والثالث : موت أحد الزوجين وموت الرجل قبل الدخول : مثل الوطء في حق العدة والمهر وموت أحدهما مثل الوطء في حق المهر .
أما الأمر الرابع الذي يتأكد به جميع الصداق فهو ما إذا طلق امرأته طلاقا بائنا بعد الدخول بها ثم رجع إليها ثانيا وهي في عدتها منه بمهر جديد فإن المهر المسمى لها في العقد الثاني يثبت جميعه بمجرد العقد بدون دخول أو خلوة لأن وجودها في العدة قائم مقام الخلوة وزيادة وقد اعترض بعضهم على الزيادة بأنها استحقت الصداق جميعه بناء على الوطء الأول والعدة أثر من آثاره فكأنه دخل بها فلم يترتب استحقاقها الصداق كله على مجرد العقد الثاني بل على الوطء الأول ويجاب على هذا بأن هذه الصورة لا وطء فيها على كل حال . وسواء ترتب كل المهر على المهر الحاصل في عدتها منه أو على الوطء الأول قبل طلاقها . فإنه ينبغي أن تبين هذه الصورة ويلفت النظر لها فلا يصح إهمالها لما فيها من اشتباه واضح فلا معنى للاعتراض على عدها . وزاد بعضهم سببا خامسا يتقرر به كل المهر وهو أن يزيل بكارتها بأصبع ونحوه ولكن هذا ليس بشيء وذلك لأنه إذا زال بكارتها بأصبعه في خلوة تأكد لها المهر كله بالخلوة الصحيحة وإلا فلا شيء عليه ولهذا قالوا : إذا دفع امرأته في غير خلوة دفعة شديدة فأزال بكارتها ثم طلقها قبل الدخول لا يلزم إلا بنصف المهر ولا يلزم بتعويض عن إزالة البكارة أما إذا لم تكن امرأته فدفعها دفعة شديدة أزال بكارتها تزوجها وكان لها عليه مهر مثلها بسب إزالة البكارة والمهر الذي سماه لها فتحصل أن الأسباب التي يتأكد بها الصداق عند الحنفية ينبغي عدها أربعا لا خمسا مع مراعاة أن كل المهر في الصورة الرابعة إما مرتب على العقد الثاني في عدتها منه أو على الوطء الأول قبل طلاقها لأنه باق ببقاء أثره وهي العدة .
فهذه الأمور يتأكد المهر بواحد منها ولا يحتمل السقوط بعد ذلك إلا بالإبراء فلو جاءت الفرقة من قبلها بأن ارتدت . أو طاوعت ابن زوجها بعدما دخل بها أو خلا بها ابن زوجها أو قبلته بشهوة التي يتأكد بها الصداق فإن فعلت شيئا من ذلك فإن مهرها جميعه يسقط لمجيء الفرقة من قبلها .
الشافعية - قالوا : يتأكد المهر ولا يحتمل السقوط بأمرين : .
أحدهما : الوطء وهو إيلاج الحشفة أو قدرها في قبل المرأة أو دبرها وإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها في العادة ويصدق بيمينه إذا نفى الوطء ولا يشترط الخلو من الموانع الشرعية فإذا وطئها وهي حائض أو نفساء أو كان أحدهما صائما أو غير ذلك فإن المهر جميعه يتأكد بذلك .
ثانيهما : موت أحدهما قبل الوطء سواء كان الموت طبيعيا أو قتلت الزوجة الحرة نفسها . أو قتلها زوجها أما إذا قتلت هي زوجها فإن مهرها يسقط . وكذا إذا كانت أمة وقتلت نفسها أو قتلها سيدها قبل الدخول أو قتلت هي أو سيدها زوجها فإن مهرها يسقط في هذه الأحوال فلا يتقرر المهر إلا بهذين فلا يتقرر باستدخال ماء الزوج إلى داخل الفرج بغير الذكر كما إذا وضعته في أنبوبة فأفرغته في فرجها كما لا يتقرر بالخلوة الصحيحة والمباشرة في غير الفرج حتى لو طلقها بعد ذلك فلا يجب إلا نصف المهر .
