( تابع . . . 2 ) : - العيوب التي توجد في الزوجين تنقسم إلى قسمين ( 1 ) : قسم يوجب لكل .
هذا ولا تنافي بين ثبوت النسب وبين حق المرأة في طلب الفرقة متى كانت غير عالمة به قبل العقد لأن المساحقة والإنزال لا يسقطان حقها في طلب الفسخ بل الذي يسقط حقها الوطء ولو مرة فلو تزوجته سليما وواقعها مرة واحدة ثم جب بعد ذلك فلا حق لها في الفسخ هذا في المجبوب أما العنين فحكمه أن للمرأة طلب فسخ العقد بالشرط الخمسة المتقدمة . إلا أنه يمهله القاضي سنة لأنه قابل للعلاج سواء كان حرا أو عبدا .
وبيان ذلك أن المرأة إذا تزوجت بعنين لا تعلم حاله كان لها الحق في أن ترفع أمرها للقاضي ليؤجله القاضي سنة قمرية وتحتسب بالأهلة إذا كانت في أول الشهر أما إذا كانت الدعوى في وسطه فتحتسب الأيام والسنة القمرية بالأيام ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وثمان ساعات وثمان وأربعون دقيقة بخلاف السنة الشمسية فإنها تحتسب بالأيام وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وخمس ساعات وخمسون دقيقة فهي تزيد عن السنة القمرية بأحد عشر يوما ونصف نهار تقريبا وبخلاف السنة العددية وهي ثلاثمائة وستون يوما وقد جرى الخلاف في ذلك . فبعضهم يرى تأجيله سنة قمرية وبعضهم يرى تأجيله سنة شمسية وبعضهم يرى تأجيله سنة عددية ولكن المعتمد الأول لأن لسنة إذا أطلقت في لسان الشارع انصرفت إلى السنة القمرية ما لم يصرحوا بغير ذلك .
وتبدأ السنة من وقت الخصومة برفع الأمر إلى القاضي ما لم يكن الزوج صبيا أو مريضا أو محرما فتبدأ السنة من وقت بلوغه إذا كان صبيا ومن وقت صحته إذا كان مريضا ومن وقت تحلله من الإحرام إن كان محرما .
ولا يسقط حق المرأة بسكوتها بعد علمها زمنا طويلا حتى ولو كانت مقيمة معه وتضاجعه وإذا رفعت أمها إلى القاضي وأحلها سنة ثم أقامت معه في خلال تلك السنة بعد وضاجعته لا يسقط حقها أيضا لأن المفروض في التأجيل أن تخلطه لتجربه فإذا انتهت السنة بعد ذلك ورفع الأمر للقاضي كي يأمره بالطلاق أو يفرق بينهما إذا امتنع فضرب القاضي لها موعدا للخيار وخالطته أو ضاجعته بعد ذلك سقط حقها وكذا إذا خيرها القاضي في المجلس فقامت ولم تقل : اخترت نفسي فإنه يسقط حقها حتى ولو أقامها أحد آخر كأعوان القاضي فإن الواجب عليها قبل أن تقوم أن تقول : اخترت عدم معاشرته أو اخترت نفسي .
والحاصل أن حقها يسقط بأمرين : قيامها معه ومضاجعتها له بعد تخيير القاضي . وقيامها من المجلس بعد التخيير في المجلس بدون اختيار . أما قبل ذلك فلا يسقط اختيارها .
ويشترط أن يكون التأجيل صادرا من القاضي أما التأجيل الصادر منها أو من غيرها فإنه لا يعتبر وظاهر كلامهم أن التأجيل الصادر من محكم لا ينفع أيضا مع أن المعروف أن للمحكم الفصل فيما حكم فيه كالقاضي وقد يجاب بأن القاضي هو المرجع في النهاية إذ هو الذي يطلق إذا امتنع الزوج عن الطلاق فلا يعتبر التأجيل إلا إذا كان صادرا عنه فإذا عزل أو انتقل وجب على القاضي الذي يحل محله أن يبني على تأجيل الأول .
