- هذا ولا فرق بين هذه الأحكام بين أن يكون العقد قد وقع في بلاد الإسلام بين ذميين . أو مستأمنين أو وقع في دار الحرب ثم هاجر الزوجان . أو هاجر أحدهما إلى بلاد الإسلام فإنهما يتركان على ما هما عليه ويقران عليها إذا ترافعا إلينا أو أسلما بالتفصيل المتقدم .
ولا تبين الزوجة بمهاجرة أحدهما من دار الحرب إلى دار الإسلام سواء نوى الإقامة بها أو لا وإنما تبين بالسبي على اختلاف في المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : إن تباين الدارين هو الذي يوجب الفرقة أما السبي فلا يوجبها فلو سبي أحد الزوجين من دار الحرب إلى دار الإسلام وقعت الفرقة بتباين الدارين لا بالسبي أما إذا سبيا معا فإن الزوجية تبقى بينهما سواء كانت زوجة مسلم أو ذمي . وكذا إذا سبيا معا ثم أسلما أو صارا ذميين فإنها لا تبين منه بل تبقى زوجيتهما قائمة وإذا أسلمت زوجة الكتابي أو زوجة الوثني الذي لا كتاب له وهو في دار الحرب أو أسلم زوج الوثنية في دار الإسلام وهي في دار الحرب فإن حكم ذلك يختلف عما إذا أسلم أحدهما وهما في دار الإسلام وذلك لأن إسلام أحدهما يوجب عرض الإسلام على الآخر فإذا لم يسلم فرق بينهما على الوجه السابق أما إذا كان أحدهما غير موجود فإنه يجب أن ينتظر الآخر مدة تقوم مقام عرض القاضي فلا تبين الزوجة نهائيا إلا بعد انقضاء تلك المدة وهي أن تحيض ثلاث مرات إذا كانت من ذوات الحيض فإن لم تكن من ذوات الحيض لصغر أو لكبر فلا تبين إلا بعد ثلاثة أشهر وإن كانت حاملا لا تبين إلا إذا وضعت الحمل فلو أسلم الزوج قبل أن تحيض ثلاثة أو يمضي عليها ثلاثة أشهر إن لم تكن من ذوات الحيض أو تضع الحمل إن كانت حاملا بقيت الزوجية فلا تبين منه .
وبيان ذلك أن المسلمة لا تصلح أن تكون زوجة للكتابي أو الوثني وقد عرفت أنه لا يفرق بينهما بإسلامهما إلا إذا عرض القاضي عليه الإسلام والمفروض أن لا ولاية للمسلمين في دار الحرب فلا يمكن العرض والحاجة ماسة إلى التفريق فاشترطنا للفرقة هذه المدة وأقمناها مقام سبب التفريق وهو إباء الزوج لأن إقامة الشرط مقام العلة عند تعذرها جائز وعند انقضاء هذه المدة تقع الفرقة بينهما بدون تفريق وهل تكون فرقة أو طلاقا ؟ .
والجواب : أن فيه تفصيلا وهو إن كانت المسلمة الزوجة كما هو فرض المسألة التي ذكرناها كانت فرقة بطلاق لأن الفرقة مبنية على انقضاء المدة التي حلت محل إباء الرجل وإباؤه طلاق لأنه يملك الطلاق أما إن أسلم الزوج وكانت الزوجة وثنية فإنه لا يعرض عليها الإسلام في دار الحرب أيضا فلا تبين منه حتى تنقضي المدة المذكورة وتحل محل إبائها وإباؤها ليس بطلاق لأنها لا تملك كما تقدم قريبا ثم إن المذكورة ليست بعدة وذلك لأنها تتناول غير المدخول بها فإذا تزوج الكتابي في دار الحرب وأسلمت زوجته قبل الدخول بها لا تبين منه حتى تحيض ثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض أو يمضي عليها ثلاثة أشهر إن لم تكن كذلك ولو كانت هذه المدة عدة لسقطت عن غير المدخول بها ولكنها - كما عرفت - قد اشترطت لتقوم مقام سبب الفرقة وهو الإباء المترتب على عرض الإسلام كالمدخول بها بدون فرق وهل تجب العدة بعد ذلك على المدخول بها أو لا " والجواب : أن المدخول بها إن كانت هي الحربية التي لم تسلم وأسلم زوجها فلا عدة عليها لأنه لا عدة إلى الحربية باتفاق وإن كانت هي التي أسلمت فإن فيها خلافا فأبو حنيفة يقول : إنها لا عدة عليها أيضا وصاحباه يقولان : عليها العدة بعد انقضاء المدة المذكورة ولا فرق في اشتراط المدة لبينونتها أن تبقى في دار الحرب أو تخرج مها جرة إلى دار الإسلام وحدها أو تخرج هو وحده وذلك لأننا قلنا : إن المدة تقوم مقام عرض القاضي الإسلام على من لم يسلم ولا يمكن العرض على الغائب فتقوم المدة مقام العرض أما إذا اجتمعا معا في دار الإسلام فلا يخلو إما أن يجتمعا بصفة مستديمة بأن ينويا الإقامة والاستمرار . أو يجتمعا فيه مستأمنين بأن يدخلا دار الإسلام بأمان لتجارة ونحوها وهما ينويان العودة ففي الحالة الأولى : تكون الفرقة بينهما بعرض الإسلام كالمقيمين بدار الإسلام وفي الحالة الثانية تكون الفرقة أمرين : عرض الإسلام أو قضاء المدة المضروبة .