الحنابلة - قالوا : يتأكد المهر بأربعة أمور : .
أحدها : الوطء في قبل أو دبر ولو كان ممنوعا بأن وقع في حيض أو نفاس أو غيرهما .
ثانيها : الخلوة . ثالثها : اللمس بشهوة والنظر إلى فرجها بشهوة وتقبيلها ولو بحضرة الناس .
رابعها : موت أحد الزوجين فإذا كان بالزوج عيب يوجب الفسخ ومات أحدهما قبل الفسخ كان لها الصداق كاملا لأنه يتقرر بالموت ولا يرجع به الزوج على أحد . لأن سبب الرجوع الفسخ وهو لم يحصل أما إذا فسخ قبل الموت وقبل الدخول فلا شيء لها . فزاد الحنابلة اللمس بشهوة والقبلة بحضور الناس . فجعلوا ذلك من الأسباب التي تؤكد المهر وترفع احتمال سقوطه ) .
_________ .
وأما القسم الثاني وهو ما يجب بالوطء فقد عرفت أن الوطء تارة يكون بعقد صحيح وتارة يكون بعقد فاسد ويترتب على وطء العقد الصحيح تأكد المهر كله أما الوطء بالعقد الفاسد فإن في المهر الذي يجب به تفصيل المذاهب ( 1 ) .
_________ .
( 1 ) ( الحنفية - قالوا : تقدم أن الذي يجب بالوطء المبني على العقد الصحيح هو تأكد المهر كله بحيث لا يحتمل السقوط حتى ولو فعلت المرأة ما يوجب الفرقة من ردة ومطاوعة ابن زوجها في فعل الفاحشة وغير ذلك . أما إذا طلقها الرجل قبل الوطء أو الخلوة الصحيحة سقط نصف المهر وثبت لها نصفه وكذا الحكم في كل فرقة جاءت من قبل الزوج مثل ردته وزناه بأم امرأته أو بنتها وتقبيلهما بشهوة فإنه إن فعل ذلك قبل الخلوة بامرأته أو الوطء فإنه يثبت لها نصف المهر ثم إن ادعت المرأة الوطء أو الخلوة وأنكر الزوج دعواها كان القول قولها لأنها تنكر سقوط صداقها والقول للمنكر وبعضهم يقول : إن القول للرجل لأنه ينكر وجوب الزيادة على النصف .
وبالتأمل يتضح أن القولين متعارضان لأننا إذا جرينا على قاعدة أن القول للمنكر فقط فإنه يصح اعتبار كل منهما منكرا كما بينا ولهذا رجح بعضهم القول الأول بوجه آخر وهو أن العقد الصحيح يوجب كل المهر فالسبب الصحيح الموجب للمهر هو العقد الصحيح وأما نقصه إلى النصف فهو بسب آخر عارض وهو الفرقة التي تأتي من قبل الزوج فإذا لم يثبت هذا الأمر العارض كان الشيء باقيا على أصله . فالرجل يدعي وجود هذا العارض والمرأة تنكر فالقول لها .
هذا هو حكم الوطء بالعقد الصحيح وهو تأكد كل المهر المسمى فإذا لم يسم مهرا أصلا أو سماه تسمية فاسدة كما إذا سمى خمرا أو خنزيرا أو غير ذلك مما تقدم أو نفاه بأن تزوجها على أن لا مهر لها فإنه يجب لها مهر المثل ومثل ذلك ما إذا قالت له : زوجتك نفسي بخمسين جنيها مثلا وأبرأتك منها فقبل أو تزوجها على حكمها في المهر أو على حكمه هو أو على حكم شخص آخر أو على ما في بطن أغنامه أو على أن يهب لها ألف درهم أو على طلاق ضرتها فإنه في كل ذلك يتقرر لها مهر المثل وقد تقدم نحو ذلك في شروط الصداق .
