( تابع . . . 3 ) : - العيوب التي توجد في الزوجين تنقسم إلى قسمين ( 1 ) : قسم يوجب لكل .
والفسخ بالعيوب المذكورة على الفور إلا العنة فإنه يمهل الزوج سنة لا فرق بين أن يكون حرا أو عبدا خلافا للمالكية الذين يجعلون المهلة نصف سنة للعبد ووفاقا للحنفية والحنابلة ولا أعرف سببا للتفرقة هنا لأن الدليل الذي بني عليه التأجيل وهو أن عمر قد أجل للعنين سنة - لم يفرق بين الحر وغيره ويشترط للفسخ بكل عيب من العيوب زيادة على ما مضى شرطان . أحدهما : رفع الأمر للقاضي فلو تراضيا على الفسخ بالعيب الذي يفسخ به فإنه لا يصح . نعم يصح بالمحكم المستكمل للشروط فإذا أقام الزوجان حكما وقضى بالفسخ فإنه يصح خلافا للحنفية . ثانيهما : إقامة البينة على العيب الذي يمكن إثباته بالبينة كالجذام والبرص . أما العنة فإنها تثبت بإقراره عند القاضي أو عند شاهدين بها عند القاضي إذ لا يتصور ثبوتها بالبينة إذا ليس عندهم ما يفيد عرض الزوج على الطبيب الخبير فإن لم يعترف حلف هو فإن نكل ردت اليمين عليها فحلفت أنه عنين لجواز اطلاعها بالقرائن .
فإذا ثبت العنة عند القاضي بالإقرار . أو الحلف أجل القاضي له الفسخ سنة تبتدئ من وقت ثبوت العنة وبعد السنة ترفع المرأة الأمر للقاضي فإن ادعى الزوج أنه أتاها فإن كانت ثيبا حلف أنه أتاها فإن نكل عن اليمين حلف أنه ما وطئها فإن حلفت أو أقر هو بذلك فسخ القاضي بعد قوله : ثبت عنته أو ثبتت حق الفسخ ولو لم يقل حكمت أما إذا كانت بكرا حلفت هي أولا فإن نكلت حلف هو وذلك لأن الظاهر - وهو البكارة - يؤيدها .
فإذا مرضت المرأة أو منعت عنه طرحت أيام مرضها من السنة وعوض الزوج أياما أخرى أما إذا وقع ذلك للزوج فإنه يحتسب عليه .
أما السلامة من العيوب الأخرى كالسواد ونحوه فقد مر حكمها في الشروط فارجع إليها إن شئت .
الحنابلة - قالوا : العيوب في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول يختص بالرجل وهي الجب والعنة والخصاء فأما الجب فهو - قطع عضو التناسل - كله أو بعضه بحيث لم يبق معه ما يمكن به الوطء والعنة هي - العجز عن وطء امرأته في قبلها - أما لو قدر على وطئها في دبرها أو وطء امرأة غيرها فإن العنة لا ترتفع عنه بذلك كما يقول الشافعية والحنفية فمتى عجز الرجل عن وطء امرأته كان عنينا ولو اشتهاه والخصاء هو - قطع الأنثيين - أو سلهما كما يسل الأنثيان من الحيوان مع بقاء جلديهما ولو كان الذكر باقيا سليما يمكن الوطء به لأن الخصاء إما أن يمنع الوطء أو يضعفه وكلاهما عيب فإذا طلبت امرأة المجبوب أو المخصي فسخ العقد أجيبت إلى طلبها بدون مهلة ومثل ذلك ما إذا كان الذكر أشل لا أمل في شفائه إذ لا فائدة من التأجيل وأما إذا كان عنينا فإنه يؤجل سنة هلالية رجاء برئه . وتبتدئ من وقت المحاكمة ولا يحتسب عليه منها الأيام التي تنقطع المرأة عنه فيها بفعلها أما إذا انقطع عنها هو حسبت عليه ويشترط في ثبوت العنة إقرار الزوج بها أمام القاضي أو أمام بينة تشهد بذلك الإقرار وإن كان للمرأة بينة من أهل الخبرة والثقة عمل بها وهذا حسن لأن معنى هذا عرض المعيب على الطبيب الثقة الخبير وقراره يفصل في الموضوع . ومثل ذلك ما إذا ادعت أن بذكره شللا فإنه لا يمكن أن يحكم في الموضوع حكما صحيحا إلا الطبيب الخبير .
ويشترط في الفسخ شروط : أحدها أن يرفع الأمر لحاكم فلو رفع لغيره وأجل سنة هلالية لا ينفع التأجيل وكذا إذا فسخه غير الحاكم وهذا الشرط في كل العيوب إذ لا بد في الفسخ بكل عيب من الحاكم . ثانيها : أن يكون الزوج بالغا فلو كان صغيرا أو عجز عن الوطء فلا حق لها في رفعه للقاضي لإثبات عنته لأنه يحتمل أن يكون ذلك بسبب الصغر فإذا بلغ وعجز رفع أمره ليمهله سنة كغيره . ثالثها : أن لا ترضى الزوجة بالعنة فإن علمت بأنه عنين قبل العقد ورضيت به وثبت ذلك العلم ببينة فإن القاضي لا يؤجل وفاقا للحنفية وخلافا للمالكية . والشافعية الذين يقولون : إن علم المرأة بالعنة قبل الدخول لا يسقط حقها وإذا علمت بالعنة بعد الدخول وسكتت بدون أن تصرح بالرضا فإنه لا يسقط حقها أما إذا قالت : رضيت به عنينا فلا خيار لها أبدا .