ثم إن تباين الدارين تباينا حقيقيا يوجب الفرقة بين الزوجين عند الحنفية ومعنى تباين الدارين الحقيقي أن يخرج أحد الزوجين من دار الحرب إلى دار الإسلام كي يقيم بها إقامة مستمرة أما إذا كان خرج إلى دار الإسلام بأمان لقضاء مصلحة ثم يعود فإنه بذلك يكون مستأمنا فلا تفريق بينهما بهذا إلا إذا قبل أن يكون من أهل الذمة بأن تجري عليه الأحكام التي فرضها المسلمون على الذمي فإنه بذلك يكون مقيما بدار الإسلام حقيقة فتبين منه امرأته .
والحاصل أن الفرقة بين الزوجين كما تكون بإسلام الكتابية أو إسلام أحد الزوجين الوثنيين بعد عرض الإسلام على من أصر على الكفر في دار الإسلام وانقضاء المدة في دار الحرب كذلك تكون الفرقة بينهما بتباين الدارين وانفصالهما عن بعضهما بالسفر ونية الإقامة في دار الإسلام أو في دار الحرب نهائيا فلو تزوج المسلم كتابية في دار الحرب ثم سافر عنها وحده إلى بلاد الإسلام ناويا الإقامة فإنها تبين منه دون أن تنتظر المدة المتقدمة وذلك لأن الكتابية تحل للمسلم بدون أن يعرض عليها الإسلام أما إذا خرجت هي قبله وهو قد لحقها أو خرجا معا فإنها لا تبين وذلك لأن دخولها دار الإسلام وهي مقر زوجها الأصلي جعل التباين حكميا لأن الزوجة تابعة في الإقامة . وكذا إذا خرجت امرأة الكتابي إلى دار الإسلام دونه ناوية الإقامة فتكون من أهل الذمة وتبين بذلك وكذا إذا خرجت زوجة الكتابي إلى دار الإسلام مسلمة فإنها تبين من باب أولى ولا عدة لهما عند الإمام أبي حنيفة إلا أنها إن خرجت لتكون من أهل الذمة وهي على دينها فإنها تبين منه في الحال بدون أن تحيض ثلاثة أو بعد ثلاثة أشهر أو بعد وضع أما إذا أسلمت فإن عليها أن تنتظر المدة قائمة مقام عرض الإسلام عليه كما ذكرنا وعلى هذا فيحل العقد على الكتابية بمجرد دخولها دار الإسلام وصيرورتها من أهل الذمة ولو كانت حاملا إلا أنه لا يحل وطؤها حتى تضع الحمل كما هو رأي بعضهم وبعضهم يقول : لا يصح العقد على الحامل أيضا لا للعدة بل لشغل الرحم بحق الغير وعلى الثاني الأكثر ورجع الأول بعضهم وكذا إذا أسلمت هناك وجاءتنا مسلمة قبل أن تكمل المدة المضروبة لبينونتها فإنها تنتظر عندنا حتى تكملها ولا عدة عليها بعد ذلك عند الإمام .
المالكية - قالوا : ينقطع النكاح بالسبي لا بتباين الدارين فإذا سبي أحد الزوجين . أو هما معا انقطع النكاح بينهما . وفي ذلك تفصيل وهو أن يقع السبي على الزوجين جميعا سواء سبيا في آن واحد . أو سبي أحدهما قبل الآخر وسبي الآخر بعده ومتى وقع السبي عليهما معا انقطع النكاح بينهما سواء أسلما بعد السباء أو بقيا على دينهما . وفي حالة وقوع السبي عليهما متفرقين أربع صور : .
الصورة الأولى : أن تسبى هي أولا ولم تسلم ثم يسبى هو بعدها ولم يسلم ثم يسلما بعد ذلك وفي هذه الحالة لا ينفع إسلامهما في بقاء الحياة الزوجية بل تقطع بينهما بالسبي .
الصورة الثانية : عكس الصورة الأولى بأن يسبى زوجها ويبقى على كفره ثم تسبى هي ثانيا وتبقى على كفرها ثم يسلما بعد ذلك . وهي كالأولى في انقطاع النكاح بينهما .
الصورة الثالثة : أن يسبى هو أولا فيسلم ثم تسبى هي ثانيا فتسلم .
الصورة الرابعة : عكس الثالثة أن تسبى هي أولا وتسلم ثم يسبى هو بعدها ويسلم .
