( تابع . . . 2 ) : - ينقسم الصداق إلى قسمين : الأول ما يجب بالعقد الصحيح . الثاني : ما يجب .
ومنها نكاح المتعة أو المستبرأة من غيره ولو من وطء بشبهة ولا بد من انقضاء عدتها . أو مدة استبرائها بيقين فإن عقد عليها وهي في العدة أو زمن الاستبراء ولو شكا ووطئها كان عليه الحد في هذه الحالة لأنها في عصمة الغير ما دامت في عدته فوطؤها في هذه الحالة يكون زنا يوجب الحد . فلا يثبت به النسب ولا عدة فيه ولا مهر إلا إن ادعى الجهل بحرمة النكاح في العدة . والاستبراء من غيره فلا حد عليه . وكذلك تحد المرأة إلا إذا ادعت الجهل مثل الرجل وكانا ممن يعذران بالجهل كما إذا كانا قريبي عهد بالإسلام . أو ولدا في جهة منقطعة عن الحركة العلمية الدينية . ومنها العقد على امرأة مرتابة في انقضاء عدتها فإن رأت أمارات الحمل من حركة أو ثقل فإنها في هذه الحالة لا تكون محلا للعقد لما قلنا : من إنه يشترط أن تكون خالية من العدة يقينا فلو عقد عليها في هذه الحالة وقع العقد باطلا ولو ظهر أنها غير حامل على المعتمد وذلك لأنه لا يصح الإقدام على العقد إلا بعد التيقن وهذا بخلاف ما إذا غاب الرجل على امرأته زمنا طويلا حتى صار مفقودا وتزوجت بغيره قبل ثبوت موته أو طلاقه ثم ظهر أنه ميت أو مطلق فإن العقد الثاني يقع صحيحا وذلك لأنه في الثاني نظر للواقع لأن المرأة لم تخاطب بعده حتى يجب عليها التيقن فلذا نظر في جانبها للواقع بخلاف الأول كالثاني ولكن المعتمد هو البطلان كما عرفت . ومنها نكاح الوثنية التي لا كتاب لها على التفصيل المتقدم وبطلانه ظاهر لأنها غير محل للعقد . ومنها نكاح المرتدة فإنه باطل لاختلال ركنه وهي لا تحل لمسلم ولا غيره لبقاء علاقتها بالإسلام فإن ارتدت وهي تحت مسلم قبل الدخول بطل النكاح وإن بعده وقف البطلان حتى تنقضي العدة إن بقيت بدون أن ينفذ عليها الحد ولو جامعها لا حد عليه لشبهة بقاء العقد كما يأتي . ومنها أن ينكح الحر أمته المملوكة له فإن العقد يقع باطلا لكونها ليست محلا للعقد لاختلاف الأحكام فإن النكاح يقتضي طلاقا وقسما وظهارا وغيرها والملك لا يقتضي شيئا من ذلك فإن أراد زواجها وجب عتقها .
واعلم أن كل وطء لا يجب به الحد على الفاعل يوجب العدة ويثبت به النسل ويجب به مهر المثل وإلا كان زنا لا يثبت به شيء . ويوجب الحد وقولهم : يوجب الحد على الفاعل خرج به ما يوجب الحد على المفعول دون الفاعل في بعض الصور وذلك كما إذا زنى مراهق ببالغة أو مجنون بعاقلة فإن الحد لا يجب على الزاني منهما لصغره أو جنونه وإنما يجب على الزانية لبلوغها وعقلها ومع ذلك فإنه في هذه الحالة تجب على المرأة العدة ويثبت النسب ويستثنى من قاعدة - كل ما لا حد فيه تجب فيه العدة ويثبت به النسب - وطء المكره لامرأة مختارة فإنه يرتفع عنه الحد بشبهة الإكراه ولكنهما مع ذلك زانيان فلا مهر ولا عدة ولا نسب وذلك لأن الإكراه لا يبيح الزنا بل قالوا : إن الإكراه على الزنا غير ممكن لأن الوطء يستلزم توجه النفس حتى يمكن الانتشار والإيلاج أما المكره فإن نفسه متأثرة بما لا يمكن معه الانتصاب والإيلاج فليس المكره كالمراهق والمجنون الذي لا يعقل .
وإذا أردت معرفة العقد الفاسد فارجع إلى محترزات النكاح المتقدمة .
المالكية - قالوا : النكاح الفاسد نوعان : نوع مجمع على فساده بين الأئمة . ونوع غبر مجمع على فساده فالأول كنكاح المحارم بنسب أو رضاع و الجمع بين ما لا يحل الجمع بينهما وتزوج خامسة في عدة الرابعة وهذا لو وقع يفسخ قبل الدخول وبعده بلا طلاق فإن فسخ قبل الدخول فلا شيء فيه لأن القاعدة أن كل عقد فسخ قبل الدخول لا صداق فيه كان متفقا على فساده أو مختلفا فيه سواء كان الفساد بسبب العقد أو بسبب الصداق بأن كان خمرا أو نحوه أو كان بسببهما معا إلا إذا تزوجها بمهر دون أقل المهر - كدرهمين - مع أن أقله ثلاثة فإن لها نصف الدرهمين بالفسخ قبل الدخول ومثل ذلك فرقة المتراضعين وفرقة المتلاعنين قبل الدخول فإن لهما نصف الصداق المسمى أما إن فسخ بعد الوطء فإنه يثبت به الصداق فإذا جمع بين البنت وعمتها أو خالتها في عقد واحد أو عقدين ولم يعرف السابق منهما ووطئهما كان لهما الصداق وعليهما الاستبراء بثلاث حيضات ثم إن كان قد سمى لهما مهرا حلالا كان لهما المسمى أما أن سمى لهما مهرا حراما - كخمر ونحوه - كان لهما صداق المثل ولا يحدان إلا إذا كانا عالمين بالتحريم والقرابة فإن كانا عالمين بذلك وجب عليهما الحد لكونه زنا في هذه الحالة .
