القسم الثالث : العيب الحادث بالمرأة بعد العقد : وهذا لا كلام فيه فإن الرجل لا خيار له فيه كما هو موضع فيما قبل هذا فإذا الرجل أمكنه التخلص منها بالطلاق .
القسم الرابع : العيب القديم بالمرأة كما كانت مجنونة قبل العقد أو بها برص بين أو جذام بين لم يعلم به الزوج فإنها في ذلك كالرجل يؤجل الحاكم لها الفسخ سنة قمرية . هذا في العيوب المشتركة أما العيوب المختصة بالمرأة وهي عيوب عضو التناسل كالقرن . والعفل . والبخر الخ . فإن الحاكم يؤجل لها بحسب ما يلزم لعلاجها باجتهاده وتجبر على إزالة مثل هذا العيب إذا طلبه الزوج إلا إذا كان الداء طبيعيا بحسب الخلقة . فإنها لا تجبر على إزالته بخلاف ما لو كان عارضا وعللوا ذلك بان في إزالة الطبيعي شدة ضرر . ومعنى هذا أنها تجبر على إجابته إذا انتفت شدة الضرر بالبنج ونحوه والواقع أن الخلاف في مثل هذا مصدره صعوبة القطع قبل تقدم الجراحة أما الآن فلا فرق بين الطبيعي وغيره بل إزالة العارض الذي مثلوا به أشد من إزالة الطبيعي .
والحاصل أن الذي ينبغي أن يقال الآن بحسب تعليلهم : إن طلب الزوج إزالة وكانت إزالته لا يترتب عليها شدة ضرر أو تشويه في الخلقة تجبر على إزالة وإلا فلا لا فرق بين الطبيعي وغيره وإن طلبت إزالته هي وجب على الزوج إجابتها ما لم يترتب على إزالته تشويه للمحل فإنه لا يجبر لأن النتيجة واحدة في كلتا الحالتين وهي نقص الاستمتاع .
هذا وإذا كان المرض القائم بالرجل من عيوب عضو التناسل كالعنة وارتخاء الذكر ويقال له : الاعتراض فإنه يؤجل له فيها سنة بشرط أن يرجى برء الداء أما إذا كان لا يرجى برؤه كالمجبوب أو الخصي الذي لا يمني أو العنين الذي له آلة صغيرة بحسب الخلقة فلا يستطع الوصول إلى الوطء فغن مثل هولاء لا يرجى برؤهم فلا معنى للتأجيل لهم لأن الغرض من التأجيل التداوي وحيث لا يرجى البرء ففيم التداوي ؟ .
والحاصل أن الأمراض المشتركة بين الرجل والمرأة والأدواء المختصة بالرجل إذا كان يرجى برؤها فإنه يؤجل فيها الحر سنة والعبد نصفها ونقل عن مالك أيضا أن العبد في ذلك مثل الحر وهو المعقول وإن كان العمل على الأول .
وأما الأمراض المختصة بالنساء فالتأجيل فيها بالاجتهاد حسبما تقتضيه حالة علاج الداء .
ثم إن بدء التأجيل بالسنة يكون من يوم الحكم لا من يوم رفع الأمر للقاضي وإذا كان المعيب مريضا بمرض آخر غير العيب تحتسب السنة من الوقت شفائه من المرض الآخر مثلا إذا أجل للرجل الذي لا ينتصب سنة وكان مريضا بالحمى فتحسب له السنة من أول يوم شفي من الحمى .
هذا ولا يكون للمرأة خيار إذا دخل بها وهو سليم من المرض ووطئها ولو مرة واحدة ثم عرض له المرض بعد ذلك فلو كان صبيا ثم أصيب بقطع ذكره لمرض بعد أن عاشرها وهو سليم كان ذلك مصيبة حلت به لا خلاص له منها ومثل ذلك ما إذا عرض له مرض منعه من الانتصاب أو عرضت له شيخوخة منعته من الوطء .