وقد عرفت أن إسلامهما في الصور الأربع لا يفيد في بقاء النكاح بينهما بل ينقطع بوقوع السبي عليهما جميعا سواء سبيا معا أو متفرقين وإذا أراد السابي أن يطأ الزوجة المسبية في هذه الأحوال وجب أن يستبرئها بحيضة لأنها أصبحت بالسبي أمة . فلا تعتد عدة الحرائر . أما إذا لم يقع السبي عليهما جميعا بل وقع على أحدهما فقط فلا يخلو إما أن يسلم أحدهما قبل سبي الآخر أو لا فإن كان الثاني فقد قطع السبي النكاح بينهما وإن كان الأول كان زوجها أحق بها إلا إذا كانت قد حاضت حيضة الاستبراء فإذا حاضت انقطع النكاح بينهما مثلا إذا أسلم الزوج قبل أن تسبى زوجته ثم سبيت وأسلمت . كان أحق بها قبل أن تحيض حيضة الاستبراء وتكون تحته أمة مسلمة تحت حر مسلم أما إذا قدم الزوج إلى دار الإسلام بأمان ولم يسلم ثم سبيت زوجته فقد انقطع النكاح بينهما ومثل ذلك ما إذا أسلمت الزوجة قبل أن يسبى زوجها ثم سبي وأسلم فإنه يكون أحق بها بخلاف ما إذا دخلت دار الإسلام بأمان ولم تسلم ثم سبى زوجها فإن النكاح ينقطع بينهما .
والحاصل أنها إذا سبيت هي فقط قبل إسلامه انقطع النكاح بينهما سواء قدم إلى دار الإسلام بأمان أو لا وإذا سبي هو قبل إسلامها انقطع النكاح سواء قدمت إلى دار الإسلام بأمان أو لا أما إذا سبيت بعد إسلامه أو سبي بعد إسلامها وأسلما كان أحق بها .
الشافعية - قالوا : السبي يقطع النكاح لا بتباين الدارين . فإذا سبيت امرأة الحربي الكافرة قبل الدخول . أو بعده انقطع النكاح بينهما حالان حتى ولو كانت زوجة ذمي لم تدخل في عقد الذمة . بأن كانت وقت العقد معه خارجة عن طاعة المسلمين أما إذا شملها العقد فإنها لا تسبى وهل إذا تزوج مسلم أصلي كتابية في دار الحرب يصح سبيها أو لا ؟ رأيان فقيل : يصح سبيها وقيل : لا يصح وهو المعتمد وهذا بخلاف ما إذا كان الزوج غير مسلم في الأصل بأن كان كتابيا أو وثنيا ثم أسلم فإن إسلامه الطارئ لا يحمي زوجته الكتابية من الأسر ذلك للفرق بين الإسلام الأصلي والإسلام الطارئ من وجهين أحدهما أن المرأة قصرت في عدم إسلامها معه قبل أن تسبى . ثانيهما : أن الإسلام الأصلي أقوى من الإسلام الطارئ . فإن قلت : لماذا قلتم : إن عقد الذمة إذا شمل الزوجية يحميها من السبي وقلتم أن إسلام الزوج لا يحميها ؟ والجواب : أن الإسلام يخاطب به كل واحد منهما استقلالا فلا تتبع الزوجة فيها الزوج بخلاف عقد الذمة فإنها إن كانت في طاعتنا يشملها لأنه ليس مقصورا عليه وحده فهي تابعة له فيه .
وبهذا نعلم أن إسلام الزوج قبل سبي المرأة لا يمنع عنها السبي ومتى سبيت انقطعت علاقة الزوجية بينهما في الحال لأنها تصير رقيقة كافرة تحت مسلم وهو ممنوع ولا ينفع إسلامها بعد ذلك وهذا خلافا للمالكية القائلين : إذا لم يقع السبي على أحد الزوجين ثم أسلم قبل سبي الأخر فإن الزوجية لا تنقطع بينهما بشرط أن الزوجة قبل أن تحيض حيضة الاستبراء إذا كانت هي المسبية وتكون أمة مسلمة تحت حر مسلم . كما هو موضح في مذهبهم السابق .
وكذا إذا سبيا معا أو سبي الزوج وحده فإن الزوجية تنقطع بينهما على الفور لأن مجرد السبي يقطع علاقة الزوجية .
الحنابلة - قالوا : لا ينفسخ النكاح باختلاف الدارين مطلقا فلا فرق في الأحكام المتقدمة بين أن يكون في دار الإسلام . أو في دار الحرب أو يكون أحدهما بدار الإسلام والأخر بدار الحرب فإذا هاجرت امرأة الحربي إلى دار الإسلام مسلمة ولم يهاجر زوجها إليها مسلما قبل انقضاء عدتها فسخ النكاح بينهما كما تقدم وتبين المرأة من زوجها إذا سبيت وحدها أما إذا سبي الرجل وحده أو سبيا معا فلا تبين منه فوافقوا الحنفية في صورة ما إذا سبيا معا أو سبي الرجل وحده ولم يختلفا في الدار ووافقوا الشافعية والمالكية فيما إذا سبيت المرأة وحدها .
وسيأتي تفصيل كل ذلك مع أدلة الجميع في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى )