- العيوب التي توجد في الزوجين تنقسم إلى قسمين ( 1 ) : قسم يوجب لكل منهما حق طلب فسخ عقد الزواج بدون اشتراط وقسم يوجبه إذا اشترطه أحد الزوجين والأول ينقسم إلى ثلاثة أقسام : .
أحدها : عيوب مشتركة بين الزوجين فيصح أن توجد في الزوج ويصح أن توجد في الزوجة منها الجنون . والبرص . والجذام .
ثانيها : عيوب تختص بالزوج وهي الجب والعنة وعدم انتشار عضو التناسل .
ثالثها : عيوب تختص بالمرأة وهي العفل والقرن والرتق والعفل غدة كالأدرة من الرجل - القليطة - تسد موضع الجماع والقرن : بروز قطعة لحم أو عظم في محل الوطء فيسده .
أما القسم الثاني وهو ما لا يوجب الفسخ إلا بالشرط فهو كثير ومنه العمى . والشلل . وسواد الوجه . والقرع . والشره في الأكل . ونحو ذلك فهذه العيوب لا تلزم إلا إذا اشترط أحد الزوجين السلامة منها وفي كل هذا تفصيل المذاهب ( 2 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : ليس في النكاح عيوب توجب الحق في طلب الفسخ لا بشرط ولا بغير شرط مطلقا إلا في ثلاثة أمور : وهي : كون الرجل عنينا أو مجنونا أو خصيا أما ما عدا ذلك فلا يترتب عليه فسخ النكاح ولو اشتد كالجذام والبرص ونحوهما سواء حدث قبل العقد أو بعده وسواء اشترط السلام منه . أولا وقد يقال : إن رأي الحنفية هنا يترتب عليه ضرر شديد بالزوجة . وذلك لا تملك فراق الرجل فإذا رأت نفسها عرضة للخطر فماذا تصنع ؟ نعم لا ضرر على الرجل لأنه إن لم يرض بها يفارقها أما هي فماذا يكون حالها ولا حق لها في طلب الفسخ ؟ والجواب : أن مذهب الحنفية مبني على أن علاقة الزوجية لها احترام وقدسية لا تقل عن قدسية القرابة فإذا ارتبط اثنان برابطة الزوجية وجب على كل منهما أن يحتمل ما ينزل بصاحبه من بلواء فلا يصح أن ينفصل منه لمصيبة حلت به بل يجب عليه مواساته بقدر ما يستطع فكما أن الإنسان لا يمكنه أن يقطع لحمة القرابة عندما يصاب أخوه أو قريبه بداء فكذلك لا يصح له أن يقطع علاقة الزوجية لذلك . ولا فرق في ذلك بين أن يكون الداء أو العيب موجودا قبل العقد أو وجد بعده لأن كلا الزوجين مكلف بالبحث عن الآخر قبل العقد وقد تقدم أن من السنة أن ينظر أحدهما الآخر .
وهذه الأحكام إنما هي للمؤمنين الذين يعملون بدينهم فإذا أهمل أحدهما دينه كان هو الملوم وكان من اللازم المحتم أن تنظر إلى قدسية علاقة الزوجية واحترامها ومتى وقعت على أي حال ومع ذلك فإذا فرض أن زوجين عاشا معا في أول أمرهما سليمين ورزقا بأولاد ثم نزلت بأحدهما مصيبة مرض أو عيب كهذا فهل من المعقول أن يفارقه السليم رغم أنفه ؟ أظن أن الجواب : لا وما ذلك إلا لاحترام علاقة الزوجية وهي حاصلة بالعقد لا محالة .
ولولا أن الجب - قطع عضو التناسل - والعنة والخصاء تتنافى معها الزوجية لأن المجبوب والعين والخصي كالمرأة - والمرأة لا تتزوج المرأة - لولا ذلك لما جاز طلب فسخ عقد الزواج بحال . فإن قلت : إن هذا يستلزم أن لا يفارق الزوج زوجته بالطلاق أيضا والجواب : أن الطلاق قد شرع في الإسلام لأعراض اجتماعية هامة ضرورية وقد يكون واجبا كما إذا قام بين الزوجيين شقاق تقطعت به علائق الزوجية وحلت محلها الكراهية والنفر ولم يتمكن المصلحون من إزالتها فإن الدواء لمثل هذه الحالة الطلاق وإلا انقلبت الزوجية إلى عكس الغرض المطلوب فإنها ما شرعت إلا للجمع بين صديقين تنشأ بينهما مودة ورحمة لا للجمع بين عدوين لا يستطيع أحدهما أن ينظر إلى الآخر وسيأتي بيان حكمة مشروعية الطلاق في بابه منفصلة .
ومن هذا يتضح أن الشارع لم يجعل الفرقة بين الزوجين مبنية على العيب أو المرض لأنهما يوجبان الشفقة والرحمة لا الفرقة والقسوة وجعل للرجل حق الطلاق ليستعمله عند الضرورة فإذا أساء استعماله كان آثما يستحق عقاب الله في الدنيا والآخرة فالفرق بين الحالتين واضح لا يخفى .
المالكية - قالوا : العيوب التي يفسخ بها النكاح ثلاثة عشر عيبا وتنقسم إلى ثلاثة أقسام : .
القسم الأول : عيوب مشتركة بين الزوجين بمعنى أنها قد توجب في الرجل . وقد توجد في المرأة . وقد توجد فيهما معا وهي أربعة : الجنون والجذام والبرص والخراءة عند الوطء وتسمى - عذيطة - بفتح العين وسكون الذال فمتى وجد عيب من هذه العيوب في أحد الزوجين كان للآخر أن يطلب مفارقته بفسخ النكاح ولو كان معيبا مثله لأن الإنسان يكره من غيره ما لا يكسره من نفسه فأما الجنون فإنه يثبت به الخيار للرجل والمرأة لأنه مشترك كما ذكرنا وله ثلاث صور : .
الصورة الأولى : أن يحدث قبل الدخول . الثانية : أن يحدث بعد العقد وقبل الدخول . الثالثة : أن يحدث بعد الدخول . فإن حدث قبل العقد في الزوجة ولم يعلم به الزوج أو العكس فلكل من الزوجين أن يرد به الآخر قبل الدخول وبعده بشرط أن يقع من صاحبه ضرر كضرب أو إفساد مال أما إذا كان يتخبط ويفيق كالمصروع فإنه لا يرد به وإن حدث الجنون بعد العقد فإن كان الجنون قد عرض للزوج فإن الخيار يثبت للزوجة فلها الحق في فسخ النكاح إما إن كان قد عرض للزوجة فلا يثبت الخيار للزوج سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده وهذا هو المعتمد ولعل أن المرأة مستضعفة بطبيعها وإنها رهينة المنزل فيمكن اتقاء الضرر الذي يترتب على جنونها ويمكن الاستمتاع بها وهي على هذه الحالة بخلاف الزوج على أن الزوج بيده عقد النكاح فيمكنه أن يطلق عند عدم تمكنه من دفع ضررها وبعضهم يقول : إنه لا فرق في ذلك بين الزوج والزوجة فالجنون العارض بعد العقد يجعل الخيار لكل من الزوجين قبل الدخول وبعده وبعضهم يقول : إن حدث قبل الدخول كان للمرأة الرد دون الرجل وإن حصل بعد الدخول ليس لها الرد كالرجل وقيل : لا يرد بالجنون الحاصل بعد العقد مطلقا سواء عرض للرجل أو للمرأة فالأقوال أربعة والمعتمد منها واحد كما عرفت .
وأما الجذام فإنه يثبت به الخيار للزوجة سواء وجد في الرجل قبل العقد . أو بعده سواء كان قليلا أو كثيرا بشرط أن يكون محققا أما إذا كان مشكوكا في أنه جذام أو لا . فإنه لا يرد به اتفاقا أما الرجل فله حق الفسخ إن كان موجودا في المرأة قبل العقد أو عند العقد سواء كان قليلا أو كثيرا ولا حق له في الفسخ بالجذام الحادث بعد العقد مطلقا كما لا حق لأحدهما في الفسخ بالجذام القائم بأصولهما كالأب والجد والأم خوفا من وصول الداء بطريق الوراثة لأن ذلك غير مستيقن فلا عبرة به .
أما البرص وهو الداء المعروف سواء كان أبيض . أو أسود . فغن كان قبل العقد وكان كثيرا فإنه يجعل لكل من الزوجين الخيار في الفسخ أما إذا كان يسيرا فترد به المرأة باتفاق وفي رد الرجل باليسير من البرص قولان هذا إذا حدث قبل العقد أما إذا حدث بعد العقد فإن كان يسيرا فلا رد به لأحدهما سواء وجد في الزوج أو الزوجة وإن كان كثيرا وكان في الرجل كان للمرأة الحق في الفسخ وإن كان في المرأة فليس للرجل حق الفسخ على المذهب وذلك لأن الرجل بيده الطلاق فإن تضرر منها فارقها بالطلاق والفرق بين حدوثه بعد العقد وقبله ظاهر لأن المفروض قبل العقد أن تكون المرأة سليمة من العيوب المنفرة أما بعد العقد فالبرص مصيبة من المصائب التي تعرض لأحد الزوجين ولما كانت الزوجة لا تملك الفراق جعل لها الخيار بخلاف الرجل الذي يملكه .