هذا حكم التأجيل وقد يتنازع الزوجان بعد انتهاء مدة الأجل فإليك بيان حكم التنازع إذا تنازع في البرء من هذه العيوب فغن كان العيب ظاهرا كالجذام والبرص والجنون فلأمر ظاهر لأن البرء منها لا يخفى في الوجه أو اليدين ولا بد فيه من شهادة رجلين وإن كان في باطن الجسم كفى فيه امرأتان ومعنى هذا إباحة النظر فيه للطبيب الثقة من بباب أولى أما إن كان باطنا وهو العيب المتعلق بعضو التناسل فإن كان متعلقا بالرجل كعدم انتصاب الآلة فادعى أنه وطئها قبل تمام السنة المحددة له وأنكرت كان القول له بيمنه لأنه أنكر أصل الدعوى وهي عدم قدرته على الوطء فإن نكل عن اليمين حلفت هي فغن حلفت قضي لها بأن يأمره بتطليقها فإن أبى ففيه قولان : أحدهما أن الحاكم يطلق عليه . ثانيها : أن الحاكم بأمرها هي بإيقاع الطلاق كأن تقول : طلقت نفسي منك ثم يحكم الحاكم بالطلاق الذي أوقعته لأن أمره إياها بإيقاع الطلاق ليس حكما عند بعضهم وبعضهم يقول : إن الذي يفعله القاضي بعد تطليقها نفسها ليس حكما وإنما هو إشهاد بما حصل منها . فهو خارج عن الخلاف المذكور وإذا طلق القاضي ثلاثا يقع إلا واحدة وكذا أمرها بتطليق نفسها فزادت على واحدة أما الزوج فله أن يطلق كما شاء .
هذا والمفروض أنه طلقها قبل البناء لأنه لم يطأها أبدا إذ قد علمت انه لو وطئها ولو مرة سقط حقها في طلب الفسخ وفي هذه الحالة يقع الطلاق البائن واحدا ومع ذلك فإنه إذا خلا بها تجب العدة احتياطا . فهما يعاملان بإقرارهما من حيث الوطء وتعامل العدة بالخلوة الاحتياط ولها الصداق كاملا إن أقامت معه السنة كلها ولو لم يطأها لأنك قد عرفت فيما تقدم أن مكث المرأة سنة مع الزوج يقرر لها الصداق ولو لم يطأها لأنه قد تلذذ بها وانتفع بجهازها وطال مقامها معه فتستحق على هذا كله كل الصداق أما إذا طلقها قبل مضي السنة فإنها تستحق نصف المهر ثم إن كان قد تلذذ بها كان لها الحق في العوض بحسب اجتهاد القاضي .
وكذلك إذا كان العيب الجب . أو العنة أو الخصاء فإن أنكره الرجل فإنه يمكن معرفته بالجنس بان يجس موضعه والجنس يتأتى به العلم في ذلك كالنظر وهو وإن كان غير جائز كالنظر إلا أنه أخف وارتكاب أخف الضررين للضرورة لازم مادامت النتيجة واحدة وبعضهم يرى جواز النظر إليه للتحقق من دعواه لأن المسألة مفروضة في الحكم بين خصمين فكل ما يوجب التثبيت يكون أولى من غيه وهذا الرأي يناسب زماننا لأنها يصح أن يعرض على خبير له دراية بالطب ليقرر بشأنه قرارا قاطعا على أن الرجل الذي يعلم ستعرض على طبيب ثقة أو طبيبين موثوق بهما لا يمكنه أن ينكر من أول الأمر وتنتهي الخصومة .
أما إذا كان العيب الاعتراض وهو الارتخاء فإنه لا يعلم بالجنس وقد عرفت أن الرجل يصدق بيمينه ومثل ذلك ما إذا كان بذكره مرض سري لا يعرف بالجنس فإنه يصدق فيه بيمينه ولا أدري لماذا لا يعرض على طبيب أيضا إذا لا فرق بين حبس المجبوب أو العنين والنظر إليهما وبين هذا - بل ربما كان خطره أشد إذ قد يكون مصابا بالسيلان أو الزهري فيؤذي المرأة - وقواعد المذاهب لا تأبى ذلك فإنهم يقولون دائما برفع الضرر .
وإذا طلق العنين أو المجبوب أو الخصي الذي لا يمكنه الوطء بعد الدخول كان عليه الصداق كله بالخلوة والتلذذ أما إذا طاق القاضي عليه مهر لها لأن الخلوة لا يتقرر بها المهر والمجبوب و العنين والخصي الذي يمكنه الوطء أصلا لا يتصور منهم وطء فلا يجب عليهم مهر أما الخصي - مقطوع الأنثيين الذي يمكنه الوطء ولكنه لا يمني - فإنه يجب عليه المهر إذا أولج فيها كما تقدم أما إذا أطلق المجذوم . أو الأبرص بعد الدخول أو طلق عليهم القاضي فإنه يجب لها المهر المسمى وكذلك المجنون إذا طلق عليه القاضي فإنها يجب لها المسمى لأنه يتصور وقوع الوطء من هؤلاء .
