- ينقسم الصداق إلى قسمين : الأول ما يجب بالعقد الصحيح . الثاني : ما يجب بالوطء بنكاح صحيح أو فاسد أو بشبهة فأما ما يجب بالعقد الصحيح فهو الصداق المسمى ( 1 ) . أو مهر المثل عند عدم التسمية ويجب بمجرد العقد الصحيح ولكن مع احتمال سقوطه كله . أو نصفه فيسقط كله إذا عمات الزوجة عملا يوجب الفرقة بينهما كما إذا ارتدت . أو عملت شيئا يوجب حرمة المصاهرة فإن صداقها يسقط قبل الوطء لأن الفرقة وقعت بسببها ويسقط نصفه إذا طلقها هو قبل الدخول وكانت الفرقة منه لسبب آخر من ردة وعمل ما يوجب حرمة المصاهرة .
ويتأكد كل المهر بحيث لا يحتمل السقوط . بأمور : منها الوطء . ومنها موت أحد الزوجين . ومنها الخلوة الصحيحة ( 2 ) . وغير ذلك على تفصيل في كل هذه الأمور ( 3 ) .
_________ .
( 1 ) ( المالكية - قالوا : يجب بالعقد الصحيح نصف المهر لا كل المهر كما هو المذهب ) .
( 2 ) ( الشافعية . والمالكية - قالوا : الخلوة لا يتأكد بها المهر على أي حال وهذا هو رأي الشافعي في الجديد أما في القديم فقد قال : إن الخلوة كالوطء في تأكد كل المهر ) .
( 3 ) ( المالكية - قالوا : الأمور التي بها كل الصداق بمعنى أنه يثبت بها كله بعد أن كان ثابتا نصفه بالعقد ثلاثة : الأول الوطء . ويشترط فيه أن يكون واقعا من بالغ وأن تكون المرأة مطيقة فلو كان غير بالغ . أو كانت هي صغيرة لا تطيق الوطء فإن الوطء لا يتقرر به كل الصداق .
والمراد بالوطء إيلاج الحشفة أو قدرها ولو لم تزل به البكارة بلا فرق بين أن يكون في القبل . أو الدبر ولا يشترط فيه أن يكون حلالا بل وقع منه ذلك حال الحيض . أو النفاس وإحرام أحدهما . أو صيامه الفرض . أو اعتكاف أو غير ذلك مما لا يحل معه وطء فإنه يكفي لتقرير كل الصداق وإذا أزال بكارتها بإصبعه ثم طلقها قبل الوطء كان لها الصداق مع أرش البكارة - تعويض - إذا كانت تتزوج بعد ذلك إلا بمهر الثيب وإلا فليس لها سوى نصف الصداق . الثاني : موت أحد الزوجين ويتقرر به جميع الصداق المسمى في العقد . أو بعده أما إذا مات أحدهما في نكاح التفويض الآتي وهو أن تفوض لوليها زواجها بالمهر الذي يراه . أو يفوض وليها للزوج فرض المهر الذي يراه فإنه إذا مات الزوج قبل الدخول وقبل أن يفرض لها المهر فإنها لا تستحق شيئا لا فرق في ذلك بين أن يكون العقد صحيحا أو فاسدا فسادا غير مجمع عليه كما إذا عقد عليها وهو محرم . أو عقد عليها بدون ولي فإن كان فاسدا عند المالكية ولكنه صحيح عند الحنفية فيجب به كل المهر حال الموت ونصفه حال الطلاق وإذا ماتت المرأة بقتل نفسها كراهة في زوجها فإن لها الحق في كل الصداق أما إذا قتلت زوجها تخلصا منه فعليه خلاف والظاهر أنها لا تستحق الصداق بل تعامل بنقيض غرضها لئلا يكون ذلك ذريعة لقتل النساء أزواجهن . وكذا إذا قتل السيد أمته المتزوجة فإن صداقها لا يسقط عن زوجها . الثالث : إقامة الزوجة سنة عند زوجها وإن لم يدخل بها فإن إقامتها هذه المدة يتقرر بها كل الصداق فتقوم مقام الوطء فهذه هي الأمور الثلاثة التي يتقرر بها كل الصداق .
هذا وإن ادعت المرأة أنه وطئها وأنكر هو ينظر فإن كان قد اختلى بها خلوة اهتداء وتسمى خلوة إرخاء الستور وتثبت هذه الخلوة بإقرارهما . أو بشهادة شهود ولو امرأتين حلفت المرأة اليمين على دعواها الوطء فإذا حلفت استحقت كل المهر أما إن نكلت : حلف الرجل : فإن حلف استحقت نصف المهر فقط وإن نكل استحقت كل المهر .
