( تابع . . . 3 ) : - أنكحة غير المسلمين سواء كانوا كتابيين كاليهود والنصارى أو غير .
فإن قلت : ماذا يترتب على خلاف المالكية في الحكم بصحة عقود نكاح الكافرين إن وافقت قواعد ديننا والحكم بعدم صحتها مع أنهم يقولون : إنهم يقرون على أنكحتهم إذا أسلموا على التفصيل الآتي ؟ والجواب : أن الذين يقولون بفساد أنكحتهم مطلقا ولو كانت موافقة لقواعد ديننا يترتب على قولهم أنه لا يجوز لمسلم أن يتولى عقد الكتابيين وغيرهم ولو كانت مستوفية للشروط مثلا إذا طلب الكتابيان من مسلم أن يعقد لهما بشروط عقود المسلمين وأركانها لا يجوز له أن يفعل لأن الشروط لا تخرجها عن الفساد والمسلم لا يجوز له أن يتولى الفاسد أما الذين يقولون بالصحة فإنه يترتب على قولهم العكس فيجوز للمسلم أن يعقد لهم متى كان العقد صحيحا .
ثم إن المالكية يقولون : إن غير المسلمين يقرون على أنكحتهم إذا دخلوا الإسلام سواء كانت صحيحة في نظرنا أو فاسدة إلا في أمور : أحدها نكاح المحارم بنسب أو رضاع كما إذا تزوج المجوسي بنته . أو أخته ثم أسلم فإنه لا يقر على ذلك بحال أما حرمة المصاهرة فإنها لا تحصل بينهم إلا بالوطء مثلا إذا تزوج امرأة ولم يطأها . ثم تزوج أمها ووطئها وأسلم أقر على أمها لأنه وإن تزوج بنتها ولكنه لم يطئها وكذا إذا تزوج امرأة لم يطأها ثم أسلم وتركها . فإنها لا تحرم على أبيه . ولا على ابنه لما عرفت من أن الذي يوجب حرمة المصاهرة بينهم هو الوطء . ثانيها : أن يتزوجها وهي في عدة الغير ثم يسلم . أو يسلما معا فإنه يفرق بينهما سواء دخل بها . أو لم يدخل فإذا أسلم قبل انقضاء العدة التي عقد عليها فيها ثم وطئها بعد الإسلام تأبد تحريمها عليه فلا تحل له أبدا أما إذا أسلم بعد انقضاء العدة ووطئها بعد الإسلام فإن تحريمها لا يتأبد عليه بل يفرق بينهما وله أن يجدد عقده عليها بعد انقضاء العدة . ثالثها : أن يتزوجها لأجل وهو نكاح المتعة ويسلم قبل انقضاء الأجل ويطلب هو أو هي استمرار العقد إلى نهاية الأجل فإنهما لا يقران على ذلك لأن إقرارهما عليه بعد الإسلام إقرار لنكاح المتعة الممنوع باتفاق نعم إذا طلبا الاستمرار على زواجهما بصفة دائمة فإنهما يقران على ذلك فإذا أسلما بعد انقضاء الأجل وهما يعيشان عيشة الزوجية وطلبا إقرارهما فإنهما يقران .
وبعد فإن أسلم الزوج وتحته امرأة كتابية فإنه يبقى على زواجه معها سواء أسلمت أو لا . وسواء كان الزوج صغيرا أو كبيرا . وأما إن أسلم وتحته زوجة مجوسية فإنه إن كان بالغا فرق بينهما إلا إذا أسلمت بعده بزمن قريب وقدر بشهر على المعتمد فإن أسلمت بعد هذا الزمان فإن إسلامها لا ينفع في بقاء زوجيتها فإن أسلمت بعده بزمن أقل من شهر بقيت الزوجية قائمة بينهما وإن كان الزوج صغيرا وقف النكاح بينهما حتى يبلغ فإن لم تسلم بعد بلوغه فرق بينهما .
هذا إذا أسلم الزوج أما إذا أسلمت الزوجة فإنها لا تحل لزوجها مادام على دينه سواء كان كتابيا أو وثنيا . ولكن لا تبين منه إلا بعد أن يمضي زمن استبرائها منه بالحيض إن كانت مدخولا بها فإذا أسلم قبل مضي هذا الزمان بقيت زوجيتهما قائمة حتى ولو طلقها ثلاثا حال كفره بعد إسلامها لأن طلاق الكافر لا عبرة به فإذا انقضت عدتها قبل إسلامه بانت منه ولا نفقة لها عليه في مدة الاستبراء بعد إسلامها سواء أسلم أو لم يسلم على المختار إلا إذا كانت حاملا فإنه يلزم بنفقتها اتفاقا هذا إذا أسلمت بعد الدخول أما إذا أسلمت قبل الدخول قبل أن يسلم فإنها تبين منه بمجرد إسلامها على الراجح سواء أسلم بعدها بزمن قريب وهو أقل من شهر أو لا . وبعضهم يقول : إذا أسلم بعدها بزمن قريب كان أحق بها فلا تبين منه وعلى الأول فإنها تحل له بعقد جديد أما إذا أسلما معا فإنهما يقران على النكاح قبل الدخول وبعده .