أما إذا كان الوطء بعقد فاسد فإنه ينظر فيما إذا كان قد سمى لها مهرا أو لا . فإن كان قد سمى لها مهرا قورن بينه وبين مهر مثلها فإن كان المسمى أقل من مهر المثل كان لها المسمى وإن كان أكثر من مهر المثل كان لها مهر المثل فالذي تستحقه المرأة بالوطء في النكاح الفاسد إنما هو الأقل من المسمى ومن مهر المثل . أما إذا لم يكن قد سمى لها مهرا فإن لها مهر المثل بالغا ما بلغ ولا يثبت للمرأة شيء في العقد الفاسد إلا بالوطء فلا شيء لها إذا طلقها قبل الوطء حتى ولو خلا بها لن الخلوة في النكاح الفاسد فاسدة وذلك لأن الوطء فيه محرم فهو يشبه الخلوة بالحائض التي يحرم وطؤها فلا يثبت لها المهر غلا بالوطء في القبل لا في الدبر .
ثم إن النكاح الفاسد قسمان : قسم يوجب المهر ويثبت به نسب ولا تجب به عدة ويقال له : باطل وذلك كما إذا تزوج محرما من محارمه فإن العقد على واحدة منهن وجوده كعدمه ومثله العقد على متزوجة . أو معتدة إن علم أنها للغير فهذا العقد كعدمه وهو عقد باطل يوجب الوطء به الحد إن كان عالما بالحرمة وإلا رفع عنه الحد لشبهة ومثله أيضا إذا أرغمته على أن ينكحها مكرها فإن النكاح في هذه الحالة لا يوجب مهرا ولكن بعد الوطء يثبت به النسب وتجب العدة .
وقسم يجب به المهر والعدة ويثبت به النسب وذلك فيما إذا فقد شرطا من شرائط الصحة عندنا ولكن قال بجوازه غيرنا ومثاله النكاح بدون شهوة فإن المالكية قالوا : بصحة العقد من غير شهود . ونكاح أم المزني بها والمنظور إليها بشهوة ونكاح البنت من الزنا فإن العقد عليها صحيح عند الشافعية . وكذلك العقد على من طلقت بعد الخلوة الصحيحة بدون عدة . فإنه صحيح عند الشافعية لأن العدة لا تثبت إلا بالوطء وكذا نكاح الأمة على الحرة فإنه يصح عندنا ولكن الشافعية قالوا بجوازه إذا كانت الأمة غير مملوكة له أما إذا كانت مملوكة فإنه لا يصح له العقد عليها لأن العقد الملك وعقد الزواج بينهما تناف في الأحكام فالعقد في هذه الأمثلة وإن كان فاسدا عندنا ولكنه صحيح عند غيرنا فيجب به المهر وتثبت به العدة والنسب وهناك أمثلة أجمع الأئمة الأربعة على فسادها ولكن الحنفية يقولون : إن الوطء فيها يثبت به النسب . وتجب به العدة . ولا يحد فاعله كما إذا تزوج الأختين معا في عقد واحد ودخل بهما أو تزوج أخت مطلقته قبل انقضاء عدتها منه . أو طلق امرأته الرابعة وعقد على غيرها قبل انقضاء عدتها . أو تزوج في عقد واحد ووطئهن . فإن ظاهر كلامهم أن العقد فاسد لا باطل بمعنى أنه يجب به المهر وتجب به العدة ويثبت به النسب مع أنه لم يقل أحد من الأئمة المعروفين بجوازه على أن بعضهم قال : إذا تزوج الكافر مسلمة فولدت منه يثبت النسب وإن دخل بها تجب العدة بفراقها ولكن الصحيح أن هذا العقد باطل لا قيمة له فلا يثبت به نسب ولا تجب به عدة كنكاح المحارم والمعتدة سواء بسواء .