وخلوة الاهتداء هي أن يوجد معها وحدها في محل ويرخي الستور على نوافذه أن كانت ستور وإلا فيكفي غلق الباب الموصل لهما بحيث لا يصل إليهما أحد . وسميت خلوة اهتداء لما فيها من الهدوء والسكون لأن كل واحد منهما اهتدى للآخر ويسكن له .
ويشترط لهذا الحكم بلوغ الزوجة فإن كانت صغيرة وادعت الوطء مع ثبوت خلوة الاهتداء حلف الزوج واستحقت نصف المهر ووقف النصف الآخر حتى تبلغ وتحلف فإن حلفت استحقت النصف الثاني ولا يلزم في هذه الحالة تحليف الزوج مرة أخرى ولا يبطل دعوى المرأة الوطء قيام مانع بها من حيض أو نفاس أو صوم أو إحرام أو نحو ذلك وقيل : يبطل ذلك دعواها إن كان الزوج معروفا بالعفة والصلاح بحيث لا يليق به أن يفعل ذلك والمشهور الأول وإذا اختلى بها خلوة اهتداء وادعت عدم الوطء ووافقها الزوج على ذلك صدقت بلا يمين سواء كانت بالغة الرشدة . أو سفيهة لا تحسن التصرف في المال . أو كانت صغيرة أما إذا لم يوافقها الزوج بأن قال : إنه وطئها وهي أنكرته . فإن كانت سفيهة أخذ بإقراره أما إن كانت رشيد - وهي الحرة البالغة التي تحسن التصرف - فلا يخلو إما أن يصر هي على تكذيبه . وفي هذه الحالة يؤخذ بإقراره لاحتمال أنه وطئها وهي نائمة أو غائبة العقل لأمر ما . وإما أن لا يصر على إقراره بل يرجع عنه . وهي مصرة على تكذيبه . وفي هذه الحالة يؤخذ برجوعه أيضا . فإن رجع هو عن إقراره . ورجعت هي عن إنكارها . فإن كان رجوعها قبل رجوعه ثبت الوطء . وإن أقرت هي بالوطء بعد أن رجع هو عند هذا الإقرار . فليس لها إلا النصف كاستمرارها على تكذيبه .
هذا في خلوة الاهتداء ويقابلها خلوة الزيادة وهي أن تزوره في بيته أو يزورها في بيتها أو يزور الاثنان شخصا آخر في بيته . فإن زارته هي في بيته وادعت الوطء وأنكر صدقت بعد أن تحلف اليمين على ذلك وإن زارها في بيتها وادعت وأنكر عمل بقول باليمين أيضا ومثل ذلك ما إذا زارا أجنبيا في بيته فإنها إن ادعت وأنكره عمل باليمين لأن الظاهر يصدقه فإن ادعى هو الوطء وأنكرت هي كان الحكم هو ما تقدم في خلوة الاهتداء .
الحنفية - قالوا : الأمور التي يتأكد بها المهر ولا تحتمل السقوط خمسة : .
أحدها : الوطء حقيقة أو حكما في عقد صحيح فالحقيقي هو إيلاج الحشفة أو قدرها في قبل امرأة والحكمي هو الخلوة بشرائطها الآتية ومنها يعرف أن الصغيرة التي لا تطيق الوطء لا يثبت لها كل الصداق . لا بدعوى الوطء ولا الخلوة .
ثانيها : موت أحد الزوجين إذا مات الزوج موتا طبيعا أو مات مقتولا بيد أجنبي أو بيد زوجته أو قتل نفسه فإن الصداق المسمى يتقرر كله للزوجة فإن لم يكن مسمى تقرر لها صداق المثل كله وكذا إذا قتل الزوجة أجنبي أو قتل زوجها أما إذا قتلت نفسها فإن كانت حرة فإنه يتقرر لها كل الصداق أيضا وأن كانت أمة فقتلت نفسها فالصحيح إنه لا يسقط وإن قتلها مولاها قبل الدخول فإنه يسقط إذا كان سيدها عاقلا بالغا أما إذا كان صبيا أو مجنونا فإنه لا يسقط لأن فيه اجحافا بهما .
هذا إذا مات أحد الزوجين أما إذا ماتا معا فإن تقادم العهد ولم يتيسر للقاضي معروفة مهر المثل فإنه لا يقضي لورثة الزوجة بشيء عند أبي حنيفة . وأما إذا لم يتقادم وأمكن معرفة مهر المثل . فإنه يقضي به باتفاق .