هذا في عيوب الرجل المتعلقة بالوقاع أما عيوب المرأة المتعلقة به فإنها تصدق فيها أيضا بيمينها فإذا أنكرت أنها بها عيبا من العيوب المتعلقة بذلك أو أنها برئت من هذا العيب فإنها تصدق بيمينها ولا تجبر على أن ينظر إليها النساء ولكن إذا رضيت باختيارها بأن ينظر إليها شاهدتان فإن قولهما يقبل وذلك في المرأة لا يترتب عليه كثير ضرر للرجل فإن الرجل الذي يتضرر من العيب القائم بالمرأة ولا يستطيع البقاء معها يستطيع أن يتخلص منها بالطلاق بدون حاجة إلى التشهير بها واطلاع الناس على عورتها وأما المرأة فإنها معذورة لأن عصمتها بيد الرجل ولا مغيث لها من التضرر إلا بإثبات العيب القائم به على أنك قد عرفت فيما قدمناه أن العيوب الظاهرة بالمرأة لا بد فيها من شهادة رجلين إذا كانت بالوجه واليدين أو بامرأتين إن كانت في باقي البدن .
وحاصل حكم المهر بالنسبة للعيوب التي تجعل للزوجين الخيار في الفسخ بدون شرط أن العيب إما أن يكون في الزوج أو في الزوجة فإن كان في الزوج فلا يخلو إما يكون متعلقا بالجماع أولا فإن كان متعلقا بالجماع فهو على قسمين : الأول أن يكون العيب - الاعتراض - أي عدم الانتصاب فغن لم ترض به الزوجة وطلقها قبل أن يمكث معها زمنا طويلا فلها نصف المهر وتعويض عما نال منها بالتلذذ بها بحسب اجتهاد القاضي ولا فرق في ذلك بين أن يطلقها باختياره أو يطلقها القاضي عليه . الثاني : أن يكون العيب الجب أو العنة والمجبوب و العنين إذا طلق أحدهما زوجته باختياره بعد بنائه بها كان الصداق كاملا أما إذا لم ترض بهما الزوجة ورفعت أمرها للحاكم فحكم بالطلاق فلا مهر لها ومثل العنين والمجبوب الخصي الذي قطع ذكره والشيخ الكبير الذي عجز عن الوطء أما الخصي الذي قطعت أنثياه فإن عليه الصداق كله بالإيلاج وان يمن . أما إذا كان عيب الزوج من الأمراض التي لا تتعلق بعضو التناسل كالجذام والبرص والجنون فإنه إذا طلق هو باختياره او طلق عليه القاضي بعد الدخول كان لها المهر المسمى جميعه لأن الأجذم والأبرص والمجنون يتأتى منهم الوطء .
أما إذا كان العيب في المرأة فإن اطلع عليه الرجل قبل الدخول فهو بالخيار بين أن يرضى بالعيب ويكون عليه المسمى أو يفارقها ولا شيء عليه وإن اطلع بعد الدخول كان بالخيار بين أن يرضى ويلزمه المسمى أو لا يرضى ويفارقها فلزمه أقل المهر وهو ربع دينار فإذا فسخ القاضي نكاحها بعد الدخول رجع عليها بما غرمه لها من مهر .
هذه أحكام العيوب التي تجعل لكل من الزوجين الحق في الفسخ وهناك عيوب أخرى كالسواد والقراع والعمى والعور والعرج والشلل وكثرة الأكل فإنها لا تعتبر إلا إذا اشترط أحد الزوجين السلامة منها صريحا ولا يعتبر العرف في هذه الحالة فإن العرف كالشرط في غير النكاح لأن النكاح مبني على التسامح في مثل هذه الأمور بخلاف البيع فإذا اشترط الزوج سلامة المرأة من عيب من هذه العيوب صح فإذا اطلع على عيب اشترط السلامة منه قبل الدخول كان مخيرا بين أمرين وهما الرضا وعليه جميع الصداق المسمى أو يفارق ولا شيء عليه أما إذا اطلع على العيب بعد الدخول وأراد بقاءها أو مفارقتها ردت إلى صداق مثلها وسقطت الزيادة في مقابل ما اشترطه ما لم يكن صداق مثلها أكثر من المسمى فإنه يلزمه المسمى ومن ذلك ما إذا اشترط أنها بكر فوجدها ثيبا فإن له الخيار على الوجه المتقدم ) .