أما العذيطة فإنها عيب يرد به الزوجان إذا كان قديما موجودا في أحدهما قبل العقد أما إذا حدث بعد العقد أو شك في حدثه بعد العقد فإنه لا يثبت لأحدهما به الخيار فإنه وإن كان مرضا قذرا تنفر منه النفس ولكن شره أهون من غيره فإن كان الرجل يتقذر به ويعاف المرأة بسببه فله مفارقتها بالطلاق أما المرأة فإنها يمكنها الإغضاء عنه وبعضهم يقول إن العذيطة إذا حدثت على الرجل بعد العقد كان للمرأة حق الفسخ بها بخلاف ما إذا حدثت على المرأة فإنها لا تجعل للرجل الحق في الفسخ كالجذام لما عرفت من أن الرجل بيده الطلاق دونها .
هذان ولا فسخ بالبول على الفراش أو عند الجماع أو بالريح فهذه هي العيوب الأربعة المشتركة بين الزوجين .
ومن العيوب المشتركة أن يكون أحدهما خنثى واضح الخنوثة فإذا كان للزوج ذكر ينتصب ويمني كالرجل ولكن له شق غير نافذ يشبه الفرج حقيقة فإنه ليس بعيب يرد به أما المرأة إذا كان لها فرج تام لا عيب فيه ولكن لها ما تشبه الآلة وليست بآلة بل هي قطعة لحم زائدة فقيل : إنها عيب وقيل : لأنها كالخنثى المشكل فلا يصح تزوجه على أي حال .
القسم الثاني : العيوب الخاصة بالرجل وهي أربعة : الجب العنة الخصاء الاعتراض فأما المجبوب فهو - مقطوع الذكر والأنثيين - أو مقطوع الحشفة على الرجع والعنين هو - من له ذكر صغير - لا يتأتى به الجماع ومثله الذي له آلة ضخمة لا يتأتى بها الجماع فكلاهما عيب يجعل للمرأة حق فسخ والخصي : هو مقطوع الأنثيين دون الذكر - ولو انتصب ذكره ولكنه لا يمني كان معيبا أما إذا أمنى فلا رد بالخصاء وأما المعترض فهو الذي لا يتنصب لمرض ونحوه .
فهذه الأمور الأربعة إذا وجدت المرأة واحدا منها في الرجل فإن لها الفسخ إذا تحققت الشروط المتقدمة بأن كانت لا تعلم به قبل العقد الخ .
القسم الثالث : خاص بالمرأة وهو خمسة أشياء : الرتق . والقرن والعفل . والإفضاء . والبخر فأما الرتف فهو انسداد مدخل الذكر من الفرج فلا يمكن من الجماع سواء كان الانسداد غدة لحم أو بعظم وأما القرن فهو شيء يبرز في الفرج - كقرن الشاة - وأما العفل فهو لحم يبرز في القبل ولا يخلو عن رشح يشبه الأدرة للرجل - القليطة - وهذه الأمراض وجودها الآن نادر بل ربما لا تكاد توجد لأن علم الطب - خصوصا الجراحة - قد تقدما كثيرا ويمكن استئصال هذه الأمراض بسهولة أما الإفضاء فهو أن يختلط مسلك الذكر بمسلك البول أو الغائط ويقال للمرأة : مشروم . أو شريم وأما البخر فالمراد به نتن الفرج . أما نتن البدن فلا رد به وهو وإن أمكن تخفيفه بالروائح العطرية وتنظيف المعدة بتنظيم الأغذية وتخفيفها إلا أن علاجه صعب وقد سمعت من بعض الأخصائيين في سببه أن فم المعدة له غطاء إذا نزل عليه الغذاء ينفتح فينزل الغذاء إلى المعدة ثم يعود الغطاء كما كان فيكتم الروائح التي تنبعث من المعدة فإذا اختل ذلك الغطاء انبعثت منه رائحة البخر . فهذه هي العيوب التي يفسخ بها عقد النكاح بدون اشتراط أما شروط الفسخ بها . فهي ثلاثة : .