ثالثها : الخلوة الصحيحة وهي أن يجتمعا في مكان وليس هناك مانع يمنعهما من الوطء لا حسا ولا شرعا ولا طبعا فالمكان الذي تصح فيه الخلوة أن يكونا آمنين من إطلاع الغير عليهما بغير إذنهما كأن يكون في محل مغلق الأبواب والنوافذ التي يمكن الإطلاع عليهما منها فلا تصح الخلوة في الصحراء وإن لم يكن بقربهما أحد إلا إذا أمنا مرور إنسان فإنها تصح وكذا لا تصح على سطح ليس على جوانبه بناء يمنع من رؤيتهما فإذا أمنا هجوم الغير عليهما فإن الخلوة تصح وإن خلا بها في طريق يؤمن مرور الناس بها في وقت معين فإنه يصح وإلا فلا وإذا خلا بها في مكان غير مسقوف باب مغلق فإنه يصح وكذا في كرم وإذا اختلى بها في حجرة في بيت به سكان وأغلق الباب . أو أرخى الستر الذي به يأمن هجوم أحد فإنها تكون خلوة صحيحة ولا تصح الخلوة في المسجد ولا في الحمام ولا في الطريق العام .
وأما المانع الحسي الذي يمنع من الوطء فمثاله أن يكون الرجل مريضا سواء كان مرضه يمنعه من الوطء بالمرة أو كان لا يمنعه . ولكن يلحق به ضرر لأن الغالب أن الرجل المريض تنصرف نفسه عن الشهوة فلا يطلب النساء ولو كان مرضه يسيرا لأنه لا بد يوجد عنده فتور يصرفه عن الشهوة أما المرأة فإن مرضها يمنع صحة الخلوة إذا كان شديدا يمنعها من الحركة أما إذا كان فتورا وتكسرا فإنه لا يمنع مادام الرجل صحيحا وليس من المانع الحسي كون الرجل عنينا . أو مجبوبا أو خصيا فخلوة المجبوب والعنين والخصي صحيحة عند أبي حنيفة أما الخصي وهو مقطوع - الأنثيين - فظاهر لأنه يمكنه الوطء وكذلك العنين فإنه يمكنه أن يدخل ولو بأصبعه وأما المجبوب فإنه يمكنه أن يساحق وينزل وتحمل منه كما تقدم في المحلل .
ومن المانع الحسي القرن - بفتح الراء وسكونها - وهو شيء يوجد يسد فرج المرأة فيمنع من دخول الذكر وهو إما عظم أو غدة أو لحم زائد . والرتق : وهو تلاحم بين ضفتي الفرج ويقال : إنه لحم أو غدة تسد الفرج فيكون مرادفا للقرن . والعقل : وهو لحم ناتئ من خارج الفرج . فسده " كالأدرة للرجال " ومن المانع الحسي الصغر فإذا كانت المرأة صغيرة لا تطيق الوطء . أو كان الزوج صغيرا لا يمكن لمثله أن يجامع النساء . فإنه يمنع الخلوة الصحيحة . وإذا قال أبو الصغيرة : إنها لا تطيق الوطء . وقال الزوج إنها تطيق تحكم النساء لما لهن من الخبرة في ذلك . وفي زماننا تحكم الطبيبات لما لهن من زيادة الخبرة .
ومثال المانع الشرعي أن تكون المرأة حائضا أو نفساء أو يكون أحدهما صائما صيام رمضان أو محرما للنسك سواء كان محرما لفرض أو نفل أو مقيما لصلاة مفروضة . أما صيام التطوع فلا يمنع في ظاهر الرواية وصلاة التطوع لا تمنع قولا واحدا .
ومثال المانع الطبيعي أن يوجد معهما ثالث يمنع الخلوة . وقد يقال : إن هذا مانع مشاهد . فهو من المانع الحسي . وقد مثل للمانع الحسي بعضهم به وعندي أنه يصح أن يراد من المانع الطبيعي ما كان راجعا إلى الخلقة . سواء كان عارضا أو كان موجودا في الأصل وحينئذ فيصح أن يمثل للمانع الطبيعي بالقرن والرتق والعقل والمرض . فهذا هو المانع الطبيعي المنسوب للطبيعة . وهي الخلقة . وكونه محسا مشاهدا لا ينافي تسميته طبيعيا . أما وجود ثالث معهما . فإنه مانع حسي فقط . لأنه غير متعلق بالخلقة فالأولى أن يعكس المثيل .