ويظهر أن هذه الأمثلة يرتب فيها العقد الفاسد آثاره لما فيها من شبهة الحل بالقياس على غيرها فإنه لولا مراعاة رابطة الأخاء لم يكن هناك فرق بين الأخت والأجنبية في عدم انتظار الرجل وكذا لولا مراعاة أن المتزوج أربعا لا يحل له العقد على خامسة والمرأة المطلقة في حكم الباقية على ذمته ما دامت معتدة منه لم هناك وجه لانتظار عدتها ولذا لو كان متزوجا ثلاثا وطلق إحداهن فإن له الحق أن يعقد على أخرى بدون انتظار فلذا اعتبر الحنفية هذه الأمثلة من النكاح الفاسد لا الباطل لما فيها من شبهة تجعل لصاحبه المعذرة على أن نقول فيما يترتب على النكاح الفاسد من الآثار قد اختلفت حتى إن بعضهم قال : إن الصواب ثبوت العدة والنسب في النكاح الباطل والفاسد بلا فرق في جميع الأمثلة المذكورة ولكن المشهور ما ذكرناه من التفصيل .
ثم إن النكاح الفاسد أو الباطل لا يتوقف فسخه على القاضي بل لكل واحد منهما فسخه ولو بغير حضور صاحبه سواء دخل بها أو لا . وتجب العدة من وقت التفريق . ويثبت النسب له كما تقدم وتعتبر مدة ثبوت النسب - وأقلها ستة أشهر - من وقت الوطء فإذا وطئها أول يوم من الشهر ثم جاءت بولد بعد نهاية ستة أشهر ثبت نسبه منه وإلا فلا .
وسيأتي بيان ذلك في مبحث العدة .
الشافعية - قالوا : الوطء يتأكد به جميع الصداق متى كان بعقد صحيح كما يقوله الحنفية والحنابلة إلا في نكاح المفوضة وهي التي تفوض أمر زواجها إلى الولي بدون مهر فإنه يتقرر لها بالوطء المبني على العقد الصحيح مهر المثل فإن طلقها قبل الوطء فلا شيء لها وإنما تجب لها المتعة الآتي بيانها وكذلك يتقرر لها مهر المثل بموت أحدهما . أو بفرض صداق لها برضاهما أو بحكم القاضي لأن للمفوضة الحق في طلب فرض المهر قبل الوطء فيتأكد لها المهر بثلاثة أمور : الوطء أو موت أحدهما ولو قبل الوطء أو فرض المهر وكما يتقرر لها بالوطء في العقد الصحيح كذلك يتقرر لها مهر المثل بالوطء في العقد الفاسد وذلك لأن الوطء يجب مهر المثل في العقد الفاسد للشبهة وفي الحالة الآتي بيانها .
والنكاح الفاسد هو ما اختل فيه شرط من الشروط المتقدمة أما النكاح الباطل فهو ما اختل فيه ركن وحكم الفاسد والباطل واحد في الغالب فمن الأنكحة الباطلة نكاح الشغار الآتي بيانه وهو أن يزوج بنته في مقابل زواج بنت الآخر بدون مهر . ومنها نكاح المتعة المتقدم ذكره و الأول باطل لاختلال ركنه وهو الزوجة فإن جعلها محلا للعقد هي وصداقها للأخرى فمورد النكاح الذي يرد عليه : امرأة وصداق فقد جعل المرأة عوضا . ومعوضا والثاني باطل لاختلال الصيغة . وهي من أركان النكاح لأنه يشترط فيها أن لا تكون مؤقتة بوقت . ومنها نكاح المحرم بالنسك وهو باطل لاختلال المحل وهو الزوج أو الزوجة وهما ركنا النكاح إذ الشرط خلوهما من الموانع والاحرام من الموانع عند الشافعية ومنها أن ينكح الولي من له عليها الولاية لرجلين ولا يعرف العقد السابق فإن العقدين يبطلان كما تقدم وبطلانهما لاختلال المحل وهو المرأة فإنها ليست محلا لتزوج اثنين .
هذا والوطء بنكاح الشغار والنكاح المؤقت ونكاح المحرم بالنسك ونكاح المرأة التي عقد عليها الولي لاثنين لا حد فيه وتجب به العدة ويثبت به النسب ومهر المثل .
( يتبع . . . )