وإذا ادعى أنه وطئها وأنكرت فإن كانت بكرا حكمت امرأة لها خبرة موثوق بعدالتها فإن قالت : إن بكارتها أزيلت بالوطء حلف الزوج بأنه وطئها فإن حلف قضي له وإن نكل خيرت الزوجة بين الإقامة معه وطلاقها منه على الوجه المتقدم إذا لم يكن قد أجل له سنة وإلا أجل له سنة بعد تقرير ذات الخبرة وإن عرضت على امرأتين لهما خبرة كان أفضل وأوثق أما إن كانت المرأة ثيبا حين تزوجها فإنه يحلف بأنه وطئها من غير عرضها على ذات خبرة ويعمل بقوله لأنه منكر لاستحقاق الفرقة هذا هو المقرر وقد يقال : إذا وجدت وسيلة يمكن بها معرفة الرجل إذا كان قد قدر على الوطء كما يقول أو لا كالكشف الطبي فلماذا لا يصار إليها دفعا لتضرر المرأة والنبي A يقول : " لا ضرر ولا ضرار " وعندي أنه لا مانع من ذلك لأنه هو الوسيلة الوحيدة للإثبات خصوصا أنهم أجازوا عرض المرأة على النساء إذا ادعى أنها رتقاء وأنكرت ولا فارق بينهما .
ويحتسب للزوج مدة غيابها عنه لحج ونحوه بمعنى أنه يطرح له من السنة ويعوض عنها أياما بعددها أما مدة غيابه هو فإن كانت باختياره فإنها تحتسب عليه ولا يعوض عنها لأنه يمكنه أن يأخذها معه وإن كانت رغم أنفها كما إذا حبس في دين ولو كان لها فإنها تحتسب متى تعذر وصوله إليها فإذا كان مظاهرا لها ولا يقدر على كفارة الظهار من عتق الرقبة فإنه يؤجل له شهرين لأجل أن يصومهما وسنة بعد الشهرين أما رمضان فإنه يحتسب من السنة وكذا أيام حيضها ومتى ثبت بعد إمهاله السنة أنه باق على مرضه وأنه عاجز عن إتيانها أمره القاضي بطلاقها فإن أبى طلق عليه وكان عليها العدة ولها كل المهر كما تقدم في المجبوب إلا أن المرأة إذا جاءت بولد بعد التفريق وثبت نسبه من العنين بطلت الفرقة وعادت زوجة له وذلك لأن ثبوت النسب يلزمه أن الرجل قد وصل إليها وأنه قد برئ من عنته فيبطل الحكم المترتب على العنة وهو الفراق بخلاف المجبوب فإنه لا يتصور فيه أنه أتاها وإنما النسب قد بني على الإنزال بالمساحقة فلا يسقط حقها في الفرقة .
هذا وإذا تراضيا على العودة بعد الفرقة فإنه يصح أما الخصي - وهو مقطوع الأنثيين - فإن كان ينتصب فلا خيار لها سواء أنزل أو لم ينزل متى كان قادرا على وطئها وإلا كان حكمه حكم العنين خلافا للمالكية الذين يعدون عدم الإنزال عيبا يفسخ به والحنابلة الذين يعدون الخصاء من عيوب الفسخ مطلقا أنزل أو لم ينزل . ووفاقا للشافعية .
الشافعية - قالوا : لكل من الزوجين طلب فسخ الزواج بوجود عيب من العيوب المشتركة بينهما التي يصح وجودها فيهما معا أو في أحدهما ولو كان أحدهما معيبا بمثل هذه العيوب كما قال المالكية لأن الإنسان قد يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه .
وهذه العيوب هي الجذام والبرص والجنون أما العذيطة - وهي التغوط عند الجماع - فليست عيبا عندهم أما الجنون فإنه يجعل لكل منهما الخيار في الفسخ سواء حدث بعد العقد والدخول أو كان موجودا قبل العقد فلا فرق بين الرجل والمرأة خلافا للمالكية ولا فرق أيضا بين أن يكون جنونا مطبقا أو متقطعا إلا إذا كان قليلا جدا بأن يأتي في كل سنة يوما واحدا والمراد بالجنون ما يشمل فقد الشعور القلبي والصراع والخبل والإغماء الميئوس من شفائه فإذا جن أحد الزوجين كان للآخر الحق في طلب فسخ النكاح فإذا كان أحد الزوجين معيبا بالعيب الموجود في صاحبه فإنه لا يسقط حقه . كما علمت ولكن إذا جن الزوجان معا فإنه يتعذر منهما الخيار فينتقل حقهما إلى وليهما واعترض بأن الولي لا خيار له بالعيب المقارن للعقد والجنون إذا كان مقارنا للعقد يبطله رأسا لأنه يشترط أن يزوج من كفء والمجنون غير كفء والجواب : أنه يزوج وهو يظن أنه سليم من الجنون أو تأذنه هي قبل أن يجن بأن يزوجها من فلان فزوجها منه وبان جنونه فإن العقد في هذه الحالة يصح وله حق الفسخ .
وأما الجذام أو البرص وهما داءان معروفان فإنهما الجنون في الحكم المتقدم وهل يشترط فيهما التفاحش والظهور . أو لا ؟ المعتمد أنه لا يشترط بل يكفي حكم أهل الخبرة وهو الطبيب الموثوق به في زماننا . ويشترط في الفسخ بوجود عيب من هذه العيوب . أو غيرها مما يأتي أن لا يعلم أحدهما به فإن علم ورضي لم يكن له حق في الفسخ إلا العنة فإن العلم بها لا يضر كما يأتي .
فإذا رضيت المرأة بعيب من هذه العيوب ولم يرض وليها كان للولي الحق في طلب الفسخ بشرط أن يكون العيب موجودا حال العقد أما إذا حدث بعده فليس له الحق . وذلك لأن حق الولي في هذه الحالة هو حقه في الكفاءة . وهذه العيوب تنافي الكفاءة فمتى كان الزوج سليما منها عند العقد . فقد صادف العقد كفاءته فلا حق للولي في الاعتراض على ما يحدث بعد العقد وكذا لا حق له في الاعتراض على ما هو من اختصاص المرأة كما إذا رضيت بالعنين أو المجبوب فإن اللذة خاصة بها لا شأن له فيها .
فإن قلت : إنكم قد اشترطتم في ثبوت حق الفسخ للمرأة أن لا تعلم العيب فإن علمت به فلا فسخ وهذا لا يمكن تصوره في العيب المقارن لأنها إن علمت به ووليها سقط الخيار وإن لم تعلم به بطل العقد لأنه وقع من غير كفء فليس لها الخيار والجواب هو ما ذكرناه قبل هذا وهو أنه يتصور فيما إذا أذنت المرأة وليها أن يزوجها من هذا الشخص المعين فزوجها منه وهو يظن أنه سليم ثم بان أن به عيبا فإن العقد في هذه الصورة يقع صحيحا على المعتمد ويكون للزوجة أو وليها حق الفسخ بعد العلم .
أما العيوب المختصة بالمرأة التي تجعل للرجل الحق في الفسخ فهما الرتق والقرن وإن شئت قلت : انسداد محل الجماع بأمر خلقي أو عارض بحيث لا يتأتى معه التمتع المقصود من العقد وإذا كانت بالغة وطلب منها الزوج إزالته بعملية جراحية فإنها لا تجبر وهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء فسخ العقد هذا إذا كانت كبيرة أما الصغيرة فلوليها أن ينظر إلى مصلحتها فإن كانت الإزالة لا خطر فيها وجبت عليه الإزالة والفرق واضح وهو أن البالغة تدرك معنى اللذة وتعلم أن عصمتها بيد الزوج فإذا رفضت إزالة ما بها كان معنى هذا أنها زاهدة في الزوج وفي اللذة مفضلة بقائها على حالها أما الصغيرة فإنها لا تدرك فوليها مسؤول عنها .