ويشترط في الثالث الذي يمنع الخلوة أن يكون كبيرا يعقل . أم إذا كان صغيرا لا يعقل . بحيث يمكنه أن يعبر عما وقع بينهما . فإنه يمنع الخلوة . وإذا كان الكبير الذي يعقل أعمى . أو نائما فإنه يمنع صحة الخلوة لأن النائم يخشى تنبهه . والأعمى يشعر ويحس . لا فرق بين أن يكون ذلك بالليل . أو بالنهار على التحقيق . إلا إذا عرف الزوج حالهما أنهما لا يعرفان . كما إذا كان بالأعمى صمم أو كان النائم ثقيل النوم لا يدرك شيئا أو لا يستيقظ فإن الخلوة في هذه الحالة تصح مع وجودهما وإذا كانت معهما جارية أحدهما . فإنها لا تمنع الخلوة وإذا كان معهما كلب فإن كان عقورا فإنه يمنع الخلوة سواء كان كلب الرجل أو المرأة لعدم قدرتها عليه حال الوطء أما إذا كان غير عقور . فإنه يمنع إذا كان للزوجة . لأنها هي التي تفترش فيظن الكلب أن ذلك اعتداء عليها فيمنعها وقال بعض المحققين إن كلب الرجل لا يمنع مطلقا . سواء كان عقورا أو غيره وذلك لأن صاحبه هو الأعلى . فلا يهيجه شيء . أما أنا فأقول : إن كلبيهما لا يمنعان مطلقا . لأن كلا منهما يستطيع إسكاته بانتهاره . فإذا لم يستطيعا انتهاره لا فرق بين أن يكون للرجل أو للمرأة فإن كلب الرجل يهيج على المرأة انضماما لصاحبه . وكلبها يهيج على الرجل انضماما لصاحبته بصرف النظر عن كون صاحبه غالبا أو مغلوبا فالذي أراه أن الكلب إذا كان لا يمكن زجره منع من صحة الخلوة وإلا فلا سواء كان للرجل أو للمرأة .
فالخلوة بهذه الشروط يتقرر بها جميع المسمى من الصداق وجميع مهر المثل عند عدم التسمية وكذلك يثبت بها النسب . ولو من المجبوب وتلزم بها النفقة والسكنى والعدة وحرمة نكاح أختها . فهي تقوم مقام الوطء إلا في حق زوال البكاوة فإن الخلوة دون الوطء تجعل المرأة بكرا تتزوج كالأبكار وكذا في حق الإحصان فإن الخلوة لا تجعلهما محصنين وكذا في حق حرمة البنات فإن الرجل إذا خلا بالزوجة لا تحرم عليه بنتها . وكذا إذا كانت مطلقة ثلاثا وخلا بها بدون وطء فإنها لا تحل للأول كما تقدم وكذا في حق الميراث ولا تورث بالخلوة .
هذا وهل تجب العدة بالخلوة الفاسدة أو لا ؟ خلاف والصحيح أنها تجب احتياطا وذلك لأن المرأة سلمت نفسها ولكن وجد مانع من جهته مثل إذا خلا الرجل بالمرأة في مكان وكانت حائضا أو نفساء أو كان أحدهما صائما رمضان أو كان أحدهما مريضا مرضا ثقيلا أو كان بها مانع حسي فإن خلوته بها توجب الظن على أي حال فيجب أن تعتد منه في الجميع .
وبعضهم يرى أنها تعتد إذا كان المانع شرعيا كالحيض والنفاس والصيام لأن هذا يتأتى معه الوطء بخلاف ما إذا كان المانع طبيعيا كالمرض الشديد الذي لا يتأتى معه الوطء وكما إذا كان بالمرأة مانع طبيعي يمنع الوطء فإن الخلوة في هذه الحالة لا قيمة لها مطلقا ولكن المذهب الأول لأن العدة ليست مبنية على الوطء وإنما هي مبنية على تسليم المرأة نفسها للوطء في مكان صالح له فإذا تحقق هذا المعنى وجبت العدة ظاهرا وهل تجب ديانة ؟ والجواب أن لا فرق في هذا السؤال بين أن تكون العدة صحيحة أو فاسدة فقد قالوا : إذا كانت المرأة موقنة بأنه لم يطأها . حل لها أن تتزوج بدون عدة ديانة لا قضاء .
وبعد فقد ذكرنا لك ثلاثة أمور يتأكد بها جميع الصداق وهي الوطء والخلوة الصحيحة . وفصلنا لك الكلام في الخلوة لتكون على بينة منها .
( يتبع . . . )