ومن المجمع على فساده النكاح المؤقت وقد تقدم أن فيه المهر المسمى على المعتدة وأن لا حد فيه ولكن فيه العقاب والتأديب بالوطء ويفسخ بلا طلاق ومنه نكاح المتعة إذا كان غير عالم ويفسخ بلا طلاق قبل الوطء وبعد أما إن كانا عالمين فإنهما يكونان زانيين يجب عليهما الحد .
وأما النوع الثاني : وهو غير المجمع على فساده فمنه النكاح حال الإحرام بالنسك فإنه فاسد عند المالكية . صحيح عند الحنفية وفيه المسمى إن كان حلالا بعد الوطء ومهر المثل إن كان المهر حراما - كخمر وخنزير - ولا شيء فيه إن فسخ قبل الوطء كما عرفت . ومنه نكاح الشغار فإنه وإن كان لا يجوز الإقدام عليه بالإجماع ولكن الحنفية يقولون بصحته بعد الوقوع والمالكية يقولون بفساده كما يأتي وفيه مهر المثل بالوطء ومنه أن تتولى المرأة زواج نفسها بدون ولي فإنه جائز عند الحنفية وفيه المسمى إن كان حلالا كما تقدم ومنه نكاح السر المتقدم ويفسخ قبل الدخول لا بعده ومنه النكاح بصداق فاسد والنكاح على شرط يناقض العقد وقد تقدم تفصيل كل هذا .
وحاصله أن الوطء المترتب على العقد الفاسد يوجب المهر المسمى - إن كان المهر حلالا - للمرأة إن كان فساده يرجع إلى نفس العقد كأن اختل شرط منه أو ركن أو يرجع إلى فساد العقد وفساد الصداق بأن يكون أقل من ثلاثة دراهم أو غير مملك أو نحو مما تقدم في شروط صحة الصداق أما إذا كان المسمى حراما - كخمر أو خنزير - فإن الوطء يوجب مهر المثل وكذا إذا لم يسم المهر أصلا - كنكاح الشغار الآتي - فإن طلقها قبل الوطء في النكاح الفاسد سقط المسمى ومهر المثل فلا مهر لها سواء كان مجمعا على فساده أو لا أما إذا مات أحدهما قبل الوطء فإن كان فساده لفساد الصداق سقط الصداق مطلقا أي سواء اتفق على فساد العقد بالصداق - كما إذا سمى خمرا - أو لا - كما إذا سمى آبقا - وإن كان الفساد لنفس العقد فإن كان الفساد متفقا عليه - كنكاح المتعة - سقط الصداق بالموت قبل الوطء أيضا . وإن كان الفساد مختلفا فيه . فإن كان الفساد لم يحدث خللا في الصداق - كنكاح المحرم بالنسك - فإن الموت لا يسقط المهر . بل يثبت لها الصداق المسمى . أو مهر المثل على الوجه السابق وإن أحدث خللا في الصداق - كنكاح المحلل - فإنه لا يثبت فيه الصداق إلا بالوطء . فإذا أحدث خللا في الصداق والنكاح بشرط أن لا ترث منه أو لا يرث منها فإنه يسقط بالموت .
الحنابلة - قالوا : الوطء المترتب على النكاح الفاسد يوجب المهر المسمى . فإن لم يكن قد سمى لها مهرا وجب لها مهر المثل . والخلوة توجب الصداق في النكاح الفاسد كالوطء . خلافا للحنفية الذين قالوا : إن الخلوة في النكاح الفاسد لا توجب الصداق وخلافا للمالكية والشافعية الذين قالوا : إن الخلوة لا توجب الصداق لا في العقد الفاسد ولا الصحيح . ويشترط أن يكون الوطء في القبل أما إذا وطئها في الدبر فإنه لا يتقرر به الصداق ولكنه في هذه الحالة يتقرر الصداق بالخلوة . إذ ليس من المعقول أن يطأها في الدبر في غير الخلوة . ومن ذلك المكرهة على الزنا ولو كانت من محارمه فإنه يجب لها الصداق لإكراهها أما إذا زنى برضاها فلا شيء لها طبعا .
والنكاح الفاسد هو اختل فيه شرط . ومنه نكاح المتعة ويجب فيه المسمى على هذه القاعدة ولكنهم قالوا : إنه يجب فيه مهر المثل دون المسمى بالوطء . ومنه نكاح المحلل وقد مر بيانه ويلحق به النسب ولا يحصل به الإحصان . ولا الحل للمطلق ولها بالوطء المسمى كما عرفت ومنه نكاح الشغار الآتي بيانه ومنه أن يشترط ما ينافي العقد كأن يتزوجها بشرط أن لا يحل له وطؤها ومنه غير ذلك مما تقدم في بيان الشروط والأركان وقد عرفت الحكم العام في الفاسد والباطل )