والمراد بكون إسلامهما معا أن يعلنا إسلامهما أمام المسلمين معا بأن يجيئا إلينا مسلمين سواء أسلم قبلها أو أسلمت قبله لأن الترتيب لم نطلع عليه فكأن إسلامهما لم يثبت إلا عند الإطلاع عليه فالمعية هنا حكمية .
والفرقة في جميع ما تقدم فسخ بغير طلاق والفسخ بغير طلاق يسقط المهر قبل الدخول .
هذا وإذا أسلم وتحته أم وبنتها فإن كان لم يتلذذ بواحدة منهما كان له الحق في اختيار واحدة منهما سواء جمعهما في عقد واحد أو عقدين وذلك العقد الفاسد لا يوجب حرمة المصاهرة ويجوز لابنه وأبيه أن يتزوج من فارقها من غير مس مع الكراهة أما إن تلذذ بهما فإنهما يحرمان عليه حرمة مؤبدة وذلك لأنه وطء بشبهة فهو يوجب حرمة المصاهرة بنشرها وإن وطئ واحدة منهما وأراد البقاء معها فإنه يقر على ذلك . وتحرم عليه الأخرى حرمة مؤبدة وكما تحرم عليه تحرم على أبيه وابنه لأن الوطء ينشر الحرمة وإن كان بشبهة كما ذكرنا .
وإذا أسلم وتحته أختان أسلمتا معه . أو قبله . أو بعده قبل انتهاء مدة الاستبراء فإن له الحق في اختيار واحدة منهما سواء جمع بينهما في عقد واحد . أو عقدين دخل بهما أو لم يدخل .
وإذا أسلم وتحته أكثر من أربع زوجات أسلمن معه . أو كن كتابيات فإن له الحق في اختيار أربع من بينهن سواء تزوجهن في عقد واحد . أو عقود متفرقة وسواء دخل بهن . أو ببعضهن أو لم يدخل وسواء كانت الأربعة المختارات له معقود عليهن في الأول . أو في الآخر وله أن يختار أقل من أربع وله أن يختار منهن شيئا وله أن يختار أربع زوجات من غير الأحياء فإذا اختار الأموات فسخ نكاح الأحياء وإذا اختار الأموات كان له الحق في ميراثهن وهذا هو فائدة اختيار الأموات ثم إن الاختيار كما يكون بلفظ اخترت فلانة مثلا كذلك يكون بغير اخترت وذلك أمور : .
أحدها : الطلاق فإذا طلق واحدة منهن فقد اختارها زوجة بالطلاق وذلك لأن الطلاق لا يتحقق إلا بعد ثبوت علاقة الزوجية بالعقد الصحيح وهذا النكاح وإن كان فاسدا بحسب أصله إلا أن الإسلام صححه وعلى هذا يكون قد اختار واحدة من الأربع اللاتي له الحق في الجمع بينهن وطلقها فيبقى له ثلاث فإن طلق ثنتين بقي له ثنتان وعلى هذا القياس .
ثانيها : الظهار : فإذا قال لواحدة منهن : أنت علي كظهر أمي كان معنى هذا أنه اختارها زوجة ثم ظاهر منها فيكون له ثلاثة .
ثالثها : الإيلاء وهو الحلف بأن لا يقرب زوجته فإذا حلف أن لا يقرب فلانة فقد اختارها زوجة ثم حلف ففي ذلك اختيار لها وبعضهم يقول : إنه لا يكون اختيارا إلا إذا كان مؤقتا كأن حلف بأن لا يقربها خمسة أشهر أو كان مقيدا بمحل كأن حلف بأن لا يطأها في مكان كذا .
رابعها : الوطء فإذا وطء واحدة منهن فقد اختار ما يحل له الجمع بينهن وإذا وطء أكثر من أربع يعتبر الأول فالأول بمعنى أنه يأخذ التي وطئها أولا ثم التي تليها وهكذا ولا يعتبر وطء ما زاد على أربع زنا لأنهن كن زوجاته بالعقد الفاسد ولا يشترط أن ينوي بالوطء اختيار الزوجات بل ينصرف الوطء إلى ذلك بطبيعة الحال .
هذا وإذا قال فسخت نكاح فلانة فإن ذلك يكون فسخا للنكاح ويختار أربعا غيرها والفرق بين الفسخ والطلاق - حيث قلنا : إن الطلاق يسقط واحدة من الأربع بخلاف الفسخ فإنه لا يسقط ويكون له الحق في اختيار الأربع - أن الطلاق لا يكون إلا إذا كان العقد صحيحا أو كان فاسدا غير مجمع على فساده بخلاف الفسخ . فإنه يكون في المجمع على فساده . فإذا نظر إلى العقد قبل الإسلام كان مجمعا على فساده وإذا نظر إليه بعد الإسلام من حيث أن الإسلام أقره ترخيصا كان صحيحا .