فإن أمهله القاضي سنة وادعى أنه وطئها في قبلها وكانت ثيبا فأنكرت فالقول قولها لأن الأصل عدم الوطء وقد تأيد ثبوت العنة فلذا كان القول قولها وهذا بخلاف ما إذا ادعى الوطء قبل ثبوت العنة وأنكرته فالقول له مع يمينه لأن الأصل السلامة وقد عرفت أنه إن كان للمدعي بينة من أهل المعرفة والثقة عمل بها كما صرح به في المبدع ولا أوثق من الطبيبة الثقة أما إذا كانت بكرا وادعى أنه وطئها في خلال السنة وشهدت ثقة ببقاء بكارتها كان القول قولها أما إذا شهدت بزوال البكارة كان القول له فإن قالت : إنه أزالها بغير الوطء كان عليه في هذه الحالة اليمين ولا يخفى أن هذه الحالة تعرف بالخبير الثقة وهي الطبيبة فيعمل برأيها بناء على ما ذكر والأحوط أن يؤخذ في ذلك برأي طبيبين .
القسم الثاني : يختص بالمرأة وهو الرتق والقرن والعفل والفتق وقد عبر عنه المالكية بالإفضاء وهو اختلاط مسلكي البول والمني أو اختلاط الدبر بالقبل ويقال لها - شريم - كما تقدم والاستحاضة ويخرج الفرج نتنا يخرج منه بالوطء أما بخر الفم فهو عيب مشترك كما يأتي فإذا وجد عيب في المرأة من هذه العيوب كان للرجل طلب الفسخ بدون مهلة ولا ينتظر وقت إمكان الوطء لأن الأصل بقاء المرض بحاله فإذا كانت الزوجة عقلاء أو قرناء أو رتقاء وكانت صغيرة لا ينتظر كبرها بل له الفسخ في الحال .
القسم الثالث : عيوب مشتركة بين الزوجين وهي الجنون والجذام والبرص وسلس البول واستطلاق الغائط أو بعبارة أخرى الإسهال الدائم ومن باب أولى العذيطة التي يقول بها المالكية فإن شر من هذا . لأنها عبارة عن التغوط عند الجماع وقروح سيالة في فرج المرأة . أو ذكر الرجل ولا يخفى أن السيلان . أو الزهري من هذا أو هو شر منه والباسور أو الناسور وقراع رأس له رائحة منكره وبخر فم وأن يكون أحد الزوجين خنثى واضحا فإن الخنوثة الواضحة عيب يفسخ به أما المشكلة فإن العقد يبطل معها .
فأما البرص والجذام والجنون فإنها تجعل لأحد الزوجين الحق في طلب الفسخ في الحال سواء كان الزوج صغيرا أو كبيرا وكذلك الزوجة .
ولا فرق في الفسخ بعيب من العيوب المذكورة جميعا بين أن تكون موجودة قبل العقد أو حدثت بعده كما لا فرق فيها بين أن يكون قبل الدخول أو بعده ولكن يشترط في ثبوت حق الفسخ بها كلها عدم الرضا فإن رضي أحدهما بالعيب صريحا بأن قال : رضيت أو ضمنا بان مكن من نفسه فلا خيار له ولا يشترط أن يكون أحدهما خاليا من العيب كما يقول الشافعية والمالكية خلافا للحنفية ثم إن كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها سواء كان الفسخ منه أو منها . وذلك لأن طلب الفسخ إن كان منها كانت الفرقة منسوبة إليها فلا تستحق مهرا وإن كان منه كانت الفرقة منسوبة إليها لسبب العيب الذي دلسته عليه فكأنه منها . وقد يقال : إنه إذا كان منها العيب في الرجل أنه دلس عليها العيب فكان منسوبا إليه مثل ما إذا كان العيب بها ودلسته عليه .
وإن كان الفسخ بعد الدخول أو الخلوة فلها المهر المسمى في العقد سواء كان الفسخ منها أو منه وذلك لأن الصداق عندهم يتقرر بالخلوة . والقبلة والنظر بشهوة وغير ذلك فلا يسقط ومثل ذلك ما لو مات أحدهما قبل الدخول وللزوج الحق في الرجوع بالمهر على من غره فأوقعه في الزواج بالمعيبة إذا كان بعد الدخول أو الخلوة ونحوها أما قبل الدخول فلا مهر وأما بعد موت أحدهما فلا رجوع له .
وإذا زوج الولي الصغيرة أو المجنونة بمعيب . فإن علم به وقت العقد بطل العقد وإن لم يعلم صح العقد . وله حق الفسخ .
وإذا زوجت الكبيرة بمجنون أو أجذم أو أبرص ورضيت به كان للولي حق الاعتراض وطلب الفسخ لأن ذلك يرجع إلى الكفاءة خصوصا أن فيه ضررا يخشى أن يتعدى إلى الولد وإلى الأسرة أما إذا رضيت بالعنين . والمجبوب والخصي فلا حق للولي في الاعتراض لأن الوطء من حق المرأة دون غيرها وهي رضيت أن تعيش بدونه فلا إكراه لها كما يقول الشافعية في الحالتين وإذا حدث العيب بعد العقد فلا حق للولي مطلقا لأنه حق للولي في ابتداء العقد لا في دوامه )