الشرط الأول : أن يكون طالب الفسخ عاما بالعيب قبل العقد : فإن كان عالما به سواء كان المعيب الزوج أو الزوجة . فقد سقط حقه في الفسخ .
الشرط الثاني : أن لا يرضى بالعيب بعد العقد عند الاطلاع عليه فإن رضي صريحا بأن قال : رضيت فقد سقط حقه في طلب الفسخ وكذا إذا رضي به ضمنا بأن مكنته من نفسها إن كان المعيب الزوج أو قاربها إن كانت المعيبة الزوجة .
الشرط الثالث : أن لا يتلذذ أحدهما بالآخر بتقبيل أو تفخيذ ونحو ذلك فإن تلذذ السليم بالعيب سقط حقه في طلب الفسخ .
والحاصل أن الشرط في الواقع هو الرضا والرضا له علامتان : إحداهما : صريحة وهي القول والثانية : ضمنية وهي التمكين والتلذذ .
ويستثنى من العيوب الآتية عيب واحد لا يضر فيه العلم به قبل العقد وهو عيب الاعتراض - عدم الانتصاب - فإنها إذا علمت به المرأة قبل العقد ورضيت بالنكاح ثم دخلت ومكنته من نفسها مدة ولم يبرأ فإن لها الحق في الفسخ وذلك لأن مثل هذا المرض قد يبرأ بالتزوج ومخالطة النساء فإن التلذذ قد ينعشه فإذا تزوجته على هذا التقدير ولم يفلح كان لها الحق في طلب الفسخ .
وإذا ادعى أحد الزوجين سقوط شرط من هذه الشروط كأن ادعى الزوج الأبرص أنها رضيت ببرصه بعد أن اطلعت عليه ومكنته من نفسها ولا بينة للزوج حلفت الزوجة على ذلك . وكذلك إذا كان العيب بالزوجة وقالت : إنه علم بعيبي قبل العقد ولا بينة لها حلف الزوج .
فهذه شروط الفسخ وتارة يكون الفسخ بلا تأجيل وتارة يكون بتأجيل وإليك بيان ذلك . العيوب بالنسبة للتأجيل وعدمه تنقسم إلى أربعة أقسام أيضا : .
القسم الأول : العيب الحادث بالرجل كالجنون والبرص والجذام البين . إذا طرأ على أحدهما بعد العقد فإنه يؤجل له الحاكم في هذه الحالة الفسخ سنة قمرية بشرط أن يرجى برء الداء أما إذا كان عضالا لا يرجى برؤه فلا تأجيل لا فرق بين الجنون والجذام والبرص على المعتمد وبعضهم يقول : إنه يؤجل للجنون سنة ولو لم يرج البرء وقد نصوا على أن المجنون يعزل عن امرأته في مدة هذه السنة فإن برئ بعد السنة فذاك وإلا فرق الحاكم بينهما والظاهر أن السبب في ذلك الخوف من الإضرار بالزوجة لأن المفروض أن الجنون الذي يترتب عليه الفسخ هو الجنون الذي ينشأ منه الضرر وإذا كان كذلك فمما لا ريب فيه أن عزل المجذوم والأبرص يكون كعزل المجنون إذا ترتب عليه ضرر بالزوجة بل قد يكون الضرر أشد فيكون العزل أولى وقد صرحوا بأن الصحيح منع السيد المجذوم من وطء إمائه فالأحرار أولى كما لا يخفى .
هذا ولزوجة المجنون الحق في النفقة من ماله بعد الدخول . مدة السنة بلا خلاف أما قبل الدخول فخلاف والظاهر أن لها النفقة أما زوجة المجذوم والأبرص فلهما الحق في النفقة في السنة المؤجل فيها الفسخ قبل الدخول وبعده بلا خلاف وكذلك لزوجة المعترض وهو الذي أجل له لسبب عدم الانتصاب النفقة مدة السنة الؤجلة قبل الدخول وبعده كزوجة المجذوم و الأبرص على التحقيق .
القسم الثاني : العيب القديم بالرجل وهو القائم به قبل العقد كما إذا كان مجنونا أو أبرص أو أجذم قبل العقد وفي هذا خلاف فبعضهم يقول : إنه يؤجل له الفسخ سنة أيضا وهو المعتمد وبعضهم يقول : لا يؤجل له بل يفسخ العقد بدون تأجيل .
( يتبع . . . )