هذا ويشترط أن يكون الزوج المختار بالغا عاقلا وإلا فلا يصح اختياره بل يختار له وليه إن كان له ولي فإن لم يكن له ولي اختار له الحاكم ويصح اختيار الزوج البالغ العاقل ولو كان مريضا أو محرما أو واجدا لطول الحرة .
الحنابلة - قالوا : أنكحة المخالفين لنا في الدين إذا كانت موافقة لأنكحتنا في شرائطها وأركانها كانت صحيحة أما إذا لم تكن كذلك فإنهم يقرون عليها ولا نتعرض لهم فيها بشرطين : .
الشرط الأول : أن يعتقدوا إباحتها فإن كانت لا تجوز في دينهم لا يقرون عليها في بلادنا كالزنا والسرقة .
الشرط الثاني : أن لا يتحاكموا إلينا فإن تحاكموا إلينا قبل العقد لنعقده لهم جاز لنا ذلك بشرط أن نعقده على حكمنا بإيجاب وقبول وولي وشاهدي عدل منا لا منهم كما قال الله تعالى : { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } وإن جاؤوا إلينا بعد العقد فلا يخلو إما أن تكون المرأة مباحة أو لا . فإن كانت مباحة ليست من المحارم وليست معتدة من الغير أقررناهم على النكاح بدون أن نبحث عن كيفية صدوره من وجود صيغة . أو ولي . أو غير ذلك . وإن لم تكن مباحة كأن كانت أختا أو أما أو بنتا أو عمة أو نحو ذلك من المحرمات بنسب . أو رضاع أو كانت معتدة لم تفرغ عدتها لم نقرهم عليه بل نفرق بين الزوجين .
وإذا أسلم الزوجان معا بأن نطقا بالشهادتين دفعة واحدة بقي النكاح قائما بينهما سواء كانا كتابيين أو وثنيين . أما إذا أسلمت الزوجة وحدها فإن كان ذلك قبل الدخول بها بطل النكاح سواء كان زوجها كتابيا . أو لا ولا مهر لها لأن الفرقة جاءت من قبلها فإذا أسلم زوجها وهي في العدة بقي النكاح بينهما . أما إذا أسلم بعد انقضاء عدتها فإن النكاح يفسخ ولها نفقة العدة إن أسلمت قبله سواء أسلم الزوج أو لم يسلم . وإذا أسلم الزوج وحده فإن كانت الزوجة كتابية استمر النكاح بينهما على ما هو عليه سواء أسلمت أو لم تسلم . وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده أما إن كانت غير كتابية وكان ذلك قبل الدخول فإنها تبين منه في الحال ولها نصف المهر لأن الفرقة من جهته فإن كان بعد الدخول وجب عليها أن تعتد منه فإذا أسلمت قبل انقضاء العدة استمر النكاح بينهما على ما هو عليه وإذا أسلمت بعد انقضاء العدة فسخ النكاح كما ذكرنا في إسلامه .
قال ابن شبرمة : كان الناس على عهد رسول الله A يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما .
وإذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع زوجات فأسلمن معه . أو أسلمن قبله . أو بعده في عدتهن . أو لم يسلمن وكن كتابيات كان له الحق في أن يختار منهن أربعا فقط ويسرح الباقيات لا فرق بين أن يختار الأوائل أو الأواخر سواء عقد عليهن عقدا واحدا . أو عقودا متعددة وله أن لا يختار منهن شيئا وله أن يختار أربع زوجات ميتات ويسرح الأحياء جميعهن ليرث منهن كما يقول المالكية وبشرط أن يكون مكلفا فإن كان غير مكلف وقف أمر النساء حتى يكلف وإذا امتنع عن الاختيار أجبر عليه بالحبس والتعزير وعليه نفقتهن جميعا إلى أن يختار والاختيار يكون بأشياء : منها اخترت هؤلاء وتركت هؤلاء ولا يلزم أن يكون بلفظ اخترت بل يصح أن يكون بلفظ أمسكت إذا قال : أمسكت هؤلاء وتركت هؤلاء فإنه يصح وكذا إذا قال : اخترت هذه للفسخ وهذه للإمساك فإنه يصح لأن الاختيار كما يكون للإمساك يكون للفسخ ويصح أيضا أن يقول : اخترت هذه . ومنها الوطء فإذا وطئ بعد الإسلام واحدة منهن كان مختارا لها زوجة فإذا وطئ أربعا بقيت الزوجية بينه وبينهن وفسخت في الباقيات وإن وطئ الجميع قبل أن يعين الأربع بالقول بقيت الموطوءات أولا للإمساك وبقيت الموطوءات بعد أربع للترك . ومنها الطلاق فإن طلق واحدة منهن كانت مختارة وحسبت عليه لأن الطلاق لا يقع إلا إذا ثبتت الزوجية فيكون قد بقي له ثلاثة وظاهر أن الحنابلة يوافقون المالكية في هذه الصورة والصورة التي قبلها ولكنهم يخالفون في الظهار والإيلاء فيقولون : إنه لا يصح الاختيار بالظهار ولا بالإيلاء .
وإذا أسلم وتحته أختان كان له الحق في اختيار واحدة منهن بالكيفية السابقة )