أما العيوب المختصة بالرجل فهما الجب والعنة فالمجبوب - هو مقطوع الذكر - كله أو بعضه بحيث لم يبق منه قدر الحشفة التي تصل أما قطع الحشفة وحدها فإنه لا يضر خلافا للمالكية ولا يشترط في طلب الفسخ بالجب أن تكون هي سليمة من العيب المقابل فلو كانت رتقاء وهو مجبوب جاز لها أن تطالب بالفسخ وفاقا للمالكية وخلافا للحنفية فلا يشترط لها إلا عدم العلم فلو علمت به ورضيت سقط حقها في الفسخ أما عدم الوطء فإنه ليس بشرط فلو وطئها ثم جب بعد ذلك كان لها الحق في الفسخ خلافا للمالكية والحنفية وهو قريب من العقل لأن المقصود من الزواج الاستمتاع والجب يقطع الأمل منه نهائيا فكأن المرأة متزوجة بامرأة مثلها فإذا رضيت بالبقاء على هذه الحالة فذاك وإلا كان لها الحق ولذا بالغ الشافعية في هذا فقالوا : إن لها الحق في الفسخ ولو قطعته هي بيدها .
والعنين فقد عرفوه بأنه العاجز عن اتيان امرأته في قبلها حتى ولو كان قادرا على اتيان غيرها . أو اتيانها هي في دبرها ويشترط لإثبات العنة شرطان : الأول : أن لا يكون الزوج صبيا أو مجنونا فإن كان صبيا أو مجنونا فإن دعوى العنة فيهما لا تسمع وذلك لأن العنة لا تثبت إلا بأحد أمرين : الإقرار أو نكوله عن الحلف بعد أن تحلف هي يمين الرد وذلك لا يتصور من الصبي أو المجنون على أن لها حق الفسخ بالجنون وعليهما انتظار الصبي حتى يبلغ فعساه أن يبرأ . الثاني : أن لا تكون العنة قد حدثت بعد الوطء وإلا فلا حق لها في الفسخ . وذلك لأنها في هذه الحالة ترجو زوالها ولا يشترط عدم علم الزوجة بالعنة قبل العقد فلو كانت عالمة بها فلها حق الفسخ وذلك لأن العنة بهذا المعنى يرجى زوالها كما قال المالكية وقد اعترض بأن العنة لا يمكن أن تعرفها المرأة إلا بعد العقد ومخالطة الرجل فكيف يعقل أن تعرفها قبل ؟ وقد أجيب بأن هذا يتصور فيما إذا تزوجها وعرفت منه العنة ثم طلقها وأراد أن يجدد نكاحها فإن الأصل استمرار العنة ولا أدري لماذا لا يكون علمها عن طريق إقراره بها أمامها ؟ .
فهذه هي العيوب التي توجب الخيار في الفسخ أما غيرها من عذيطة - تغوط عند الجماع - أو استحاضة ولو كانت مستحكمة خلافا لمن قال : إنها من العيوب أو بهق أو بخر . أو قروح سياله . أو حكة . أو نحو ذلك من الأمراض فإنها لا يثبت بها خيار وكذا إذا كان أحد الزوجين خنثى واضح الخنوثة كأن كان فرج المرأة كاملا ولكن لها ما يشبه الآلة المائتة الصغيرة . أو كان للرجل ذكر واضح وشق لا قيمة له أما الخنثى المشكل فلا يصح العقد عليه رأسا . على أنهما قالوا إذا كان بأحدهما مرض دائم لا يمكن معه الجماع وقد أيس من زواله كان من قبيل العنة وحينئذ يفصل فيه بين كونه قبل الوطء فيثبت به حق الخيار أو بعده فلا يثبت .
والحاصل أن العيوب التي يثبت بها حق الفسخ لأحد الزوجين أو لهما سبعة منها ثلاثة مشتركة وهي : الجنون والجذام والبرص ومنها اثنان يختصان بالمرأة وهما : الرتق والقرن ولم يذكروا العقل لأنه داخل فيهما واثنان يختصان بالرجل وهما الجب والعنة وأما الخصاء وهو - قطع الأنثيين مع بقاء الذكر ينتصب - فإنه ليس بعيب ولو كان لا يمني خلافا للمالكية أما إذا استوجب الخصاء عدم الانتصاب كان ذلك في حكم العنين .
وبذلك تعلم أن المالكية زادوا العذيطة في العيوب المشتركة وزادوا الخصاء والاعتراض في عيوب الرجل وزادوا العفل والبخر والافضاء في عيوب المرأة كما يعلم من الاطلاع في مذهبهم .
( يتبع . . . )