( 2 ) ( الحنفية - قالوا : إن لا فسخ إلا بالجب . والعنة والخصاء فإذا وجد عيب منها في الرجل كان للمرأة الخيار وقد عرفت أنه لا خيار للرجل بوجود عيب في بضع المرأة من رتق أو نحوه ولكن له الحق في إجبارها على إزالته بجراحة وعلاج . كما أنه إذا يئس من علاجها فله مفارقتها بالطلاق في هذه الحالة لأن الزوجية قائمة على الاستمتاع وفي فراقها عند اليأس من العلاج بدون تشهير فيه رحمة بها ومثله من له آلة صغيرة لا تصل إلى داخل الفرج .
ثم إن عيوب الرجل التي تجعل للمرأة حق طلب الفسخ تنقسم إلى قسمين : قسم لا يمكن علاجه بحال من الأحوال وهو الجب - قطع عضو التناسل - ويلحق به ما إذا كانت له آلة صغيرة لا تصل إلى النساء بأصل الخلقة . وقسم يمكن علاجه وهو العنة فالعنين هو الذي لا يستطع إتيان زوجته في قلبها ولو انتصبت آلته قبل أن يقرب منها وإذا أمكنه أن يأتي غيرها أو يأتي الثيب دون البكر . أو أمكنه أن يأتي زوجته في دبرها لا في قلبها فمن وجدت فيه حالة من هذه الأحوال كان عنينا بالنسبة لزوجته وكان لها حق طلب الفسخ ولكل من القسمين أحكام : .
فأما المجبوب وما يلحق به فإن للمرأة به طلب الفسخ حالا بدون تأجيل بشروط خمسة : .
الشرط الأول : أن تكون حرة فإن كانت أمة كان حق الفسخ لوليها لا لها .
الثاني : أن تكون بالغة فإن كانت صغيرة ينتظر بلوغها لجواز أن ترضى به بعد البلوغ أما العقل فإنه ليس بشرط لأن الزوجة إذا كانت مجنونة وزوجها وليها من مجبوب كان لوليها حق طلب الفسخ فإن لم يكن لها ولي نصب لها القاضي من يخاصم عنها .
الشرط الثالث : أن لا تكون المرأة معيبة بعيب يمنع من الوطء كالرتق . والعفل والقرن . فإن كانت هي معيبة فلا معنى لطلبها للفرقة وإذا اختلفا في الرتق . فادعى الرجل أنها رتقاء وأنكرت كان للرجل عرضها على النساء الخبيرات أي الطبيبات .
الرابع : أن لا تكون عالمة به قبل الزواج فإن كانت عالمة ورضيت بالعقد فإن حقها في الفسخ يسقط أما العلم بعد الزواج مع عدم الرضا فإنه لا يسقط .
الخامس : أن لا ترضى بعد العقد فإن رضيت به بعد العقد سقط حقها . ويشترط في الفسخ أن يكون صادرا من القاضي فإذا فرق القاضي بينهما وقع به طلاق بائن ولهما كل المهر وعليها العدة . وهو قول أبي حنيفة وإذا كان الزوج صغيرا وثبت أنه مجبوب فلا يؤجل لكبره إذ لا فائدة في التأجيل وإذا جاءت امرأة المجبوب بولد بعد الفرقة لأقل من ستة أشهر لزمه نسب الولد سواء خلا بها أو لا عند أبي يوسف وقال أبو حنيفة : إنه يثبت نسبه إذا خلا بها ويستمر ذلك إلى سنتين من وقت الفرقة فلا ينقطع النسب بمضي ستة أشهر وهي أقل مدة الحمل كما يقول أبو يوسف وذلك لأن المجبوب يمكنه أن يساحق وينزل وتحمل المرأة من مائه فإذا ثبت أنه لا ينزل كان بمنزلة الصبي فلا يثبت منه نسب ولا يجب على المرأة بفراقه عدة .
( يتبع . . . )