرط أن ينوي بذلك التفويض وتنوي الزوجة الطلاق لأنه كناية ولا يقع بها شيء إلا مع النية ومن ذلك ما إذا قال لها : اختاري نفسك فإنه يصح أن يكون كناية عن اختيارها الطلاق فكأنه قال لها : اختاري طلاق نفسك .
ثانيها : أن تطلق نفسها فورا فلو أخرته بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب لا يقع الطلاق وقال بعضهم : لا يضر الفصل بكلام يسير فلو قال لها : طلقي نفسك فقالت له : كيف أطلق نفسي ؟ فقال لها : قولي : طلقت نفسي فقالت : ولا يضر ذلك الفصل على المعتمد ومحل اشتراط الفورية إذا لم يقل : طلقي نفسك متى شئت فإذا قال لها ذلك كان لها الحق في تطلق نفسها في أي وقت .
والتفويض للمرأة كالتوكيل فيجوز له الرجوع عنه قبل تطليق نفسها وإذا قال لها : طلقي نفسك بألف فطلقت بانت منه بالألف وإن قال لها : طلقي نفسك ونوى عددا ونوت هي أقل منه أو أكثر منه وقع ما اتفقا عليه من ذلك العدد فإن قال لها : طلقي نفسك ونوى بها ثلاثا فقالت : طلقت نفسي ونوت ثنتين وقع الثنتان وذلك لأن كلا منهما نوي الثنتين فإن الذي نوى ثلاثا نوي الثنتين ضمنا . وإن قال لها : طلقي نفسك ونوى واحدة ونوت ثنتين وقعت واحدة لأنها هي التي اتفق على نيتها وإن لم ينويا شيئا أو لم ينو أحدهما شيئا وقعت طلقة واحدة .
وإن قال لها : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة وقعت الواحدة ولها الحق في أن تطلق نفسها الثانية والثالثة على الفور ولو راجعها وإذا قال لها طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا وقعت واحدة وألغي الاثنتان وإن قال لها : طلقي نفسك ثلاثا فقالت : طلقت ولم تذكر عددا ولا نوته وقع الثلاث .
وله أيضا أن ينيب عنه غيره في تطليق زوجته كما تقدم في مباحث الوكالة جزء ثالث وله أيضا أن يوكله في الخلع ولو قدر لو كيله مالا فخالعها على أقل منه لم تطلق كما لو خالعها على غير الجنس الذي بينه له وإن أطلق له التوكيل فخالعها على أقل من مهر المثل فإنها تطلق بمهر المثل . وكذا للزوجة أن توكل عنها في الخلع فإذا قدرت لموكلها مالا وزاد عليه وأضاف الخلع إليها كأن قال لها : خالعها من مالها وبوكالتها بانت بمهر المثل تدفعه هي : .
أما إذا لم يصف الزيادة إليها لزمته هو لجواز أن يكون زادها من نفسه وصح توكيل كافر ولو في خلع مسلمة وصح للزوج أن يوكل المحجور عليه لسفه ولو لم يأذنه وليه بخلاف الزوجة .
( يتبع . . . )